في ذكرى مئوية الجمهورية “أردوغان يدشن القرن التركي”

بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

| 29 يونيو, 2023

بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

| 29 يونيو, 2023

في ذكرى مئوية الجمهورية “أردوغان يدشن القرن التركي”

نشر نيكلوس بيرنز المسؤول البارز السابق في وزارة الخارجية الأميركية والسفير الأميركي الحالي في الصين، عام 2012 عندما كان محاضرا في جامعة هارفارد، دراسة  بعنوان: “صعود تركيا كقوة عظمى”  “The Rise of Turkey as Superpower”، وفي دراسته حاجج ما كان متوقعاً بشأن تراجع مكانة ودور تركيا بعد نهاية الحرب الباردة عقب سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي، بعدما كانت تركيا خط الدفاع الأخير في وجه التغلغل الشيوعي باتجاه الشرق الأوسط، وأن تركيا ستصبح دولة من الدرجة الثانية؛ لكن ذلك لم يتحقق، برغم عنصرية أوروبا التي رفضت انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، النادي المسيحي، والسبب حسب وزير خارجية دولة أوروبية قبل عشرين عاما أن “تركيا دولة مسلمة وفقيرة بالمقارنة بمعايير الدول الأوروبية”؛ بينما انضمت قبرص وجمهوريات وسط وشرق أوروبا التي كانت أعضاء في حلف وارسو، وهم يعملون حتى لضم أوكرانيا للناتو وللاتحاد الأوروبي!. ويمضي بيرنز: “التوقعات بتراجع مكانة تركيا كانت خاطئة، حيث صارت تركيا قوة ونجما صاعدا، ومن أكثر الدول تأثيرا ونفوذا في العالم الإسلامي، ومصدر إلهام لملايين المسلمين كنظام ونموذج ناجح”. وقد شاهدنا كيف تابعت الشعوب العربية والإسلامية واهتمت واحتفلت بفوز أردوغان الشهر الماضي، وخاصة باعتبار أن تركيا كانت الدولة الأوروبية الوحيدة التي زادت من مكانتها بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وبنمو اقتصادي مميز، قبل أن تعاني من تضخم نجح أردوغان بخفضه إلى أقل من النصف، ورافق ذلك ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار، واضطرار أردوغان لزيادة الحد الأدنى لموظفي القطاع الحكومي إلى 15000 ليرة (حوالي 650 دولار) شهريا.

اكتسب دور تركيا أهمية في التعامل مع أزمات وملفات المنطقة في الشرق الأوسط كلاعب مؤثر في الأمن الإقليمي؛ وبرز ذلك بتعميق الشراكة الإستراتيجية مع دولة قطر منذ الأزمة الخليجية عام 2017

