في البحث عن جيوش “ديمقراطية” عربية
بقلم: خليل العناني
| 29 يونيو, 2023
مقالات مشابهة
-
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ...
-
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق...
-
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر...
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 29 يونيو, 2023
في البحث عن جيوش “ديمقراطية” عربية
لا يُتصور وجود تجربة ديمقراطية ناجعة دون تحييدٍ لدور العسكر في السياسة، فالحكم العسكري هو المقابل النافي والمضاد للحكم الديمقراطي، وذلك بحكم التعريف والتجربة؛ ولم تنجح تجارب الانتقال الديمقراطي في مختلف أنحاء العالم إلا بعد الاتفاق على خروج العسكر من السياسة بأي شكل، سواء من خلال التفاوض أو التنازل أو الإكراه. أما في بلاد العرب فالعكس هو ما يجري؛ فالعسكر، وغيرهم من النخب السلطوية، لا يتفاوضون ولا يتنازلون، وإذا أُكرهوا على ترك السلطة، أصبح شعارهم “إما أنا أو الفوضى”. رأينا ذلك وعشناه صوتا وصورة في كل من العراق ومصر وسوريا واليمن وليبيا والصومال، ونعيشه حاليا في السودان.
هذا ما أكدته أيضا تجربة “الربيع العربي”، التي كشفت عن الدور الحيوي الذي تلعبه الجيوش في مسألة الثورات والانتفاضات، ومن ثم الانتقال الديمقراطي. وأنه لا يمكن لبلد ما أن ينجح في إقامة نظام ديمقراطي دون خروج العسكر من السياسة، أو على الأقل التزامهم بقواعد اللعبة السياسية التي تؤطر دورهم في مجالات الأمن القومي والدفاع عن الأوطان وحدودها، بعيدا عن المجالين السياسي والمدني.
هل يمكن أن نتخيل وجود جيوش عربية تلتزم بقواعد الديمقراطية؟ وهل هناك تجارب عالمية ناجحة في هذا الصدد؟ وما هي اشتراطات هذا النجاح؟
وإذا كانت الجيوش العربية قد لعبت دورا أساسيا في سياسات التحديث والتنمية، عقب مرحلة الاستقلال عن الاستعمار منتصف القرن الماضي، أو هكذا تم تصوير الأمر، فإنها توغلت وهيمنت على المجال المدني وجمّدت الحياة السياسية، ودمرّت فرص نجاح أي تجربة ديمقراطية، وأصبح البقاء في السلطة هدفا أساسيا للنخب العسكرية التي استولت عليها بعد خروج المستعمر.
لذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن نتخيل وجود جيوش عربية تلتزم بقواعد الديمقراطية؟ وهل هناك تجارب عالمية ناجحة في هذا الصدد؟ وما هي اشتراطات هذا النجاح؟. هذه الأسئلة وغيرها ناقشها كتاب “الجندي والدولة المتغيرة: بناء جيوش ديمقراطية في إفريقيا وآسيا وأوروبا والأميركتين” للباحث الأمريكي “زولتان باراني”، الأستاذ بجامعة تكساس والمتخصص في مسألة الجيوش ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. وكان له كتاب شهير قد صدر عشية الربيع العربي حول كيفية استجابة الجيوش للثورات، ونشرت ترجمته “الشبكة العربية للأبحاث والنشر”.
في كتابه “الجندي والدولة المتغيرة” يجادل باراني بأن ثمة ثلاثة شروط لقيام جيوش ديمقراطية في بلد ما؛ أولها أنه لا يمكن قيام ديمقراطيات راسخة بدون نخب عسكرية ملتزمة بالحوكمة الديمقراطية، وثانيها، أنه لابد من وجود ما يسميه باراني “لحظة تكوينية” أو “مفاصل حرجة” يُصار معها إلى تأسيس مؤسسات جديدة في الدولة ومنها المؤسسة العسكرية. وثالثها، طبيعة السياقات التي تجري بها عملية الانتقال الديمقراطي. وهنا تحديدا يشير باراني إلى ثلاثة سياقات مختلفة قد تساهم في بناء الجيوش الديمقراطية.
أول هذه الثلاثة هو سياق الحرب سواء أكانت حربا كبرى تُهزم فيها الدولة هزيمة ساحقة، ومن ثم يُعاد بناؤها من جديد، خاصة بناء المؤسسة العسكرية على أسس احترافية لا تتدخل في السياسة وتلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية؛ ويحدث ذلك في الأغلب بمشاركة فاعلين أجانب، وذلك على غرار ما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. أو بعد حرب أهلية مدمرة تدفع بالقوى المتحاربة لتوقيع اتفاقات سلام وتهدئة واتفاق على قواعد للعبة السياسية لا يُحتكم فيها للسلاح، وذلك على نحو ما حدث في البوسنة والهرسك والسلفادور ولبنان.
