“فتح مكة”.. نصر من الله وفتح مبين في رمضان

بواسطة | مارس 22, 2024

بواسطة | مارس 22, 2024

“فتح مكة”.. نصر من الله وفتح مبين في رمضان

كان صلح الحديبية في السنة السادسة من الهجرة ينظم العلاقة بين المسلمين والمشركين لمدة عشر سنوات، وكان من بنوده المهمة أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخله، فدخلت قبيلة “خزاعة” في تحالف مع المسلمين، ودخلت قبيلة “بكر” في تحالف مع قريش.

وقد أدت التطورات والأحداث التي أعقبت صلح الحديبية إلى تغير في ميزان القوى بين المسلمين وقريش لصالح المسلمين، وصدقت الرؤية النبوية، حتى انتهكت قبيلة قريش الهدنة التي كانت بينها وبين المسلمين، وذلك بإعانتها لحلفائها من بني الدّيل بن بكرٍ بن عبد مناةٍ بن كنانة في الإغارة على قبيلة خزاعة، الذين هم حلفاء المسلمين، فنقضت بذلك عهدها مع المسلمين، والمتفقَ عليه بينهم في صلح الحديبية.

أحداث الفتح ودخول مكة:

ردّاً على ذلك، تحرك الرسول ﷺ بالمسلمين في شهر رمضان الكريم متجهاً إلى مكة فاتحاً، وكان تعداد المسلمين في ذلك الفتح العظيم عشرة آلاف مقاتل، وفى الطريق إلى مكة قابل النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس مهاجراً، وكان قد أسلم منذ زمن طويل، وكان عينا لرسول الله ﷺ بمكة، وكان بينه وبين الرسول ﷺ مراسلات.

وتحرك الجيش حتى وصل مكة، فدخلها سلماً بدون قتال، إلا ما كان من جهة القائد المسلم خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم خالد (رضي الله عنه) وقَتل منهم اثني عشر رجلاً، وفرَّ الباقون منهم، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان، ودخل النبي ﷺ مكة مهللاً ومكبراً فاتحاً منتصراً عزيزاً دائماً أبداً، ومن حوله المهاجرون الذين طُردوا بالأمس من ديارهم وأهليهم، وحوله الأنصار الذي استقبلوه خير استقبال فكانوا نعم الأصحاب هم وإخوانهم المهاجرون، وجاء بلال الحبشي (رضي الله عنه)، وصعد على البيت الحرام وأعلن انتصار الحق وهزيمة الباطل، فكبّر وأذّن وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وجعل النبي ﷺ يطعن الأصنامَ التي كانت حول البيت بقوس كان معه، وهو يقول: «جاء الحقُّ وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقًا» و «جاء الحقُّ وما يُبْدئ الباطل وما يُعِيد»، ورأى في الكعبة الصور والتماثيل فأمر بها فكُسرت، وأبى أن يدخل جوف الكعبة حتى أُخرجت الصور، وكان فيها صورة يزعمون أنها صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما من الأزلام، فقال محمد ﷺ: «قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسمنا بها قط».

وكان مفتاح الكعبة مع عثمان بن طلحة (رضي الله عنه) قبل أن يسلم، فأراد عليٌّ أن يكون المفتاح له مع السقاية، لكن الرسول دفعه إلى عثمان بعد أن خرج من الكعبة ورده إليه قائلاً: «هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء»، ولما تم فتح مكة قال الأنصار فيما بينهم: «أترون رسول الله إذا فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها»، وهو يدعو على الصفا رافعاً يديه، فلما فرغ من دعائه قال: «ماذا قلتم؟»، قالوا: «لا شيء يا رسول الله»، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال: «معاذ الله.. المحيا محياكم، والممات مماتكم».

لقد دخل رسول الله ﷺ مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وهو واضعٌ رأسه تواضعاً لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إنَّ ذقنه ليكاد يَمَسُّ واسطة الرَّحل، ودخل وهو يقرأ سورة الفتح، مستشعراً نعمة الفتح، وغفران الذّنوب، وإفاضة النصر العزيز، عندما دخل مكة فاتحاً، وهي قلب جزيرة العرب، ومركزها الروحي والسياسي.

إعلان العفو العام عن أهل مكة:

وفي اليوم الثاني قام رسول الله ﷺ وألقى خطبته المشهورة، وفيها: “إنّ اللَّه حرَّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرام اللَّه إلى يوم القيامة، لم تَحِلَّ لأَحد قبلي، ولا تَحلُّ لأحد بعدي، ولم تَحْلِل لي إلا ساعة من الدهر، لا يُنفَّر صَيْدها، ولا يُعْضَد شَوْكها، ولا يُختَلى خلاها، ولا تحلُّ لُقَطَتُها إلا لمُنشِد” وأقام الرسولُ ﷺ بمكة تسعة عشر يوماً، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكُسرت كلها، ونادى مناديه بمكة: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره».

نتائج فتح مكة المكرمة:

كان من نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها دينَ الإسلام، ومنهم سيد قريش وكنانة أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)، وغيرُهم. وكذلك دخلت مكةُ تحت نفوذ المسلمين، وزالت دولة قريش منها، وأصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب، وتحققت أمنية الرسول ﷺ بدخول قريش في الإسلام، وبرزت الدولة الإسلامية كقوة كبرى في الجزيرة العربية لا يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف في وجهها.

المراجع:

  1. علي محمد الصلابي، السيرة النبوية -عرض وقائع وتحليل أحداث، ص 388، 427.
  2. أكرم ضياء العمري، المجتمع المدني في عهد النبوة، ص 179.
  3. ابن هشام، السيرة النبوية، ص 59-60–62.
  4. محمد فوزي فيض الله، صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، ص 396.
  5. ابن كثير، السيرة النبوية، ص 564 -570.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...