كيف أصبح اليهود الشرقيون وقود التطرف الإسرائيلي؟

بواسطة | سبتمبر 19, 2023

بواسطة | سبتمبر 19, 2023

كيف أصبح اليهود الشرقيون وقود التطرف الإسرائيلي؟

بخلاف الانطباع الذي تكرس لدى قطاعات واسعة من الجمهور العربي، فإن اليهود الذين هاجروا من البلدان العربية والإسلامية، والذين يطلق عليهم “الشرقيون”، هم القطاع الأكثر تطرفا من بين القطاعات الإثنية التي تشكل المجتمع الإسرائيلي.
ويتمظهر تطرف اليهود الشرقيين في اتجاهات تصويتهم في الانتخابات، وتبنّيهم المواقف الأكثر عنصرية تجاه العرب والفلسطينيين، ودورهم الفاعل في المشروع الاستيطاني الهادف إلى تهويد الأراضي الفلسطينية، فضلا عن أنهم يشكلون نسبة كبيرة من أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية التي تنشط في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وتدل المعطيات، أنه منذ الانتخابات العامة التي أجريت في 1977، فإن الأغلبية الساحقة من اليهود الشرقيين تصوت لقوى اليمين بشقيه العلماني والديني في إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت تعاظمت التوجهات اليمينية المتطرفة لدى اليهود الشرقيين، حيث تكاد قوى اليمين تحتكر حاليا حوالي 90% من أصوات الشرقيين، كما تدل على ذلك نتائج التصويت في التجمعات الاستيطانية التي يقطنها الشرقيون، تحديدا فيما يعرف بـ “مدن التطوير”، التي تقع في أطراف فلسطين.
وعلى الرغم من التمثيل المحدود للشرقيين في قيادة المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، فإن الشباب الشرقي يمثل الأغلبية الساحقة من عناصر التنظيمات اليهودية التي تعنى بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية وبناء النقاط الاستيطانية عليها، مثل تنظيم “فتية التلال”.
وفيما يتعلق بالتوجهات العنصرية إزاء العرب والفلسطينيين لدى اليهود الشرقيين، فإنها تجد ترجمتها في حقيقة أن معظم الأصوات التي حازت عليها حركة “القوة اليهودية” المتطرفة، التي يقودها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير جاءت من “مدن التطوير” التي يقطنها الشرقيون.
أما على صعيد دورهم في الجرائم التي تنفذها التنظيمات الإرهابية اليهودية في الضفة الغربية والقدس، فإن أكثر ما يعكسه حقيقة أن أبشع هذه الجرائم ارتكبها يهود شرقيون؛ فجريمة إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية في أغسطس 2015 نفذها الإرهابي عميرام بن أويل، وجريمة خطف وإحراق الفتى محمد أبو خضير في يونيو 2014 نفذها الإرهابي حاييم بن دافيد، وكلاهما من اليهود الشرقيين.
هنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتبنى اليهود الشرقيون الذين عاشوا بين ظهراني الشعوب العربية توجهات عنصرية تجاه العرب، وكيف تحولوا إلى خزان اليمين الانتخابي؟ وما الذي يدفعهم للانخراط في التنظيمات الإرهابية التي تستهدف الفلسطينيين؟.
إن هذه التوجهات تُعزى بشكل أساس إلى تكرّس الشعور بالدونية والنقص لدى اليهود الشرقيين بعدما هاجروا إلى إسرائيل، واحتكّوا لأول مرة باليهود الغربيين الذين مثلوا النخبة الإسرائيلية في ذلك الوقت؛ فقد نظر الغربيون إلى اليهود الشرقيين بازدراء لأنهم هاجروا من بلدان “عربية متخلفة” حسب تقديرهم، فكان أن عمد الشرقيون إلى إبراز اختلافهم عن “العرب”، في محاولة للتدليل على تماثلهم مع المجتمع  الجديد الذي شرعوا بالاندماج فيه، عبر تبني المواقف المتطرفة إزاء الصراع مع الفلسطينيين والعرب، والتعبير عن التوجهات العنصرية تجاههم بشكل مبالغ فيه.
ونظرا لأن الشرقيين اكتشفوا بُعيد الهجرة أن الأبواب قد أوصدت أمامهم، ولم يكن بوسعهم التأثير على الشأن العام، فقد توجهوا إلى الدين على اعتبار أن الكنيس كان الملجأ الوحيد التي فُتح أمامهم، فأسهم هذا في تحول أغلبيتهم الساحقة، إما إلى متدينين يحافظون على أداء كل  فرائض الشريعة اليهودية، أو محافظين يواظبون على أداء جزء منها. وقد سمح انكشاف الشرقيين على المصادر الدينية اليهودية، وما تؤصل له من توجهات “فقهية” نمطية إزاء غير اليهود وضمنهم العرب، بتكريس الميل نحو التطرف في أوساطهم.
في الوقت ذاته، ارتبط تحسن الظروف الحياتية والاقتصادية لليهود الشرقيين بشكل أساس بحرب العام 1967، وما نجم عنها من احتلال الأراضي العربية؛ فحتى اندلاع الحرب كان الشرقيون يحتكرون المهن “المتدنية” في السُلَّم الاجتماعي، مثل النظافة والبناء، والقطاعات الخدماتية التي تعتمد على الجهد البدني. وقد أسفرت نتائج الحرب عن حدوث تحول على مكانة الشرقيين الاجتماعية، حيث فتح احتلال الأراضي العربية آفاقا اقتصادية كبيرة أمام الشرقيين، تمثلت في انطلاق المشروع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، فضلا عن أن الاحتفاظ بهذه الأراضي أسفر عن نقص كبير في القوى البشرية، التي يعتمد عليها الجيش والمؤسسات الأمنية في ضمان إحكام سيطرة إسرائيل على هذه المناطق، ما أسهم في منح الشرقيين فرص عمل في المؤسستين العسكرية والأمنية.
إلى جانب ذلك، منحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إغراءات لتشجيع اليهود على الانتقال للإقامة في المستوطنات اليهودية المقامة في الأراضي التي احتُلت عام 67، وضمن ذلك تسهيلات على صعيد قروض الإسكان، وفرص العمل والقطاع الخدماتي والتخفيض الضريبي؛ وقد شجعت هذه السياسة عددا كبيرا من اليهود الشرقيين على ترك “مدن التطوير” التي يقطنون فيها داخل إسرائيل، والتي تعاني من نقص الخدمات والبنى التحتية، والتوجه إلى الإقامة في المستوطنات في الضفة والقدس والجولان. وبسبب ارتباطهم بالمشروع الاستيطاني، أدرك الشرقيون أنهم سيكونون ضمن الفئات المتضررة من مشاريع تسوية الصراع، التي تقوم على الانسحاب من الأراضي المحتلة، على اعتبار أن تطبيق هذه المشاريع يهدد الإنجازات الاقتصادية التي حققوها؛ وهذا ما دفع اليهود الشرقيين إلى دعم الأحزاب والقوى السياسية ذات التوجهات اليمينية التي ترفض هذه الحلول.
ونظرا لأن اليهود الشرقيين اتهموا تحالف قوى “اليسار” و”الوسط” الذي حكم إسرائيل منذ 1948 حتى 1977، بالمسؤولية عن تدهور أوضاعهم المعيشية، فقد حدث تحول كبير على أنماط تصويتهم في الانتخابات التشريعية، حيث باتت أغلبيتهم المطلقة تصوت منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي لصالح قوى اليمين. وقد كانت رهانات الشرقيين على اليمين في محلها، حيث إن هذا التطور سمح بحدوث تحول كبير على مكانتهم السياسية؛ فقد مثلت نتائج انتخابات 1977 التي صعد فيها اليمين بقيادة الليكود إلى الحكم لأول مرة نقطة تحول فارقة على صعيد المكانة السياسية والاجتماعية لليهود الشرقيين، حيث باتوا مكونا مهما من النخبة الإسرائيلية؛ وقد أسس هذا التطور لأن يحوز الشرقيون على نسبة كبيرة من المقاعد في البرلمان والحكومات المتعاقبة، فضلا عن سيطرتهم على عدد كبير من المجالس البلدية والمحلية. وقد عزز هذا الواقع من دافعية الشرقيين لمواصلة دعم قوى اليمين المتطرف، ما حوَّل التجمعات الاستيطانية التي يقطنونها إلى خزانات للأصوات الداعمة لهذه القوى.
وقد شجع هذا الواقع اليهود الشرقيين على تشكيل أحزاب خاصة بهم، حيث كان انطلاق حركة “شاس” الدينية الحريدية أنجح المحاولات التي عكف عليها الشرقيون لتحسين مكانتهم السياسية؛ فهذه الحركة التي تعد ثاني أكبر حركة في الائتلاف الحاكم الحالي، الذي يقوده بنيامين نتنياهو، تعد مكونا رئيسا في دائرة صنع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي.
ما تقدم ينسف مزاعم نظام الحكم في المغرب؛ الذي برر التطبيع مع إسرائيل بوجود “جالية مغربية” في إسرائيل؛ فاليهود الذين هاجروا من المغرب -كسائر اليهود الشرقيين- يتبنون مواقف عنصرية تجاه الشعب المغربي، بشكل لا يختلف عن تلك التي يتبناها سائر الشرقيين تجاه بقية الشعوب العربية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...