قبل أن تختار المستشارين والخبراء
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 10 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 10 أغسطس, 2023
قبل أن تختار المستشارين والخبراء
القائد الناجح هو ذاك المتواضع الذي يحترم من يعمل معه، والتواضع واحترام الآخرين صفتان رئيستان لا غنى عنهما لأي قائد ناجح، أو قائد يسعى إلى النجاح؛ يضاف إليهما مهارة فائقة، لا في الاستماع لمن معه وحوله فحسب، بل أيضا في الإنصات باهتمام حتى يعي ويفهم ما يُقال له.
تقع مشكلات كثيرة في العمل، لاسيما بين الرئيس والمرؤوس، بسبب أن الأول لا يريد أن ينصت، بل إنه حتى لا يسمع، وبالتالي لا تجده يفهم ويعي الحديث، وهذا بالضرورة يقوده إلى اتخاذ قرارات أو إصدار توجيهات، هي غالبا لا تصيب الهدف؛ ثم يأتيك بعد حين غاضبا، يتساءل عن سر تدني الأداء والمستوى والإنتاج وغير ذلك!.
من الصفات الأخرى للقائد الناجح، أنه يتقبل النقد الهادف بكل رحابة صدر، ويتميز بسمعة واسعة بأنه من القلائل الذين يسعدون باستقدام وتعيين من هم أفضل وأقوى منه في العمل، فلا يخشى منهم، بل يعتبرهم إضافة حقيقية له، وقوة يستعين بها على تحقيق مقاصد وأهداف المؤسسة أو الشركة أو الحكومة، أو الدولة بشكل عام.
ثم هو يثق في قدراته، لكنه مع ذلك يدرك قيمة العمل الجماعي، أو العمل بروح الفريق الواحد، فتراه بسبب ذلك يستشير هذا وذاك، ويسأل الصغير والكبير، ويستفيد من خبرة وعلم كل من معه، فلعل أحدهم يكون معه مفتاح الإبداع دون أن يدري، فتكون مهمته كقائد أن يتعرف عليه، ويتعاون معه لفتح مغاليق الإبداع، ليكون الاثنان سببا في أي نجاح إن حدث، حيث لا تجده ينتهز الموقف والمنصب ليستولي على النجاح، وينسبه إلى شخصه، بل هو يشارك الجميع فيه.
الخبير قولا وعملا
المقدمة السابقة شبه الطويلة عن القيادات والكفاءات كان لابد منها، ونحن ندخل في موضوع بالغ الأهمية يتعلق بالمستشارين أو الخبراء، الذين تجد أمرهم يدخل تلقائيا ضمن سياق أي حديث عن الإدارة والكفاءة والنجاح، وأهمية اختيار المستشار أو الخبير بعناية فائقة، حتى يكون له مهمة معينة فعلية، لا أن يتحول إلى تحفة فنية في مكاتب الوزراء والقادة!.
من هو الخبير ومن هو المستشار؟
الخبير هو ذاك المهني صاحب الدراية المتعمقة بمجال معين محدد، يعرف تفاصيل ودقائق الأمور فيه، كأن نقول: هذا خبير اقتصادي في مجال الكشف عن مواقع النفط مثلاً؛ أما المستشار فهو صاحب باع طويل وواسع في مجال ما، يعرف العلاقات والقوانين والأنظمة المرتبطة بهذا المجال، كأن نقول: مستشار تربوي لوزير التربية والتعليم مثلا.
الخبير يُطلب منه الرأي في مجاله فيقدمه للطالب، والمنطق السليم يقتضي الأخذ برأيه؛ أما المستشار، فإنه يبدي رأيا للمسؤول حين يُطلب منه، أو يبادر بعرض وجهة نظره أو رأيه؛ لكن الفرق بينه وبين الخبير أن المستشار قد يؤخذ برأيه أو يُرد، والمنطق الإداري السليم ها هنا أن رأيه غير ملزم للمسؤول، الذي قد يكون محاطا بعدد من المستشارين؛ في حين أن رأي الخبير يكون -كما يقتضي المنطق الإداري السليم- أقرب إلى الإلزام أو القبول به، إذ لا يوجد سبب مقنع وجيه لرفض رأيه من المسؤول، إلا إذا وجد رأيا أكثر وجاهة وعمقا من خبير ثانٍ، يفوق الأول عمقا ودقة في علمه وخبراته.
