كفانا خداعًا للناس !
بقلم: كريم الشاذلي
| 8 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 8 مارس, 2024
كفانا خداعًا للناس !
تعلم كيف نقدر الظروف ونحفز دون تقييد لإمكانيات النجاح. حكايات الإنجاز تحتاج إلى فهم الحقائق الاجتماعية والشخصية. النجاح ليس قاعدة ثابتة، بل نتيجة جهد مبذول مع مراعاة الظروف.
تحقيق النجاح – بين التحفيز وتقدير الظروف
نكذب على الناس حينما نخبرهم أن بإمكانهم جميعاً النجاح!. نلعب بأفئدتهم حينما نحكي قصص من صنعوا المستحيل، وحطموا القواعد، وأذهلوا الدنيا.. نخدعهم حينما نضعهم في زاوية ضيقة، وننهال عليهم بكلمات كالسياط عن وجوب إخراج المارد الكامن، وتحرير الشخصية الأسيرة، والوصول إلى قمم المعالي!
بحسن نية أو ربما بسوء نية نغفل دور الظروف الاجتماعية، والسياسية، والبيئة والتربية، والإرث الجاسم فوق صدورنا، ونحن نتحدث عن إمكانية كل واحد – هكذا نقولها بكل صلف- في الوصول إلى الأحلام وتحطيم المستحيل!.
نختصر مشكلة الإنسان في مشكلات الإنسانية، ونطرح الحلول وكأن الناس قد تشكلوا من طينة واحدة، وشربوا من معين واحد، وخبروا الحياة بالدرجة نفسها من النضج والوعي والثبات.
في حديث عبقري للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، يخبرنا أنه يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، خالي الوفاض من الإنجاز، صفراً من تحقيق النتائج الإيجابية، لكنه مع ذلك لا يصفه بالفاشل، بل يخبرنا أن أبواب الجنة تفتح له يدخل منها راضياً ممتناً، ذلك أن الله – سبحانه وتعالى- لا يتعامل معنا بمنطق البشر، بل إنه – جل اسمه- يعاملنا بمبدأ الجهد المبذول لا النتيجة المتحققة من جهة، والإعذار على ما لم نقدر على تحقيقه، لأن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، وعليه فإن “الظروف” عامل مهم جداً في تيسير أو عرقلة عجلة النجاح.
للأسف الموجب للاعتذار، كنت أحد هؤلاء الذين يرجعون أمر النجاح لإرادة الإنسان بالكلية، مغفلاً دور الظروف في تهيئة الأبطال، أضرب الأمثلة بإديسون الذي سخر منه الجميع لكنه انتصر، والحقيقة أن تربية أمه الواعية كانت هي البطل، وأحفز الناس بقصة الصماء البكماء العمياء هيلن كيلر، مع أن كلمة السر في القصة هي معلمتها “آن سوليفان” التي تحملت جهد وصبر تعليمها، وأجادل بأن ستيف جوبز، وتشرشل، وأبا مسلم الخراساني ومحمد بن أبي عامر قابلوا الصعاب والتحديات لكن إرادتهم كانت أقوى، غير عابئ بأن البيئة من جهة، وحركة الريح من جهة أخرى ساعدتا على تحريك السفينة وإبحارها.
أجهل أن بيننا آلاف “إديسون“، قتلت مواهبهم التربية المتطرفة، وآلاف “هيلن كيلر” قضت عليهم الظروف، وآلاف “ستيف جوبز” أردتهم رصاصات الواقع.
ما الذي أود قوله؟!.
أنا ممن يمقتون الفشل واليأس وانعدام المقاومة، وهذا مما لا بأس فيه، لكننا بحاجة إلى أن نفهم جيداً أن قدرة الناس على التحمل متفاوتة، وعدم تحقيقهم للنتائج لا يعني في كل الأحوال أنهم فشلة سيئون.. نعم، من واجبنا أن نحفزهم، ونحرك هممهم، لكن علينا قبل ذلك أن نرفق بهم، ونتفهم ما هم فيه، وألا نكون عوناً للأيام عليهم، وألا نزيد الثقل الذي وضعته الحياة على كواهلهم.
إن المصلحين، والملهمين، وأصحاب الرسالات في كل زمان ومكان، كانوا قادرين على تحريك الهمم من خلال تفهمهم للطبيعة البشرية، وتقدير عامل الضعف الإنساني، كانوا يتفهمون الناس أولاً قبل أن يفهموهم، كان الرجل يأتي للنبي وقد أتى بالذنب فيحزن عليه قبل أن يحزن منه، يتفهم “الظروف” التي أدت به إلى الخطيئة دون أن يغير هذا من كونها خطيئة تستوجب الاستغفار أو حتى العقاب.
حتى إنه في مرة غمز أصحاب النبي محمد على أحدهم بعد أن أُتيَ به مراراً وقد شرب الخمر، فنهرهم مذكراً أن لعل هذا الذي تزدرونه يحب الله ورسوله، ولا يعد هذا بأي حال من الأحوال تبريراً للخطأ وموافقة عليه، لكنه يوجه النظر إلى أن الناس تحب أن تكون عند حسن الظن بهم، فدعونا نحسن ظننا بالآخرين حتى في حالات الضعف، لعل هذا يكون حافزاً لهم كي يتغلبوا على ما بهم فيه خلل، ويتحدوا بنا ظروفهم الصعبة وعثراتهم المتكررة.
وأراني مضطراً للإجابة على سؤال من معترض أني بهذا أفتح الباب للناس كي يستسلموا للواقع، ويغمدوا سيف التحدي والمقاومة!.
لا يا صديق، ما زلت عند رأيي بأن المرء منا يجب أن يقاوم، وعليه ألا يصنع من الظروف شمَّاعة يعلق عليها فشله وتراجعه، لكنني أهيب بنفسي وبكل من يتصدر الحديث للناس أن يخفف من خطاب اللوم، ويجعل حماسته أكثر واقعية، ويُعلِّم الناس كيف يوسعون خياراتهم، وأن عليهم كثيراً أن يتعاملوا وفق المتاح لا وفق ما يأملون.
علينا – إن كنا صادقين حقاً- ألا نجعل من تجاربنا الشخصية، إن كان التوفيق ملازماً لنا، معياراً نحكم به على الناس ونحاكمهم عليه.
وأُذكِّر نفسي وإياك أن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يواسي نبيه حينما ناله الأذى من أعدائه قال {قد نعلم إنَّه ليحزنك الّذي يقولون}، ذلك أن العظماء لا يغضبون، لا يستاؤون، لا يتكبرون حينما تواجَه دعواهم بالتكذيب أو السخرية، وإنما يواجهون هذا بالحزن النبيل، الحزن على بعد الناس عن الحقيقة، الألم على ما أصابهم من وهن، حتى وإن ناله جهلهم وآذاه!. وعندما نحزن عليهم سيفهون أننا نشعر بهم، سيتأكدون من أن كلماتنا مجردة من المصلحة، سيفهون أننا نريد لهم الخير.
أما التكبر، والاستهزاء من أوضاعهم، ومقارنتهم الدائمة بمن لازمه التوفيق لزمن، فهذا مما يؤثر سلباً عليهم ويؤذيهم.. فكفانا خداعاً للناس، وإيذاء لهم!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق