
من يوسف إلى عمال الإغاثة: كيف فشل الغرب أخلاقيًّا في غزة؟
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 15 أبريل, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 15 أبريل, 2024
من يوسف إلى عمال الإغاثة: كيف فشل الغرب أخلاقيًّا في غزة؟
بعد السابع من أكتوبر ظهر كيف جنَّد النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية نفسه للوقوف خلف الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان يعيش صدمة تلك اللحظات التي كسرت فيها المقاومة الفلسطينية كل قواعد الاشتباك، ونفذت عملية عسكرية لم يسبق لها مثيل منذ احتلال فلسطين قبل 75 عاماً.
ويكتشف المجتمع الدولي أن إسرائيل لا تريد فقط “الدفاع عن نفسها”، كما روجت الإدارة الأمريكية لذلك أول الأمر، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال تنفيذ إبادة جماعية وعمليات تطهير عرقي، شكلت صدمة للمجتمع الدولي، لكنه بقي عاجزاً عن وقف هذه الإبادة على مدار 6 أشهر رغم قرارات محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي، الأمر الذي طرح سؤالاً كبيراً حول الميزان الأخلاقي الذي يروج له المجتمع الدولي.. فإلى أي مدى فشل هذا النظام في تعزيز القيم والمبادئ التي روج لها على مدار عقود؟
في غزة، مثلت حكاية الطفل يوسف حميد أبو موسى نموذجاً لهذا الفشل الأخلاقي، وهي واحدة من حكايات أكثر من 13 ألف طفل قتلتهم إسرائيل خلال ستة أشهر فقط!.
يوسف طفل في السابعة من عمره، خصلات شعره الأشقر وبراءة طفولته المبكرة تروي قصة مأساوية تعج بالنفاق الصارخ.. لم يكتمل الأمل بأن تمضي حياة يوسف إلى غدٍ موعود، إذ أُخمدت تلك الحياة تحت أنقاض غارة جوية إسرائيلية، تردد صدى كلمات أمه المؤثرة “شعره كيرلي وأبيضاني وحلو”، التي قالتها في أثناء بحثها عن جسده الصغير في مستشفى ناصر بخان يونس، تلك الكلمات التي تحكي قصة حزن عميق.. ووجد الأب، وهو الطبيب الذي كان على رأس عمله، ابنه يوسف جثةً فارقتها حياة، بعد بحث يائس في غرف الطوارئ وحتى المشرحة، ليعبر عن كسرة قلب لا توصف إلا بكلمات مستسلمة لقضاء الله وقدره: “الحمد لله”.. هذه الحادثة المأساوية، والجريمة البشعة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لم تحرك ساكناً في الوعي العالمي والضمير الإنساني الغربي.
في المقابل، جاء مقتل سبعة عمال إغاثة غربيين في غارة جوية إسرائيلية، استهدفت قافلة المطبخ المركزي العالمي في دير البلح، فأثار استنكارات واسعة وسريعة، عبَّر خلالها قادة دوليون في مقدمتهم بايدن عن حزنهم وصدمتهم، وكأنها الغارة الأولى في القطاع! ما كشف عن ازدواجية معايير مقيتة ومثيرة للقلق. الصرخات التي تبعت مقتل هؤلاء العمال الغربيين، وأطلقها مواطنون من أستراليا وبريطانيا وبولندا، ومواطنون مزدوجو الجنسية من الولايات المتحدة وكندا، إلى جانب فلسطينيين، تتناقض بشكل صارخ مع الصمت الذي يحيط بقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني، منهم 13 ألف طفل، خلال ستة أشهر من الإبادة الجماعية.
الهجوم على قافلة الإغاثة على الرغم من وضوح العلامات، وشعار المطبخ الذي علا سيارات القافلة، والإخطارات والتنسيقات المسبقة، ثم الرد الفاتر اللاحق من المسؤولين الإسرائيليين، ملفوفاً بلغة الندم والعبارات المبتذلة عن حوادث الحرب، يعكس نمطًا أوسع من ازدراء وتجريد حياة الفلسطينيين من الإنسانية، ويؤكد بشكل قاطع أن عبارة وزير الحرب الإسرائيلي غالانت، الذي وصف الشعب الفلسطيني بـ”الحيوانات البشرية”، لم تكن عبارة شاذة خارج السياق، بل كانت تعبيرًا واضحًا عن العقلية والنظرة الإسرائيلية والغربية للشعب العربي الفلسطيني.. ثم إن تأكيدات رئيس الوزراء نتنياهو بشأن التحقيق، المتوازية مع إجراءات تأديبية رمزية للضباط القتلة، تشهد على الإفلات من العقاب الذي تعززه موافقة الغرب، وأكثر من ذلك أن التبرير الإسرائيلي لتلك الجريمة مثَّل جريمة أكبر، حين زعم الجيش الإسرائيلي أن الخطأ لم يكن في القصف بحد ذاته، وإنما في الاعتقاد أن من بداخل هذه السيارات هم فلسطينيون!!
