فلسطين لا تحتاج لفولتير!

بواسطة | أكتوبر 13, 2023

بواسطة | أكتوبر 13, 2023

فلسطين لا تحتاج لفولتير!

يقال إنه وبعد دخول ألمانيا إلى فرنسا عام 1940، هتف أحد الضباط: “هذا نصر تاريخي”، فما كان من قائده إلا أن أسكته قائلا: نعم، انتصرنا غير أننا ليس عندنا “فولتير” ليخلد نصرنا ويصنع منه تاريخا.
الأدب يخلّد الأحداث، والدراما لطالما صنعت التاريخ، وكثيرا ما زوّرته.. غير أن المقاومة الفلسطينية صنعت تاريخها بدمائها، وزادت فوثقته بكاميرات زرعتها على جبين مقاتليها، وفوق أسلحتهم، لترينا ونحن متكئين على الأرائك لقطات لا تعاد مشاهدها، ولا تتم معالجتها في معامل الصوت والصورة، نصر حقيقي يتخطى إبداع “سبيلبرج” ويفوق في واقعيته أكاذيب أفلامه.
لا تحتاج غزة إلى إبهار هوليود، ولا بطولات رامبو المتخيَّلة، لقد أثبت أبطال القسام أن البطولة الحقيقية لا تهتم بالبروباجندا، بل تحتاج منك فقط أن تكون مؤمنا بقضيتك، ساعيا إلى نصرتها، صانعا لوقائعها.. الأبطال الحقيقيون ليسوا بحاجة إلى أن تفتح كلتا عينيك كي تراهم وتنبهر، إنهم سيضعون أعينهم في عين الحقيقة كي يخجل التاريخ، ويعترف بكذب حكاياته كلها.
كم احتاجت أكذوبة “الجيش الذي لا يُقهر” وخرافة “المنظومة الدفاعية الأقوى في العالم” ووهم “أقوى جهاز استخباراتي” وهوس “أخطر برامج التجسس”؟
دقائق.. وصار جبل الأكاذيب أثرا بعد عين.. الإعلام يصنع، والقسام تهدم.
ووقتَ الجد يرفع نتنياهو سماعة هاتفه ويطلب الغوث من الأم التي ألقت لقيطها بيننا، يطلب الحماية، والخوف يصارع غطرسته، يُريق ماء وجهه ـ إن وُجد ـ وهو يعترف أن حماس التي طالما سفَّه منها تقف على عتبة داره، بعدما مرغت كرامة جنوده في الوحل، وأخرجتهم من مخابئهم دون ملابسهم العسكرية، وكرماً منها سمحت لهم أن يستروا عوراتهم، بعدما عرَّت كرامتهم.. تماماً.
ليس هذا فحسب، فالقسام أعادت التأكيد على أن حرية الرأي أكذوبة، إذ كل المنصات التي ادَّعت أنها توفر حرية تبادل المعلومات أطلقت خوارزمياتها كي تلاحق الكلمات، وتفتش عن المتعاطفين، وتحذف حسابات تنقل الواقع، وتنذر من يشير إلى إرهاب دولة الاحتلال! ولم يكتفِ العالم الحر بفتح استوديوهاته لترويج الأكاذيب، وتحويل الجاني إلى ضحية، لكن ضمائرهم الخربة ضاقت حتى أصبحت كالحُقّ، فأخذت تحاصر الحقيقة في كل منشور، وفيديو، وتدوينة.
القسام لا تُطلق رصاصاتها على الصهاينة بقدر ما تطلقها على ضمير العالم، ولا تسقط صواريخها على مستعمرات العدو إلا بعدما تلقيها على ميزان الحق الذي خدعونا به، فتُظهِر عوج رمانته، وزيف أحكامه، وبؤس ادعاءاته.
في مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأميركي “جون بايدن” يُصرح نتنياهو أن القسام تقتل الأطفال وتغتصب النساء، قبل أن تخرج مستوطنة إسرائيلية في إحدى المقابلات لتؤكد أن الجنود تركوها تذهب بعدما وجدوا معها أطفالها، لكن ضمير العالم يضيق بالحقيقة المصوّرة لحساب الأكاذيب المروية، ينحاز لكاميرا “سبيلبرج” ويُهمل الواقع المعايَن.
تُقصف غزة، ويموت مدنيون، وتُشيَّع جنازات أكثر من ثلاثمائة طفل، فيعلن الاحتلال عن تصفيته لقيادات حماس، العالم يرى أطفال غزة.. لكنه يصدق خرافات نتنياهو!. غير أن فلسطين لا تهتم بكل هذا، لقد أدرك أبناؤها أن الحقيقة لا تحتاج لفولتير كي يخلدها في ذاكرة التاريخ، فلسطين تضع التاريخ المُزيَّف تحت حذائها وتمضي لتكتب تاريخها بنفسها.. فلسطين أعلنت ضجرها، هي لا تحتاج لراوٍ يروي حكايتها، البارود يفعل هذا بشكل أصدق.
هذا عن فلسطين، فماذا عنا نحن، ما الذي سنرويه؟ والأهم.. أين سنرويه؟!
ملايين النفط والغاز.. ألا تستطيع أن تنشئ لنا منصات عالمية نروي عليها حكايتنا؟
ألا نستطيع تبني حملة نُجبِر فيها أصحاب الحائط الأزرق والتغريدات على سماع قصتنا؟
هل نقدر، ونحن قوة يسيل لها لعاب الرأسمالية، أن نقرر.. ونرفض.. ونُجبِر؟
إنهم يحاولون أن يحاصروا الحق بمحاصرة الكلمة، إنهم يقتلون فولتير كي لا يُخلّد نصر فلسطين.. لكن فلسطين كما قلنا لا تهتم.. فهل يهتم فولتير!؟

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...