كلمة ورصاصة.. ما أكثر القتلة يا غزة
بقلم: مختار خواجة
| 16 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: مختار خواجة
| 16 أكتوبر, 2023
كلمة ورصاصة.. ما أكثر القتلة يا غزة
الكلمة إذا خرجت لا تعود، والروح إذا خرجت لا تعود، وبينهما رصاصة إذا خرجت لا تعود.. فتأمل، كم كذبةٍ مضت! وكم أمرٍ بالقتل كان! وكم تزييفٍ عبثَ بوصية السماء: لا تقتل!
كذبوا وقتلوا وزيَّفوا ليحدث كل ما جرى منذ الطنطورة، ودير ياسين، وقبية، وكفر قاسم، مرورا بكل مآسينا معهم، وانتهاء بمأساة اليوم، وقذائف الموت تنزل حاملة أسماء الأطفال الرضع الذين سيصعدون إلى السماء، ولم يمصوا بعدُ كفايتهم حليبا من صدور الأمهات.
“لا تقتل”.. بقيت مجرد كلمةٍ تُقال وتُردّد، ثم تذهب في الهواء، وينطلق الرصاص بتحريفاتها العملية فيقتل الكل ولا يستثني أحدا؛ فالدولة عندهم “تُبنى بالسيف”.. هكذا قال العجوز في ذلك الفيديو عندما سُئل عما فعلوه بالطنطورة وأهل الطنطورة، حيث قتلوا ومثَّلوا وعذَّبوا.
اعترف أحدهم: “فعلناها بدون تأنيب ضمير”.. ببساطة وبلا مبالاة اعترف بكلماته هذه بتلك الأرواح المزهقة، في يافا، وحيفا، وقبية، وكفر قاسم، ودير ياسين، وفي بلدات أخرى كثيرة؛ حيث جرت الدماء ومُثِّل بالجثث، كأن الوصية “لا تقتل” لم يعرفوها منذ عهد الأنبياء.. شتان ما بين هداية السماء وكلماتها، وأفكار الأرض وكلماتها.
اليوم تنهمر القذائف بلا سابق إنذار، كلمات تأمر بالقتل، ولا كلمات تنذر، أو تمنح الناس تلك المهلة البلهاء التي لا تكفي إلا للركض على السلالم للخروج من بين جدران الإسمنت، تاركين الحياة والذكريات هناك عالقة بين جدران المباني التي تدكها القذائف.. هذه المرة لا مهلة، فقط أمر بالقتل، قذيفة تنزل فتمحو المبنى وساكنيه، وتمحو ذاكرة المكان.
يقولون: الكبار يموتون، والصغار ينسون.. فهل نسي الصغار حقا؟ لا أظن كلمات الجدات وأغانيهن وحكاياتهن وذاكرة الأجداد قد نُسِيت؛ تنتقل الكلمات فتمنح كل أسرة حكايتها الخاصة، وقصتها الطويلة، وتفاصيلها التي تفاخر بها، ولهذا فلا مجال للنسيان.. ثمة كلمات أخرى تصوغ الزمن وتمنحه المعنى.
أوامر تأتي بمحو مستشفى بما فيه، وبمن فيه، أوامر أخرى بمحو المكان والناس والحياة، كل ما يدب حتى لو كان هاربا لا تتسع له قواميس الرحمة، فمن تلاعب بتنفيذ الوصية “لا تقتل” سيمحو من قاموسه الرحمة، فلا يبقى لها وجود.
كلمات ثالثة تكذب، تراوغ، تلون الحقيقة بألوان شتى، تعيد صياغتها وتتلاعب بها، يغيب المقتول عن الساحة، ويظهر القاتل فجأة بريئا، وتتحول المسميات، هنا تغدو الكلمة أسوأ من الرصاص وأقسى، فهذه الكلمات تحول دون منح من ماتوا كرامة الإنصاف، فتقتلهم مرتين، وتقتل معهم أي كلمة تحاول منع تكرار المأساة.
وهنا نتذكر كلمات ميثاق حقوق الإنسان “ولد الناس أحرارا متساوين”، فماذا عن الطنطورة، ودير ياسين، وقبية، وكفر قاسم؟! ماذا عن اللاجئ من بيسان، والهارب من إجزم، والخائف من يبنا، والباكي قهرا في القدس، والمنتظر انعتاقا في بيت لحم؟.. يبدو أن كلمات الزيف، أسكتت ميثاق حقوق الإنسان، الذي تأسس على أن الإنسان جسد، ونسي الأساس القدسي لكرامة الإنسان الأصلية.. روحه الممنوحة من الخالق لمخلوقه الأكرم لديه، وبفقدان هذا الأساس، لا يعود لكلمات هذا الميثاق القوة الكافية للصمود، تبقى إجراءات تقبل التأويل والتحوير.
كلمات.. رصاص.. أرواح، هذه المعادلة المخيفة، في حالتنا هناك أفكار حملتها كلمات، أنتجت رصاصا قتل أرواحا، وما عساها تكون مشروعية تلك الفكرة التي تحتاج الرصاص ليؤسس واقعها وتطبيقاتها، إنها فكرة ضعيفة البنية من الداخل، فلو امتلكت حجاج المنطق، ووضوح الكلمات، وسلامة الموقف، لكان الأمر خلاف ما ترون؛ ولكنها فكرة خائنة لذاتها وجذورها، اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فتوسلت بالرصاص ليحملها لتصل لغايتها، لكن بلا خير ولا حق، وهنا لا تدوم القوة، فتضعف الفكرة، فيحدث ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، تجد الفكرة نفسها مباغتة بالحق، والخير، فتهرب، وتحاول اللجوء للرصاص، فتتورط أكثر، وتستدعي كلمات الزور الأخرى، وتتواصل الدوامة.
من يستطيع إخراس الحق؟ من يمكنه حجب الكلمات المنيرة؟ من يمتلك حق احتكار الكلام؟ لا أحد، كل المحصلة في النهاية كلمات ورصاص وأرواح.
في غزة كثر الشهداء، وكثر القتلة، وكثرت الكلمات، وكثر الرصاص؛ ولكن صوت الحق سيبقى، ستدور الدائرة سريعا، وسيبقى الحق، والخير، والجمال فقط، أما كلمات القوة، فتذوب مع ذوبان القوة، وبغير أساس من أخلاق فلا جدوى، هكذا علمتنا سير الحضارات في تاريخها المدون.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق