في تركيا.. ليست عنصرية بل كراهية منتَجة سياسيّاً

بواسطة | سبتمبر 11, 2023

بواسطة | سبتمبر 11, 2023

في تركيا.. ليست عنصرية بل كراهية منتَجة سياسيّاً

إن وصول 3.5 مليون شخص كلاجئين مؤقتين بسبب الحرب الأهلية في سورية، كان وما يزال موضوع نقاش في تركيا، مع ما نتج عنه من مشكلات في جوانب الأمن والاقتصاد ومشاعر العداء الناشئة.. وللأسف، تستمر هذه المشكلات في النمو.
وقد أظهرت تركيا مرة أخرى من خلال قبول اللاجئين نفاق الدول الغربية، التي تسببت بالحرب الأهلية في سورية ثم أغلقت أبوابها أمام المشكلة الإنسانية التي نشأت عنها؛ وظل العدد الإجمالي لطالبي اللجوء الذين قبلتهم جميع الدول الأوروبية عند حوالي 1 مليون، أي ثلث العدد الذي قبلته تركيا. ولا شكّ أن مسألة اللاجئين أحدثت بعض المشكلات للدول والشعوب المستقبلة لهم، لكن تركيا تواجه أعظم أشكالها، خاصة وأنَّ “العداء للسوري” مشكلة كبرى، تحولت لتصير عداء للعرب.
ليس من الصحيح تسمية ما يحدث بالعنصرية، فالعنصرية تنطوي على تمجيد عرق المرء مع إهانة عرق آخر أو أجناس أخرى؛ ولا يمكن حتى أن يُطلَق عليه “كراهية الأجانب”، لأنه لا يوجد أساس اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي لمعاداة العرب في تركيا، ولا يوجد ما يبرر هذا العداء. وهذا يعني أن هناك مشكلة تم إنتاجها، وهي لم تكن موجودة، وأن من الممكن إنتاج حل لهذه المشكلة مرة أخرى؛ لكن دعونا نترك ذلك إلى وقت لاحق.
إن أول تأثير لهذه المشكلة يظهر في أرقام حجم السياحة الوافدة إلى تركيا، فوفقا لبيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية، استضافت تركيا حوالي 22 مليون و945 ألف سائح في النصف الأول من عام 2023، منهم حوالي 2 مليون و 141 ألف جاؤوا من الدول العربية؛ ويمثل هذا الرقم تراجعا بنحو 10% في عدد السياح العرب الذين زاروا تركيا في الفترة نفسها من عام 2022.
في الآونة الأخيرة، كانت هناك حملات بين العرب، دعا إليها العديد من النشطاء والشخصيات العامة لمقاطعة السياحة في تركيا بسبب العنصرية، وأتى ذلك بعد ظهور عدة حوادث عنصرية ضد السياح العرب في تركيا، وشملت هذه الحوادث اعتداءات بدنية ولفظية. وتُعَدّ حملة “قاطعوا تركيا”، التي أطلقها نشطاء عرب على منصات التواصل الاجتماعي، واحدة من أهم الحملات الداعية إلى مقاطعة السياحة في تركيا؛ حيث إنَّ الهدف منها هو حشد الدعم العربي لمقاطعة السياحة في تركيا وإدانة الحكومة التركية بالعنصرية.
لقد عملت تركيا على مدى سنوات لتحقيق انطباع إيجابي عنها في العالم العربي، وبعد كل تلك الجهود المبذولة لذلك تتمتع منتجات تركيا وصناعتها الآن باحترام غير عادي؛ وهذا بالمقابل أيضاً يسهّل وصول صادرات العالم العربي إلى تركيا، ويعطيها أفضلية على الصناعات المنافسة مثل الصينية والهندية لأسباب عدة مثل الجودة والقدرة التنافسية.
وقد لعبت المسلسلات التلفزيونية التركية دورا كبيرا في جذب اهتمام العالم العربي، وشكلت دعاية لترويج السياحة والسفر إلى تركيا. ويدعم السياح العرب الاقتصاد التركي بسبب معدلات إنفاقهم المرتفعة أثناء زياراتهم، حيث يشترون العقارات، ويساهمون في إنعاش السياحة في العديد من المدن، وأهمها طرابزون وريزا وإسطنبول ويالوفا وسبانجا، وتبعا لذلك نشأت مناطق متنامية ونامية بمفردها بسبب الاهتمام الاستثنائي للسياح العرب. ومن ناحية أخرى، تدفع العلاقات السياسية المتطورة بين تركيا والعالم العربي الطرفين ليشكلا قوة إقليمية فعالة من جميع الجوانب.. غير أنَّ كل هذه المكاسب يهددها مناخ من العنصرية وكره الأجانب.