يشكل فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة التركية والبرلمانية للمرة الثالثة الشهر الماضي، إنجازا غير مسبوق وتصويتا واستفتاء على إنجازات أردوغان وحزبه خلال 21 عاما. وقد نجحت تركيا برغم الضغوط والصعوبات والتحديات بالتمسك بهويتها التركية المحافِظة، وهُزمت المعارضة وخطها العلماني المتطرف في الداخل، وهُزمت كذلك دول الغرب وإعلامها الذي فقد رصانته بعدما شن حملة عداء وتطاول وشيطنة ضد الرئيس أردوغان وحزبه، بكيل افتراءات عليه ووصفه بالمستبد والمتسلط، وذلك برغم فوزه بصناديق الاقتراع منذ عام 2002 في جميع الانتخابات التي خاضها وحزبه، وأنه لم يصل للسلطة على ظهر دبابة وبانقلاب عسكري، وقد تجاهل ذلك الإعلام حقيقة أن الحاكم المستبد لا يحتاج لتنافس يحبس الأنفاس ضد مرشح المعارضة ولا لجولة إعادة ليحسم سباق الرئاسة.
اكتسب دور تركيا أهمية في التعامل مع أزمات وملفات المنطقة في الشرق الأوسط كلاعب مؤثر في الأمن الإقليمي؛ وبرز ذلك بتعميق الشراكة الإستراتيجية مع دولة قطر منذ الأزمة الخليجية عام 2017، وبإنهاء حالة الفتور في العلاقات مع السعودية والإمارات، وتوقيع شركة أرامكو السعودية -العملاق النفطي- عقودا قيمتها 50 مليار دولار مع شركات بناء تركية، كما وقعت دولة الإمارات التي كان رئيسها، الشيخ محمد بن زايد، من أوائل قادة الدول الذين زاروا تركيا لتهنئة الرئيس أردوغان بفوزه، وتعهد بتوقيع اتفاقيات تجارية بقيمة 40 مليار دولار  للسنوات الخمسة القادمة؛ كما وقعت الكويت الأسبوع الماضي اتفاقية مباشرة مع شركة بيكار المصنعة لمسيرات بيرقدار TB-2 بقيمة 370 مليون دولار، بعدما أثبتت المسيرات كفاءتها وتميزها، وتأكدت فعاليتها في حروب ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا؛ وقد وقَّعت الشركة عقود صفقات توريد بيع مسيرات لـ 28 دولة بينها الكويت وقطر والإمارات ودول أوروبية منها بولندا، ليرتفع مجمل صادرات الأسلحة التركية إلى 4.4 مليار دولار، مع سعي الحكومة لرفع مجمل صادرات الأسلحة لستة مليارات دولار هذا العام.
 كذلك برز دور تركيا في القضايا والملفات العالمية، وأبرزها نجاح وساطة تركيا بين روسيا وأوكرانيا بالتوسط بين الرئيسين الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي للتوصل لتوقيع اتفاق الحبوب والقمح في الصيف الماضي، بتصديره من موانئ أوكرانيا وخاصة ميناء أوديسا على البحر الأسود، ما يؤكد أن الرئيس أردوغان هو القائد الوحيد الذي يرتبط بعلاقات شخصية وثيقة مع الطرفين، ما جنَّب العالم وخاصة شعوب أفريقيا أزمة غذاء عالمية كبرى.

عرقلت تركيا انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو حتى تستجيبا لمطالب وشروط تركيا بتسليم شخصيات تصنفهم إرهابيين أعضاء في منظمتي PKK وYPG، ورفع الحظر عن تصدير السلاح إلى تركيا.

ونجحت تركيا بقيادة أردوغان بلعب توازنات صعبة دوليا، كعضو بارز في حلف الناتو منذ عام 1952، وتملك ثاني أقوى جيش بعد الجيش الأمريكي في الناتو. وأثارت تركيا غضب الولايات المتحدة وأعضاء الناتو بامتلاكها منظومة S-400 الدفاعية الروسية المتطورة، ما يهدد منظومات دفاع حلف الناتو؛ وقد تحدى بها الرئيس أردوغان إدارة ترامب التي ردت برفض تزويد تركيا بمنظومة الدفاع الجوي باتريوت، فلجأ إلى روسيا برغم اعتراض أمريكا وعقاب تركيا بإقصائها من الشراكة في صناعة وتسليم مقاتلاتF-35، الشبح الأكثر تطورا؛ واليوم، تكررت في المكالمة التي جرت بين الرئيسين بايدن وأردوغان، لتهنئة الثاني بفوزه بالرئاسة، الإشارة إلى رغبة تركيا تسلم مقاتلات. F-16  
كما عرقلت تركيا انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو حتى تستجيبا لمطالب وشروط تركيا بتسليم شخصيات تصنفهم إرهابيين أعضاء في منظمتي PKK وYPG، ورفع الحظر عن تصدير السلاح إلى تركيا. وافقت فنلندا على مطالب تركيا وانضمت لحلف الناتو لتصبح العضو 31، وتبقى عضوية السويد معلقة حتى تستجيب لشروط تركيا. وأعلن الرئيس أردوغان أنه لن تتم مناقشة انضمام السويد إلى حلف الناتو في قمة الحلف في ليتوانيا الشهر القادم. وكان الرئيس بوتين قد نقل سلاحا نوويا تكتيكيا إلى روسيا البيضاء، جارة ليتوانيا.
وتقدم ترتيب الجيش التركي للمرتبة 12 عالميا، حسب مؤشر قوة جيوش العالم، وجاء ترتيب الاقتصاد التركي 17 عالميا، وتركيا عضو في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم.
وهكذا نجح الرئيس أروغان وتحالفه، في ذكرى مئوية الجمهورية التركية، بوضع بلاده على خريطة القوى الفاعلة والمؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي بستة عشر مبدأً، أهمها مئوية المستقبل!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران

تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...

قراءة المزيد
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم

عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...

قراءة المزيد
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة

من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...

قراءة المزيد
Loading...