“فرق الموت” بلسان عربي وزيٍّ مدني

بواسطة | فبراير 12, 2024

بواسطة | فبراير 12, 2024

“فرق الموت” بلسان عربي وزيٍّ مدني

المقال يكشف عن استخدام المستعربين الإسرائيليين للتنكر لاغتيال الفلسطينيين. يسلط الضوء على الهوية المختلفة للمنفذين ويشير إلى تاريخ وأساليب المستعربين.

مستعربون إسرائيليون يتنكرون لاغتيال الفلسطينيين

خلال الأسبوع الماضي، دار بيني وبين أحد زملاء المهنة من إحدى الجنسيات نقاش على إثر اغتيال الشبان الفلسطينيين الثلاثة، الذين تم استهدافهم داخل مستشفى ابن سينا في مدينة جنين الفلسطينية، في 30 يناير من العام الجاري.

كان فحوى النقاش – حتى لا أطيل عليكما، عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة- هو هُوية الاثني عشر شخصا الذين قاموا باغتيال باسل غزاوي، الذي كان قد أُصيب بشلل نصفي بعد استهدافه بقصف إسرائيلي على مدينة جنين قبل ثلاثة أشهر، واغتالوا أيضا شقيقه محمد غزاوي ومحمد جلامنة المرافقين له، وكانا حينها في الغرفة نفسها التي يرقد فيها باسل.. جميعهم اغتيلوا برصاصات نافذة في الرأس من مسدسات كاتمة للصوت!

زميلنا كان يحاجج في أنَّ من قام بهذه الجريمة هم مجموعة من الجواسيس الفلسطينيين، مستندا في تحليله “الجهنمي” إلى لباسهم، خاصة وأن في المجموعة سيدة ترتدي الحجاب، مُنكراً أن يكونوا خلاف ما رآهم هو! وتوجهت له بالسؤال عن هذه المعطيات، أهي كافية لتتيقن بأن من قام بهذه العملية هم فلسطينيون أو ممن خانوا فلسطين؟ وسؤالي لا يعني نفي وجود جواسيس، منهم من ابتزّ بعرضه، ومنهم من اختار لذة الدنيا على الآخرة، وهذا ينطبق على الجنسيات برمتها؛ فالمشكلة ليست بالجنسية وإنما بعقيدة الشخص، وإن لم تكن عقيدته فوطنيته، لا يهم هُنا.. وكررت السؤال، ليؤكد أن ملامحهم عربية ولباسهم عربي، الأمر الذي لا يدع مجالا للشك في أنهم فلسطينيون أو عرب!. هذا التأكيد أصابني بصدمة ربما لم تتجاوز الدقيقة، لكن هذا الأمر يؤكد أنَّه توفر لإسرائيل من المستعربين أكثر مما طمحت إليه.

فالمستعربون (فرق الموت) هم جنود إسرائيليون، بلسان عربي وبزي مدني شبيه بما يرتديه الفلسطينيون، إلا أنهم جنود من أفراد قوة خاصة إسرائيلية، يتنكرون بأزياء مدنية ويستقلون مركبات مدنية أيضا، وأكثر من ذلك أن منهم من يحفظون سورا كاملة من القرآن ويؤدون الصلاة وكأنهم نشؤوا عليها، ويحفظون أركان الإسلام أكثر من مسلمين بشهادة الميلاد فقط، لينخرطوا بالمجتمع الفلسطيني دون أن يثيروا الشكوك حيالهم، كما أنهم يتلثمون بالكوفية الفلسطينية ليندسوا بين المتظاهرين الفلسطينيين ويهتفوا معهم ضد الكيان الإسرائيلي، إلا أنهم مسلحون يخفون أسلحتهم تحت ملابسهم، متحينين الفرصة المناسبة ليشهروا أسلحتهم وليعتقلوا ويختطفوا ويغتالوا من الشباب الفلسطيني تحت حماية الجيش الإسرائيلي بعد أن يشهروا أسلحتهم. وعلى مدار سنوات، لاسيما في العامين الماضيين، نفذت هذه الوحدة – وهي وحدة أمنية سرية خاصة- عدة عمليات اغتيال، تركزت في محافظات جنين وطولكرم ونابلس وغيرها من المحافظات.

والمستعربون ليس وجودهم فكرة جديدة، بل إن الفكرة تبلورت منذ ثلاثينيات القرن الماضي، عندما شكلت عصابة الهاجاناه فريقا من أعضائها للقيام بمهام استخباراتية، وتنفيذ عمليات قتل وتصفية ضد الفلسطينيين، وكان أول مستعرب هو أهارون حاييم كوهين؛ ومع الزمن حُولت فرقة المستعربين إلى دوائر الاستخبارات العامة، وانقطع استخدام المستعربين خلال العقود الأربعة الأولى بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، ليتجدد في أواخر الثمانينيات عند انطلاق الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح المستعربون تحت إدارة وتوجيه جيش الاحتلال. وبالاستناد إلى وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، فقد أطلقت شرطة الاحتلال وحدة مستعربين سرية بين العرب داخل أراضي الـ48، بهدف إنشاء بنية تحتية استخباراتية تمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من التحري عن العرب، بعدما واجهت حكومة الاحتلال وجهازها الاستخباراتي مشكلة قلة المعلومات، لاسيما داخل الأراضي العربية.

ولابد من الإشارة إلى أنَّ المستعربين لا يشكلون وحدة واحدة فقط بل عدة وحدات، وكل منها تتبع لمؤسسة أمنية ما، لها مهام واختصاصات؛  فدوفديفان هي وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي وبدأ عملها منذ عام 1987 على يد إيهود باراك، وهدفها تنفيذ عمليات اعتقال واغتيالات؛ أما وحدة “ي.م.س” فهي تابعة لحرس الحدود وللشرطة في زمن الهدوء، تنشط في الضفة المحتلة وتعد واحدة من وحدات النخبة، ولكنها تنشط مع جهاز الشاباك؛ ووحدة “متسادا” تتبع لإدارة سجون الاحتلال، وأُنشئت منذ بداية القرن الحالي، وتعد أيضا من وحدات النخبة التابعة لجيش الاحتلال، وتستخدم كذلك لقمع المتظاهرين في الضفة؛ أما وحدة “غدعونيم” فهي وحدة تابعة لشرطة الاحتلال، وتأسست عام 1990 كوحدة مهمات خاصة، وأُقيمت داخل فرقة مستعربين تعمل بشكل خاص في مدينة القدس المحتلة؛ وهناك وحدة “يمام” الخاصة في جهاز ما يسمى حرس الحدود التابع أيضا لشرطة الاحتلال وأُنشئت عام 1974، متخصصة في مجال الاستجابة للحالات القصوى؛ ووحدة “يسام” ووحدة “سييرت متكال” التي تأسست عام 1957، وغيرها من الوحدات، التي وإن تعددت أسماؤها فمهماتها واحدة، والهدف اعتقال واغتيال الفلسطيني الذي فضل العيش في وطنه المحتل.

ختاما..

رُصد لوزير الدفاع الإسرائيلي الحالي ياؤوف غالانت تغريدة عام 2019 بعيد “البوريم” أو التنكر”، قال فيها: “عام 1992، عندما كنت نائب قائد الوحدة 13، تنكرت وأربعة محاربين آخرين في زي صيادين لبنانيين ضمن عملية استعراب لجمع معلومات استخباراتية من جنوب بيروت، ووقع احتكاك خطير مع قوات محلية لكن اللباس التنكري ساعدنا.”

3 التعليقات

  1. Lady Gaga

    الكاتبه هديل ..
    أعتز بوجود كاتبه مثلك ، تبذل من وقتها و قلمها الجهد الكثير للبحث و التقصي للوصول إلى أصل الحقيقةً و تحمل هم إيصالها لغيرها ممن لا يعرفونها . و هذا هو واجب الكاتب الشريف صاحب القلم الحر .

    الرد
    • هديل

      شكرا لكلماتك الداعمة

      الرد
  2. حسين قاسم

    شكراً لكي أستاذه هديل على هذا المقال لإحتوائه على كم من المعلومات القيمه ويعتبر مرجع لمعرفة من هم (المستعربون) بالذات .. أتمنى لكي المزيد من الإبداع والتافني بالمقالات القادمه .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
Loading...