ردود الفعل الغربية الغاضبة ظاهريًا، لا سيما من شخصيات مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، لا تتحدى بشكل كافٍ السياسات الواضحة التي تمكِّن مثل هذه الجرائم، كما أن دعوة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار ومعها توبيخ كندا الخفيف لا تواجه طبيعة الإجرام والعنف الإسرائيلي الممنهج الممارس ضد سكان غزة، أو الصمت المتواطئ بشأن الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، والتي تتسم بحصيلة غير مسبوقة من الدمار والموت.
حداد الغرب على مواطنيه في مقابل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة يكشف عن فشل أخلاقي وسقوط مروع للحضارة الغربية والنظام العالمي على حد سواء؛ هذا النفاق يتجلى أكثر كونه يتزامن مع صفقة أسلحة أمريكية جديدة لإسرائيل، بالتزامن مع مجزرة إسرائيلية مروعة، أعلنت إسرائيل فيها إعدام أكثر من 200 فلسطيني في مجمع الشفاء الطبي – بما في ذلك إعدام أطباء ومرضى؛ كما يتزامن مع القصف المستهدف للسفارة الإيرانية في سوريا، في ذات اليوم.. هذه الأعمال التي تتعارض صراحةً مع القانون الدولي، إلى جانب إعلان عمليات قتالية قائمة على أنظمة الذكاء الاصطناعي، أدت إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين في غزة، تظهر تقديرًا مرعبًا للتكنولوجيا على حساب الحياة البشرية، كما تكشف عن حجم الصمت الدولي على سلوك الاحتلال الساديّ في قطاع غزة، وكيف حول الاحتلال – ومن خلفه الدول الغربية- قطاع غزة إلى مسرح للتجارب العسكرية والتكنولوجيا، مع مزيد من القتل والتدمير على نطاق لم يسبق له مثيل في عصر ما بعد الليبرالية الغربية!!
بالإضافة إلى ذلك، بدأت تغطية وسائل الإعلام الغربية، التي كانت في البداية تُردّد الروايات والبروباجندا الإسرائيلية، في التحول تدريجيًا – وإن بتردد- نحو عرض أكثر حيادية للوقائع في غزة. ومع ذلك، يأتي هذا التغيير متأخرًا جدًا بعد الآلاف الذين فقدوا حيواتهم والملايين الذين استهدفتهم آلة الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.. استجابات المجتمع الدولي والغربي الفاترة، وتبريراتهم للأفعال الإسرائيلية – المتمثلة في مسايرة تهرب نتنياهو والقبول العام بمبرراته- تجسد عنصرية عميقة الجذور، تقدر بعض الأرواح على حساب أخرى.
كما أن الصمت والتواطؤ من الدول الغربية إزاء إبادة غزة، بالتوازي مع صراخهم حول مقتل عمال الإغاثة الغربيين، يدلان على نفاق صارخ! إنه فشل أخلاقي لا يقوض مبادئ حقوق الإنسان فحسب، بل يعمق أيضًا الهوة بين شمال العالم وجنوبه، بشكل يغذي الكراهية، ويزيد الاعتقاد أن هذا النظام بشكله الحالي لم يفشل في قيادة العالم فحسب، بل زاد من منسوب الكراهية على المستوى العالمي، وهو بذلك يدفع العالم كل يوم نحو حافة الهاوية مع مزيد من الشعور بالإحباط العام لدى المجتمعات.
واليوم؛ بينما يستيقظ العالم متأخراً على مأساة غزة، لا يزال التفاعل الغربي مع الأحداث ملطخاً بالتناقض والنفاق الصارخ في الأقوال والأفعال.. مقتل الطفل يوسف وآلاف الفلسطينيين مثله يتطلب أكثر من حزن انتقائي، إنه يدعو إلى موقف مبدئي ضد القمع والاحتلال والإبادة الجماعية التي تتم أمام أعيننا. وحتى ذلك الحين، ستظل بصمات النفاق الغربي تلقي بظلالها الكثيفة على ادعاءات العدالة والإنسانية، ناقشةً قصة حزن وخيانة للمبادئ في سجلات التاريخ.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، كل التحية والتقدير لك أستاذ أدهم، لله درُّكم يا أبناء فلسطين الحبيبة! لقد منَّ الله على أرضنا المقدسة وغزة الطاهرة برجال عظماء شرفاء مخلصين مناضلين أبطال أحرار، رفع الله قدرك وأكرمك وأعلى شأنك.
﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾
حقاً إنها أنظمة صهيونية منافقة مريضة وحشية قذرة همجية إرهابية! هؤلاء مدعي الإنسانية وهم لا يمتُّون إلى الإنسانية بأي صلة!
استودعنا الله غزة العزة الطاهرة منبع الإيمان والأخلاق والحرية والكرامة والإنسانية.