فبينما تسيطر تركيا على حدودها بقواتها الأمنية، فإن النزاعات الداخلية وخاصة من قبل السياسيين تؤجج الصراع، وهذا الوضع ليس في مصلحة تركيا؛ فنحن بحاجة إلى استمرار وتشجيع الاستثمارات، ولا أعرف ما إذا كان أولئك الذين يديرون الصراع والنزاعات، يدركون أنهم يقومون بدفع المستثمرين والسياح العرب لتحويل استثماراتهم إلى أوروبا.
بلغ حجم الاستثمارات العربية في تركيا عام 2022 نحو 11.4 مليار دولار، بحسب بيانات مجلس الاستثمار التركي؛ وكانت الإمارات العربية المتحدة أكبر مستثمر عربي في تركيا بنحو 4.3 مليار دولار أمريكي؛ وتلتها قطر بمبلغ 2.7 مليار دولار، ثم المملكة العربية السعودية بملياري دولار، والكويت بمبلغ 1.9 مليار دولار..
كيف يستجيب العالم للاستثمار العربي؟
في مقابل ما ذكرناه، تُظهر البيانات زيادة كبيرة في الاستثمارات العربية في أوروبا وأمريكا في عام 2023. فبينما بلغ إجمالي استثمارات دول الخليج في أوروبا وأمريكا عام 2022 حوالي 235 مليار دولار، وصل هذا الرقم في عام 2023 إلى حوالي 275 مليار دولار. وما تزال الولايات المتحدة الوجهة الأكبر لاستثمارات دول الخليج، ففي عام 2022 بلغ إجمالي استثمارات دول الخليج في الولايات المتحدة حوالي 150 مليار دولار، بينما وصل هذا الرقم في عام 2023 إلى حوالي 175 مليار دولار؛ وتشمل مجالات الاستثمار الرئيسة في الولايات المتحدة التكنولوجيا والطاقة والعقارات.
وتعد المملكة المتحدة ثاني أكبر وجهة لاستثمارات دول الخليج في أوروبا وأمريكا بعد الولايات المتحدة؛ ففي عام 2022، بلغ إجمالي استثمارات دول الخليج في المملكة المتحدة حوالي 40 مليار دولار، بينما وصل هذا الرقم في عام 2023 إلى حوالي 50 مليار دولار؛ وتشمل مجالات الاستثمار الرئيسة في المملكة المتحدة التكنولوجيا والتمويل والخدمات اللوجستية. ومن الدول الأوروبية الأخرى التي شهدت زيادة في استثمارات دول الخليج في عامي 2022 و2023 ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا؛ وتشمل المجالات الرئيسة للاستثمار في هذه البلدان التكنولوجيا والصناعة والبنية التحتية.
وجاءت الزيادة في استثمارات دول الخليج في أوروبا والولايات المتحدة بسبب عدة عوامل، منها:
أولا: أدى النمو الاقتصادي في أوروبا وأمريكا إلى زيادة الطلب على سلع وخدمات دول الخليج.
ثانيا: جعل الاستقرار السياسي والاقتصادي في أوروبا والولايات المتحدة هذه البلدان وجهة جذابة للاستثمار.
ثالثا: جهود دول الخليج لتنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على النفط والغاز.
ومن المتوقع أن تستمر استثمارات دول الخليج في أوروبا وأمريكا بالنمو في السنوات المقبلة.
إن ما شهدناه وما سنشهده يبين أننا نواجه شعورا بالكراهية من إنتاج سياسي!. وبطبيعة الحال، فإنه لن يكون مفاجئا أن يتبع ذلك نتائج سلبية مثل انخفاض الاستثمارات، وانخفاض عدد السياح من الدول العربية؛ وبناء عليه فإن من الضروري العمل على إيجاد حالة معاكسة لهذا الشعور بالكراهية الذي ينتشر في جميع أنحاء المجتمع، والذي زرعه سياسيو المعارضة على وجه الخصوص من أجل تأجيج كراهية السلطة في المجتمع.
والواقع أن الكراهية هي نوع من العاطفة، قد تبدو قوية جدا، ولكنها الأضعف في الحقيقة، فإنها بشيء من الحوار وقليل من المحبة، لا تتشتت فقط، بل إنها تختفي أيضا.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...