السياق الثاني هو سياق سقوط الحكم العسكري وفشله، ومن ثم البحث عن نظام جديد أكثر كفاءة وقدرة على إدارة شؤون الدولة، وذلك على غرار ما حدث مع الموجة الثالثة للديمقراطية في بلدان جنوب المتوسط (إسبانيا والبرتغال واليونان) في السبعينات، وفي أميركا اللاتينية منتصف الثمانينات.
أما السياق الثالث فهو تحول الدولة في مرحلة ما بعد الاستعمار، ووجود نخب سياسية واعية بأهمية تأسيس نظام ديمقراطي، وذلك كما حدث في بعض البلدان الإفريقية، مثل غانا وتنزانيا وبوتسوانا.
للولايات المتحدة تحديدا سجل أسود وتاريخ طويل في دعم الانقلابات العسكرية، سواء في إيران أو في أميركا اللاتينية أو في إفريقيا؛ في حين أنها صمتت وتواطأت مع النخب العسكرية التي قامت بالانقلابات الأخيرة في العالم العربي.
ومن خلال تقصي هذه الاشتراطات والسياقات السابقة، يصل باراني إلى نتيجة مهمة، مفادها أن فرص بناء جيوش ديمقراطية تخضع لعملية معقدة من المفاوضات والمساومات، قد تنجح وقد تفشل حسب ظروف كل دولة. ولعل هذا ما يطرح السؤال حول إمكانية تكرار الأمر في الحالة العربية، وهل يمكن أن نشهد جيوشا ديمقراطية، ونخبا عسكرية لا تمارس السياسة ولا تسعى للسلطة؟. باعتقادي، الأمر صعب، وإن لم يكن مستحيلا، وهو يتطلب فضلا عن الاشتراطات الثلاثة السابقة شرطين آخرين، أولهما اقتناع قطاع واسع من النخب المدنية بضرورة خروج العسكر من السياسة، وبأنها قادرة على حل خلافاتها دون الهرولة للعسكر كي يتدخل إذا وقع خلاف بينها؛ وهو شرط مهم وضروري في السياق العربي الذي شهد التحالف بين المدنيين والعسكر مرارا وتكرارا في أكثر من حالة عربية، كمصر والسودان، والعراق، وسوريا، وغيرها. فمعظم الانقلابات العربية لم تحدث فقط نتيجة لسعي العسكر للاستيلاء على السلطة، وإنما أيضا بسبب فشل النخب المدنية في حل مشاكلها بعيدا عن استدعاء العسكر، وأحيانا تحريض بعضها على بعضها الأخر.
أما الشرط الثاني فهو توقف القوى الخارجية عن دعم النخب العسكرية وتحريضها على البقاء في السلطة؛ ففي حالات كثيرة دعمت أميركا وأوروبا وكذلك قوى إقليمية استيلاء العسكر على السلطة في أكثر من بلد عربي، كان آخرها في مصر عام ٢٠١٣ وفي السودان عام ٢٠٢١ ومن قبلهما في موريتانيا. وللولايات المتحدة تحديدا سجل أسود وتاريخ طويل في دعم الانقلابات العسكرية، سواء في إيران أو في أميركا اللاتينية أو في إفريقيا؛ في حين أنها صمتت وتواطأت مع النخب العسكرية التي قامت بالانقلابات الأخيرة في العالم العربي. كما أن دولة مثل إسرائيل من مصلحتها استيلاء العسكر على السلطة وبقاؤهم فيها، وذلك لقناعتها بأن أي ديمقراطية في العالم العربي قد تمثل تهديدا وجوديا لها؛ ولذلك حاربت الربيع العربي وحرّضت عليه حلفاءها الإقليميين والدوليين، وتسعى جاهدة كي تبقى الأوضاع الراهنة على ما هي عليه.
لذلك، فإن معركة التغيير الديمقراطي في العالم العربي لن تكون سهلة، وهي بحاجة إلى فهم طبيعة الخصوم الذين تواجههم، سواء كانوا محليين أو إقليميين أو دوليين، وقبل كل ذلك التزام النخب السياسية بالقيم الديمقراطية، وهي مسألة تحتاج لوقت كافٍ وجهد كبير.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
مع الهمجية ضد التمدن
يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...
0 تعليق