من هنا تأتي الآية الكريمة تبين مكانة الخبير في قوله تعالى: {ولا ينبّئك مثلُ خبير} [سورة فاطر:14]. أي: ولا يخبرك بعواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه مثل خبير بها، كما جاء في تفسير ابن كثير، مع أن بعض المفسرين قالوا إن الله في هذه الآية يعني نفسه، تبارك وتعالى، فإنه أخبر بالواقع لا محالة، ولكن بعضا آخر من المفسرين رأى في الآية إشارة مهمة إلى منزلة الخبرة، التي يصل إليها أي مشتغل وباحث في مجال محدد، تعمق في تفاصيله ودقائقه.
الرسول قدوتنا
النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بخبرته في الحياة والتعاملات مع البشر، ومعرفة أشخاصهم وأنماط تفكيرهم وسلوكياتهم ومهاراتهم، كان دقيقا في اختيار مستشاريه والخبراء الذين أحاط نفسه بهم، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو غير هذا وذاك؛ فقد كان دقيقا مثلا في اختيار أمراء السرايا وقادة المعارك، واختيار من ولّاهم المهام الحياتية المتنوعة آنذاك.
في قصة رفع الأذان المعروفة، جاءه أحد الأنصار، وهو عبد الله بن زيد الأنصاري، بعد رؤية صالحة رأى فيها ما يقوله المؤذنون اليوم، وقد وافقت رؤياه رؤيا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ورغب أن يكون له شرف القيام بمهمة رفع الأذان، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يوافقه في رغبته، لعلمه أن بلالاً أندى صوتا من الأنصاري، ووقع اختياره على بلال بن رباح ليكون مؤذن المدينة.
قصة غاية في البساطة، لكنها إشارة إلى أهمية أن يكون القائد على دراية بمن معه، فقد كانت له -صلى الله عليه وسلم- رؤيته الثاقبة ونظرته في الرجال، وكأنه يعلمنا أنه ليس دائماً وليس شرطاً أن تكون بعض المعايير التي نتفق عليها بشأن اختيار القادة والمسؤولين أو الخبراء والمستشارين صحيحة، فلكل مهمة قائد أو شخص معين، وفي الوقت ذاته ليس بالضرورة أن يكون من ينفع في مهمة نافعا في مهام أخرى، أو الناجح في موقع ناجحا في مواقع أخرى، وهكذا.
اختيار الخبراء والمستشارين ليس مكافأة نهاية خدمة
نستخلص مما سبق أهمية وضرورة تأنّي أي مسؤول في اختيار معاونيه، أو مستشاريه، أو وزرائه، أو خبرائه، إن أراد النجاح في مهمته؛ فالأمر لا يجب أن يكون نوعا من المكافأة أو شراءً للذمم أو تحقيقاً لأهداف أخرى من هذا القبيل، بل لابد أن يكون اختيار المستشارين أو المعاونين أو ما شابههم في المهام، بعيداً عن نظام المحسوبيات والمجاملات، وكما أن هذا التوجه مطلوب عند الاختيار، فإنه مطلوب كذلك عند التزكية أو الترشيح.. الأمر أكبر وأخطر مما نظن بكثير.
اختيار المستشارين قد يأتي مقدما على اختيار الخبراء، باعتبار أن المستشار يكون أقرب للمسؤول ويبدي الرأي في مجال أوسع نطاقاً من الخبير، ومن هنا لابد أن يكون اختيار المستشارين وفق معايير محددة تشمل الكفاءة والخبرات المتراكمة اللازمة في المجال الذي يتم اختياره له، بالإضافة إلى ضرورة تمكنه من مهارات شخصية كثيرة، كالتفكير الناقد وتحليل المشكلات، والقدرة والإبداع في ابتكار وتقديم الحلول بتجرد وموضوعية، دون نزوع إلى ترضية هذا وذاك على حساب المصلحة العامة أو الكبرى.
المسألة في النهاية أمانة، والأمانة هي كل ما تم الائتمان عليه من قول، أو عمل، أو مال، أو علم. وأي اتباع للهوى والمزاج في تقديم الاستشارة للمسؤول، إنما هو أقرب إلى خيانة الأمانة. وموكب الكيان الإداري، سواء كان على شكل شركة، أو مؤسسة، أو وزارة، أو دولة، قد يسير بيسر وأمن وأمان ونجاح واستقرار، حين يقوم الجميع بأداء مهامهم بأمانة واقتدار؛ ونقيض ذلك يؤدي بالضرورة إلى التخبط وعدم الاستقرار، والتحول من خسارة إلى أخرى، وصولاً إلى الانتكاسة أو شيء أعمق من ذلك وأعقد؛ والأمثلة من هنا وهناك أكثر من أن نحصيها، فكم كان للمستشارين تحديدا، وربما لبعض الخبراء أو المعاونين أحيانا، من أدوار في نجاحات هنا أو انتكاسات هناك.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق