كيف تتخلص من الإرهاب وتصبح بطلا للسلام في ثلاث خطوات؟
بقلم: شيرين عرفة
| 21 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 21 مارس, 2024
كيف تتخلص من الإرهاب وتصبح بطلا للسلام في ثلاث خطوات؟
فوجئ المتابعون للتليفزيون الرسمي بجنوب أفريقيا بانقطاع بثه المعتاد، مساء الخميس 5 ديسمبر/ كانون الأول 2013، ليخرج عليهم رئيس البلاد “جاكوب زوما” بوجه حزين وعيون يملؤها الأسى كي يلقي عليهم كلمة موجزة، خاطب فيها شعبه قائلا: “مواطنيَّ في جنوب إفريقيا، ننعى لكم رحيل حبيبنا والرئيس المؤسس لبلدنا الديمقراطي، “نيلسون مانديلا”، الذي فاضت روحه إلى بارئها بسلام”؛ وأضاف: “إن جثمان أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا سيُشيع في جنازة رسمية، مع تنكيس الأعلام طوال فترة الحداد التي ستستمر لمدة 10 أيام”.
لم تمض دقائق على هذا الإعلان، حتى نشر الحساب الرسمي لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، على موقع أكس (تويتر سابقا) كلماته: “لقد انطفأ نور عظيم في العالم، كان نيلسون مانديلا بطلا في عصرنا”؛ وبهذه التغريدة أصبح “كاميرون” أول رئيس حكومة أجنبية يعبّر علانية عن تعازيه في وفاة مانديلا. ثم أعلن البيت الأبيض، في بيان له، عن تعازيه الحارة في وفاة مانديلا، وأكد أن الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” وثلاثة من الرؤساء الأمريكيين السابقين سيحضرون مراسم القداس، الذي قيل إنه سُيقام بعد أيام في استاد “سوكر سيتي” في جوهانسبرغ، وهو الاستاد الرياضي الذي استضاف مباراة نهائي كأس العالم لكرة القدم عام 2010، وحضرها مانديلا كآخر لقاء جماهيري له قبل الوفاة. وأكدت حكومة جنوب أفريقيا، أن ما لا يقل عن 80 من رؤساء الدول والحكومات الأجنبية أعلنوا عن نيتهم السفر إلى البلاد، لحضور مراسم الجنازة وإلقاء كلمات الوداع.
وكان من بين الحضور رؤساء وزراء كل من إنجلترا وكندا وأستراليا وإيطاليا، ورؤساء ألمانيا والبرازيل وأيرلندا والهند وتونس وزيمبابوي وتنزانيا وأفغانستان، بالإضافة إلى ملوك بلجيكا وهولندا وأمير ويلز، وأولياء عهد كل من النرويج والدنمارك والسويد واليابان، ونائب رئيس الصين.. وغيرهم من الرؤساء والزعماء. وقد أقيمت مراسم تذكارية، تكريما له في يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 2013 في واشنطن العاصمة، كما كرمته الملكة إليزابيث الثانية مع خدمة الشكر في “دير وستمنستر”، في أوائل عام 2014.
لكن العجيب، أنه قبل هذا التاريخ بسنوات، وقفت مارجيريت تاتشر، سلف ديفيد كاميرون في رئاسة وزراء بريطانيا، تصرح للصحفيين في عام 1987 قائلة: “إن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هو منظمة إرهابية نموذجية، وأي شخص يعتقد أن هذا الحزب قادر على حكم جنوب إفريقيا، فهو يعيش تحت الغيوم في أرض الوقواق”.. وكان نيلسون مانديلا في ذلك الوقت، هو رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي وُصف بأنه إرهابي نموذجي، وكان يقضي عقوبة بالسجن المؤبد الذي استمر لمدة 27 عاما (من عام 1962 إلى عام 1990) لاتهامه بارتكاب أعمال عنف وتخريب للممتلكات! لكن، وبعد 7 سنوات من تصريح “تاتشر” هذا، شاهد العالم أجمع (وليس ساكنو أرض الوقواق) أنه فاز فوزا ساحقا في أول انتخابات عامة متعددة الأعراق، في 27 أبريل/ نيسان 1994، بنسبة اقتربت من الثلثين (62.6٪ من الأصوات)، وأصبح زعيما لدولة جنوب أفريقيا.
بينما الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، الذي بدا عليه التأثر في جنازة “مانديلا”، وخطب فيها خطبة عصماء، يتذكر جيدا ما قاله سلفه الرئيس “رونالد ريجان” في عام 1986، حين أدان بشدة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي يتزعمه “مانديلا” وقال إنه متورط في أنشطة إرهابية عدة، منها تفخيخ الطرق والقيام بتفجيرات، وذكر أن أمريكا ستواصل اعتبارها هذا الحزب منظمة إرهابية، حتى ولو انخرط في العمل السياسي.
ومن العجيب، أن الزعيم نيلسون مانديلا وحزبه ظلوا إرهابيين بنظر المُشرع الأمريكي، طوال فترة رئاسته للبلاد (من 1994 إلى 1999) وبعدها بـ9 سنوات، حيث لم يتم إلغاء ذلك القانون المشين إلا في إبريل/ نيسان 2008، خلال إدارة جورج بوش الابن، حين أبلغت وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس” مجلس الشيوخ بأن التشريعات السائدة في أمريكا تضعها في موقف محرج للغاية، حين تضطر وزارتها إلى إصدار إعفاءات لأعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ولزعيمه نيلسون مانديلا، في كل مرة يريدون فيها السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
أي إن الزعيم نيلسون مانديلا أثناء حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 1993، كان بنظر القانون الأمريكي إرهابيا، ممارسا للعنف ومعاديا للسلام! والسبب في ذلك أن “مانديلا” قاد النضال المسلح في بلاده ضد سياسات الفصل العنصري، حيث انتمى إلى “حزب المؤتمر الوطني الإفريقي”، المعارض للتمييز ضد الغالبية من السود، أثناء دراسته الجامعية؛ وفي عام 1952، بدأ حملة أسماها “حملة التحدي”، حيث جاب البلاد كلها ليحض الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري، كما أن ممارسته للمحاماة أتاحت له فرصة الاطلاع مباشرة على المظالم التي كانت تُرتكب ضد أبناء شعبه، واطلع كذلك على فساد وعنصرية الســلطات التنفيذية والقضائية في حكومة الأقلية البيضاء.
في البداية؛ دعا مانديلا إلى مقاومة غير مسلحة ضد سياسات التمييز هذه، لكن بعد مجزرة “شاربفيل” التي راح ضحيتها عدد كبير من الأفارقة عام 1960، وإقرار الحكومة لقوانين تحظر الجماعات المضادة للعنصرية، قرر مانديلا وزعماء حزبه فتح الباب للمقاومة المسلحة.. اعتُقل مانديلا عام 1961، وتم حظر كافة أنشطة حزبه، لكنه عقب الإفراج عنه قام بإنشاء وقيادة الجناح العسكري للحزب؛ وفي عام 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر للتدرب في الجانب العسكري، ولترتيب دورات تدريبية لأفراد المقاومة لتكون قادرة على حرب العصابات، وعند عودته إلى جنوب إفريقيا عام 1962 تم القبض عليه بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على أعمال عنف وإضرابات.
تولى مانديلا الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، إلا أن الأخيرة أصدرت قرارها بإدانته وسجنه لمدة 5 سنوات، وفيما كان يُمضي عقوبته بدأت محاكمة أخرى، أُطلق عليها اسم “ريفونيا”، وصدر عليه فيها حكم بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأنشطة عدائية وتخريب للممتلكات.. إلا أن النداء بتحرير مانديلا من السجن أصبح رمزا لرفض سياسات التمييز العنصري.
اُحتُجز مانديلا في زنزانة صغيرة بسجن جزيرة “روبن” الوحشي، دون فِراش أو دورة مياه، وأُجبر على القيام بأشغال شاقة في أحد المحاجر، وكان محظورا عليه استلام أو كتابة الرسائل سوى مرة كل ستة أشهر، كما لم يُسمح بزيارته إلا مرة واحدة كل عام، ولمدة لا تتجاوز 30 دقيقة، ولم تتحسن ظروف سجنه إلا بعد أن قاد حركة للعصيان المدني بين المساجين.
وبالرغم من وحشية السجن والظلم الذي تعرض له فيه، رفض عرضين للإفراج عنه مقابل إعلانه رفض العنف والعودة إلى قبيلته ليعيش فيها بهدوء وسلام. وخلال سنوات سجنه، وتحديدا في العاشر من يونيو/ حزيران 1980، استطاع مانديلا توصيل رسالة إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، قال فيها: “اتحدوا واجهزوا وحاربوا، إذ ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري”.
ثلاث خطوات نفذتها المقاومة في جنوب أفريقيا، واستمرت في كفاحها المسلح حتى الإفراج عن “نيلسون مانديلا” في فبراير/ شباط 1990، وذلك بعد عام واحد من تولية “فريدريك ويليام ديكليرك” رئيسًا لجنوب أفريقيا، وكان أول رئيس أبيض يقرر البدء في تفكيك نظام الفصل العنصري، حيث رفع الحظر المفروض على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وأوقف عمليات الإعدام.
خرج مانديلا من السجن، ليجد أن المقاومة المسلحة نجحت في إخضاع السلطة التنفيذية الظالمة، وأجبرتها على إنهاء سياسات الفصل العنصري والتحيز ضد السود، فأعلن وقف الصراع، وبدأ سلسلة من المفاوضات مع الحكومة، أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان عام 1993، معتمداً مبدأ حكم الأكثرية، وسامحاً للأفارقة بالتصويت.
وفي العام نفسه مُنح مانديلا، مناصفة مع رئيس جنوب إفريقيا “ديكليرك”، جائزة نوبل للسلام. وبعدها بعام واحد، تولى “مانديلا” حكم البلاد، ليصبح (الإرهابي) سابقا زعيما دوليا، وُصف بأنه أكثر زعماء الأرض الذين حظوا بالتقدير والاحترام! وتحولت جزيرة “روبن” التي سُجن فيها، إلى مُتحف تعليمي مفتوح، كما صار هو رمزا للنضال والمقاومة ضد الظلم في المناهج الدراسية للطلاب.
فلا يستغربن أحدكم، حين تنتهي فصول تلك الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة – بمشيئة الله- ويُتوج الانتصار التاريخي للمقاومة الفلسطينية، وذلك الصمود الأسطوري لأبناء القطاع، باتحاد كافة فصائل الشعب الفلسطيني الأبي، وتجهزه لحربه على الكيان العنصري، وسحق الاحتلال، أن نرى بأعيننا تكريم “حماس” كأعظم حركة مقاومة وتحرير للأرض عرفتها البشرية، بينما نشاهد القائد “يحيى السنوار” كأول زعيم فلسطيني يحصل على جائزة نوبل، تقديرا لجهوده في إقرار السلام.
وإن غدا لناظره لقريب.
16 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
ربط ذكى بين كفاح منديلا وشعبه و بين ما يحدث الان فى غزة من جهاد ونضال وكفاح ضد اعتى جيش فاقد للاخلاق والقيم ..قواده مرضى نفسيين ..ينتقمون من شعب اعزل مُحاصر بطريقة بشعة وكأنهم ذئاب تنهش فى قطيع من الماشية ..ولكن هناك فارق كبير بين شعب محاصرمن كل الجهات ودولة كجنوب افريقيا مفتوحة على جيرانها..ولكن صدق الشاعر حين قال( اذا الشعب يوما اراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل ان ينجلى ولابد للقيد ان ينكسر).
مقال رائع بارك الله فيك
ان الصمود الاسطوري للمقاومة وللشعب الفلسطيني سيكلل بالانتصار باذن الله تعالى وسيعلو صوت الحق على العالمين ويعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وهذا وعد من رب العالمين.
بارك الله فيكم وحفظكم الرحمن الرحيم أينما كنتم بحفظة ورعايته وصوت للحق والعدل على أعلى المنابر دومآ.
اللهم آمين يارب العالمين.
فعلاً، المقاومة بكل فصائلها وشعبها يسطرون
فصلاً جديداً في تاريخ البشرية،
تحياتي أستاذة شيرين،
وشكراً على هذا المقال الرائع.
كل الشكر والتقدير لحضرتك
مقال رائع ، تسلم حروفك
التاريخ يعيد نفسه،.و ان شاء الله سوف يصبح يحيى السنوار زعيما اكثر شهرة من مانديلا.
لا تثقوا في الغرب المنافق….
“اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بعد للقيد ان ينكسر.”
مع تحيات شاعر الخضراء ابو القاسم الشابي.
الشافعي خودي من تونس
اتمني وادعو الله ان اري مثل هذا اليوم وهم يستحقون هذا واكثر من هذا …. مقاليك اكثر من رائع وان شاء الله يحدث ويكون واقع
لماذا لا تستسلم للصهاينة؟
بقلم عبده فايد
كفى خراب يا حماس.. لماذا لا تقبل الحركة بإلقاء السلاح؟.. ولماذا لا يذهب قادتها مثل السنوار والضيف للمنافي الاختيارية؟.. حتى يتجنب المدنيون في غزّة ويلات الدمار.. لماذا لا تستسلم حماس؟.. سوف أجيبك..
ارجع فقط بالتاريخ لحدود يوم 6 يونيو 1982..في الساعة العاشرة صباحًا وقف أحد الضباط الكبار في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان بين جنوده، وكان اسمه تيمور جوكسل. كان يعتقد أن اليوم روتيني كغيره. ثم فجأة. وجد أمامه عشرات الدبابات الاسرائيلية تتقدم في بطء.. استوقفها.. مهمته تقتضي منعها من التقدم. وضع العراقيل المعدنية. تعطلت دبابة ثم اثنتين ثم عشرة. ثم نفذت منه أدوات الإعاقة. فسأل أحد الجنود الإسرائيليين. ما الذي تفعلونه؟.. هذا خطأ. كانت التعليمات الواردة للجندي الإسرائيلي أن يتصرّف بأدب مع البعثة الأممية.. فأجاب.. سيدي.. هذا غزو.
بعد ساعتين وقف تيمور جوكسل مع الضباط الفرنسيين في البعثة. فوجدوا في الأفق 1200 دبابة إسرائيلية. صعقوا وقرّروا السماح للإسرائيليين بالتقدم. يومها قال الضابط الفرنسي. لا نمتلك حتى في الجيش الفرنسي نصف الدبابات التي عبرت اليوم. كان ذلك إيذانًا ببدء الغزو الإسرائيلي للبنان. كانت إسرائيل تُعد العدّة لهكذا غزو. عملية اغتيال مشبوهة لدبلوماسي إسرائيلي في لندن واسمه شلومو أرجوف، وجدت فيها تل أبيب المُبرّر لعملية الغزو. اتهمت إسرائيل حركة فتح بتدبير الاغتيال، وأنه لا بد من غزو لبنان لطرد الفصائل الفلسطينية المقاتلة، وتطهير دول الطوق من أية أعمال عسكرية ضد الإسرائيليين.
هل تشاهد حصار غزّة الآن؟.. سبق وجربّت إسرائيل نسخة مروّعة منه في بيروت. بيروت الغربية تحديدًا. قصفت إسرائيل العاصمة اللبنانية قصفًا مروعًا لم يسبق أن شاهده العرب. قطعت المياه والكهرباء ومنعت دخول الدواء والغذاء. كانت إسرائيل تبحث عن ياسر عرفات تحديدًا، ومن بعده صلاح خلف ( أبو إياد ) وخليل الوزير ( أبو جهاد) وكلاهما مسئول لعقود طويلة عن الأمن والتدريب والمخابرات في حركة فتح. كان عرفات يهرب من منزل لمنزل. ويسانده في ذلك فصائل لبنانية تحالفت مع الفلسطينيين وخصوصًا الحزب الشيوعي اللبناني، وحركة أمل، والدروز بقيادة وليد جنبلاط. بدأت الوساطة الأميركية. خروج عرفات ورجاله من بيروت مقابل وقف الحصار وانسحاب إسرائيلي من بيروت. صفقة تبدو عادلة للوهلة الأولى. لكن أتدري لماذا رفض الفلسطينيون في البداية الانسحاب؟!..
هذا سوف يقودنا لأسوأ هزيمة جويّة تعرّض لها جيش عربي بعد حرب 1967..وكانت من نصيب سوريا الأسد. قبل قيام إسرائيل بغزو لبنان. كانت تعلم جيدًا أن القوات السورية موجودة لتأمين الخط الواصل بين دمشق وبيروت وتتمركز بأعداد كبيرة في منطقة سهل البقاع اللبنانية. كان ذلك جزء من الترضية الأميركية للأسد بعد حرب 1973..أن يُسمح للسوريين بنفوذ عسكري في لبنان، مقابل التخلي عن حلم تحرير الجولان. وكانت إسرائيل لا ترغب في استفزاز الوجود العسكري السوري في لبنان حتى تتقدّم قواتها بسهولة…ثم كانت الكارثة.
وقف مناحم بيجن أمام الكنيست الإسرائيلي يُعلن أن سوريا ليست مستهدفة في لبنان. وذهب المبعوث الأميركي فيليب حبيب لدمشق والتقى حافظ الأسد شخصيًا وأخبره أن إسرائيل لن تمسّ القوات العسكرية السورية في سهل البقاع. واطمأن حافظ الأسد وابتلع الطعم. لكن في ال 9 من يونيو 1982..باغتت إسرائيل الجيش السوري في سهل البقاع بهجوم كاسح. وفي ساعتين زمن فقط. دمّرت الفانتوم الإسرائيلية 90 طائرة مقاتلة سورية وقتلت ما يزيد عن ألف جندي فيما سوف يعرف بمعركة ‘‘سهل البقاع‘ ‘مجزرة للطائرات لم يتسامح معها السوفييت لاحقًا عندما أرسلوا وزير دفاعهم للقاء وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس للاستفسار عن سبب الفشل السوري الساحق في استخدام السلاح السوفياتي. وكانت أزمة قصيرة في العلاقات إلى أن عهدت موسكو لألمانيا الشرقية بإعادة بناء القوة الجوية السورية.
كانت سمعة الوساطة الأميركية بعد سهل البقاع في الحضيض. وعلم الفلسطينيون أن الاستسلام بالشروط الأميركية يعني سحقًا كاملًا. وبالتالي استمرت المقاومة. لمدة تزيد عن ال 70 يوم صمد عرفات ورجاله. لكن حلفاء عرفات وبعد سقوط أكثر من 18 ألف قتيل مدني في بيروت. لم يعودوا يحتملوا الأمر. حركة أمل انسحبت لتأمين الضاحية الجنوبية، بينما نصح وليد جنبلاط عرفات -برفق- أن يُنهي المعركة وينسحب من لبنان. ولم يعد باستطاعة الشيوعيين الصمود أكثر من ذلك رغم استبسالهم في الدفاع عن عرفات. فكان أن قبل عرفات بالصفقة. خروج من بيروت صوب تونس رفقة ألفي مقاتل فلسطيني بسلاح خفيف. ولأول مرّة أصبحت دول الطوق بكاملها آمنة لإسرائيل. مصر التطبيع، الأردن بعد طرد منظمة التحرير عام 1970، لبنان، بطرد منظمة التحرير، ثم سوريا التي لم تطلق رصاصة على إسرائيل ولا توجد بها قواعد قتالية متقدمة للفصائل الفلسطينية.
استسلمت منظمة التحرير وخرجت من بيروت. فليعمّ الأمن الأميركي والسلام الإسرائيلي إذن.. بالطبع.. سيرى الفلسطينيون بأم أعينهم معنى الرفاه والرخاء الإسرائيلي بعد استسلام المقاومة. بعد 16 يوم فقط من خروج عرفات إلى تونس. وتحديدًا بتاريخ 16 سبتمبر 1982..اتفق وزير الدفاع الإسرائيلي أرئيل شارون، ورئيس أركانه رافائيل إيتان مع قادة ميلشيا القوات المارونية اللبنانية وبالأخص إيلي حبيقة ومارون مشعلاني على سحق المدنيين الفلسطينيين في صابرا وشاتيلا. أضاءات قوات شارون سماء المخيم بالقنابل الفسفورية، وتقدّمت الميلشيات المسيحية صوب المخيمات وقتلت في 3 ساعات أكثر من 3000 مدني فلسطيني، بأبشع الطرق، بقر البطون وقطع الأثداء.
لعلك الآن تُدرك لماذا لا تستسلم حماس. حافظ الأسد صدّق الإسرائيليين في سهل البقاع وسحقوه. ياسر عرفات انسحب من بيروت وقتلوا 3 آلاف فلسطيني. لكن مهلًا. ما تزال هناك أسباب أخرى. القادة الفلسطينيون أنفسهم لم ينجوا لاحقًا. هل تعلم أن الطيران الإسرائيلي قصف تونس؟.. كان ذلك في صباح الأول من أكتوبر من العام 1985..وتحديدًا مدينة حمّام الشطّ على بعد 50 كم من العاصمة التونسية. سلسلة غارات متتالية على مقرات منظمة التحرير والهدف اغتيال عرفات. لكن عرفات نجا وقُتل 50 فلسطيني و 15 تونسي. العهد الأميركي لعرفات كان ضمان سلامته الشخصية. وهذا ما جناه. محاولة اغتيال. صحيح فشل الإسرائيليون في اغتيال عرفات. لكنهم بالتأكيد سينجحوا في تونس. بدل المرة اثنتين.
الأولى في 16 إبريل 1988..يومها ذهبت قوة إسرائيلية إلى الشواطئ التونسية. كانت تضم 16 من صفوة ضباط الشاباك والموساد والشين بيت وسيريت ميتكال ويتقدمهم إيهود باراك. نزل منهم 8 لبيت خليل الوزير. وأردوه أمام ناظري زوجته ب 76 رصاصة. وبعد 3 سنوات وتحديدًا 14 يناير 1991..سيقوم أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية المشبوهة – والذي يُعتقد بعمالته للموساد في كثير من الدوائر – وهو صبري البنا المُكنّى بأبي نضال، بتجنيد أحد أعضاء فريق تأمين القيادي الفتحاوي هايل عبد الحميد الشهير ب أبي الهول‘ ‘وكان العميل الخائن هو حمزة أبو زيد. دخل أبو زيد غرفة يجتمع فيها صلاح خلف ( الرجل رقم 2 في حركة فتح) وفخري العمري وأبو الهول. وأرداهم جميعًا بالرصاص.
هذا هو ثمن الاستسلام. تصفية ألوف المدنيين واغتيال قادة المقاومة. هذا هو ثمن الثقة بالإسرائيليين. سهل البقاع. هذا هو عين ما ترفضه حماس. لكن ليس لهذه الأسباب فقط. وإنما يتبقى سبب أكبر. وهو أن الخبرة في التعامل مع الإسرائيليين من معركة حصار بيروت وتبعاتها تقول بأن الاستسلام والتشريد في المنافي كان بوابة كل الرذائ، لأنه فتح الباب أمام قبول حركة فتح بالتطبيع مع إسرائيل. لأن فتح حُيّدت تمامًا من جبهة الطوق، ولم يعد لها تأثير عسكري، فباعت كل شيء لأجل السلطة الوهمية. فكان أن حضرت مؤتمر مدريد ثم وقّعت اتفاق أوسلو الذي قضى على القضية الفلسطينية وحولّها من حلم تحرير الأرض، للقبول بسلطة فلسطينية عميلة للاحتلال الإسرائيلي تقوم – بالوكالة عنه- بمهام قتل واعتقال المقاومين داخل الأراضي الفلسطينية مقابل مساعدات أميركية.
هل تعلم الآن لماذا لا تستسلم حماس؟…لأنها ترى المستقبل بعين التاريخ. ترى تطهير عرقي سيبدأ على نحو لم يسبق له مثيل. ترى موجات تهجير إجبارية لأهالي القطاع. ترى سلطة عميلة للاحتلال تنتقم من ألوف العوائل الفلسطينية بحجة دعم المقاومة.. والأهم.. ترى أرضًا فلسطينية أُخرست فيها صوت البندقية للأبد. وحلّ محلها تطبيع، يعيش فيه الفلسطينيون عبيدًا ما تبقّى من أعمارهم للإسرائيليين. هل تعلم الآن لماذا لا تستسلم حماس. وهل تعلم أن الإسرائيلي لا يؤمن وعده والأميركي لا يُضمن عهده؟.. هل تعلم أن المُلام الوحيد هو الصهاينة، وأن من عليه إيقاف الحرب هم الصهاينة. وحدهم لا غير. هل تعلم. هل تتعلّم؟!
مقال رائع موجز .. لتاريخ نضالنا .. وخيانتنا وغباءنا
لعل المقاومة .. تكون قد استرشدت بكل الدروس القديمة
وضمنت بعضا من الداعمين ..
وبالنهائية نسأل من الله نصره وتأييده
تستحق المقاومة من حماس إلى مختلف فصائلها كلهم يستحقون التمجيد و التقدير
ربط موفق بين القائد السنوار و القائد نلسون مانديلا كفكرة
ظروف المقاومة في غزة في فلسطين لا وصف لها كما أن وحشية و إرهاب الكيان الصهيوني الذي يستهدف المدنيين الأطفال و النساء و الشيوخ و يقصف المباني و المستشفيات بدم بارد و أمام مرأى العالم و و الخ مل هذا لم يسبق أن عاشته البشرية جمعاء
يكتشف المجتمع الدولي بعد عمليات المقاومة 07 أكتوبر 2023 أنه مقيد مجبر أسير لينتفق داعما للمقاومة في فلسطين و رافضا لسياسة الإستبداد و الدكتاتورية …المقاومة في غزة حررت العالم و فضحت المستخبي في العلاقات الدولية
انشالله … اللهم عجل بتحقيق هذه الأمنية الجميلة
ما شاء الله، تسلسل تاريخي مع إسقاط رائع على الواقع، وإن غداً لناظره قريب ،بوركتِ وبورك قلمك
يارب يفرجها على اخواتنا يارب فى غزه الالم الذى لم نستطع مداواته
مقال رائع .. تسلم ايدك ..
التاريخ يعيد نفسه
مقال رائع وتحليل عميق، لا شك نهائيا، فالنصر قادم ونصر عالمي وكوني وليس في غزة فلسطين فقط،،، إن الله يدافع عن الذين آمنوا…