لا تكن كالصهاينة!

بواسطة | نوفمبر 10, 2023

بواسطة | نوفمبر 10, 2023

لا تكن كالصهاينة!

تأملات حول الحياة وتحولاتها تظهر أحيانًا بألوان مختلفة، تُفاجئنا بمعانٍ غير متوقعة. يقدم هذا المقال نظرة على القيم والإيمان، وكيف يمكن للحياة أن تكون مدرسة تعلمنا فيها دروسًا قيمة.

فلسطين والصهاينة – دروس في الإيمان والشرف

تفاصيل الحياة وزخرفها وتبدل ألوانها قد يجعلنا نذهل عن بديهيات ومسلمات، بل قد نجد أنفسنا في لحظة ما ـوما أكثرهاـ نجاهد في النقاش والجدال محاولين إثبات واقع ثابت، وحقيقة واضحة، فنتفاجأ أن ضباب الكذب والزور قد غيَّر في فطرة الناس الشيء الكثير.
ولقد علمتني التجارب أن أحتمي من ادعاء المدعين، بدروس الماضي وحكمة الحاضر.. وهل للتاريخ من غاية بكل أحداثه ووثائقه إلا أن يخبرنا بما نفعل وما لا نفعل تأسيّا بعبرة من مضى؟ وهل من صوت يعلو على صوت الحياة إذ ينبهنا ويعلمنا، ويرمينا بقدوات نتعلم منهم، وعِبر نتأسى بها؟.

وتاريخنا الحديث وواقعنا المعاصر لا يبخلان بتعاليم، ولا يضنّان بفائدة.. ومن بلاء الزمن أن جعلنا للناس عِبرة، وأقام في وادينا معمل التجربة، فكان الأوْلى بنا أن نتعلم، ونعلم العالم.. نتعلم شرف أن يكون الإنسان فلسطينيا، وخسة أن يكون صهيونيا؛ وتلك دروس التجربة فاغتنمها، وإننا لأوْلى الناس بذلك.. فيا صديق، ودونك النصيحة!
لا تغترَّ بقوتك، ولا تُشيِّد مجدك على أشلاء الآخرين، وإياك وغطرسة القوة وغياب الحذر في سكرة التفوق.. القبب الحديدية لا تحمي، والجدران العازلة لن تنجي، أسوارك تُبنى بالقوة الشريفة، كن شريفا يا صاحبي ولا تكن كبني صهيون.

لا تأمن دعوة مظلوم، ولا تزوّر مشهدا وتفرضه على خيالك وتهمل الحقيقة، الكذبة لا تدوم، والمظلوم يكبر ويكبر غضبُه معه، الضمير الحي هو الأمان مهما دفعت في الحفاظ عليه من ثمن، والضمير الخرب لن ينجيك يا صاحبي .. كما لن ينجيَ الصهاينة.
المتعصب لا يرى إلا خيال رأيه، ومهما كان ذكاؤه فقيود العصبية ستحدد سقف حريته، فيستوي والغبي، بل قد ينحدر به ذكاؤه المُقيد فيأتي بالعجب، حتى إذا ما نام مطمئنا بعدما غالى في ادعاءاته أفاق على كابوس الواقع، الواقع الذي يصوغه الشجعان مهما ضاق واقعهم إذ عقلهم حر.. كن فلسطينينا يا صاحبي حر الإرادة مهما ضاق واقعك، ولا تكن صهيونيّا تُنزل من ظلام روحك على براح العالم، فيصبح واقع الناس بائس غير محتمل.

إياك ونوم الغفلة! نامت دولة “إسرائيل” في غفلتها فاستيقظت على واقع 7 أكتوبر.. كن فلسطينيا يقظا منتبها تُقلِقك مسؤوليتك عن النوم، تعلم أن تكون ثابتا كفلسطين.
 هناك أشياء غالية، وهناك أشياء يرخص لعينيها كل غالٍ، الروح الفلسطينينة غالية، الوجع الفلسطيني غالٍ، طفل فلسطين غالٍ، لكن فلسطين حاضرة بيقينهم فرخص لأجلها الغالي!. كن يا صاحبي فلسطينيا، إراقة دمه أسهل عنده من إراقة ماء وجهه، وكرامته مقدمة على روحه؛ ولا تكن صاحب أحلام رخيصة أنانية كبني صهيون، كي لا تهجر حلمك هاربا في خزي عندما تصدمك حقائق الحياة.
 كن محبا للحياة يا صاحبي مهما أحاطت بك الهموم، فاليأس موت.. الفلسطيني تُهدم داره بصاروخ فيبني غيرها، تُجرف أشجار زيتونه فيزرع أخرى مكانها، يُقتل حبيبه فيحفظ طيب ذكراه ووعود بينهما، ويكمل مشوار حياته رافضا أن يموت الأمل بداخله فيخون حق التاريخ ووعد المستقبل.. كن فلسطينيا يرى الموت والخراب فلا يزيد على أن ينفض غبار المأساة ويعود لدورة الحياة من أولها، ولا تكن صهيونيا حياتك مرهونة بموت غيرك، وكل لذة عندك يسبقها خطف وعنف واغتصاب.

الصبي لا يتعلم فنون القتال دفعة واحدة، يُمسلك في أول وعيه سيفا من خشب، يضحك الناس منه، لكنه يتقدم للإمام فيكبر سيفه في يديه، وعندما يملأ المشهدَ ينبهر الناس ويصفقون.. كن فلسطينيا يا صاحبي وتحمَّل ضربات البداية، وتواضُعَ الخطوة الأولى، وتحمَّل الاستخفاف والسخرية من الأقارب والأباعد، حتى تملأ المشهد وتنتزع التصفيق، ولا تكن بالونا منتفخا بالادعاء كصهيوني.
من لا يملك إلا مطرقة، يتعامل مع كل الأمور على أنها مسامير، يدقها بمطرقته كحلّ واحد مسلَّم به؛ ودولة الصهاينة لا تملك إلا مطرقة القوة الغاشمة، فحرية الرأي مسموح بها في أي شيء إلا فيما يتعلق بممارساتها، مطرقة “معاداة السامية” طرقت من قبل رؤوس سياسيين وفنانين، ومثقفين ورياضيين، ومطرقة “معايير المجتمع” عاقبت كل رأي يقول عكس ما تقول، ومهزلة منصات التواصل الاجتماعي بمعاييرها المعوجة حاضرة طوال الوقت؛ دعك من مطرقة “القوة العسكرية” التي تهدد بها المنطقة، ومطرقة “اللوبي الصهيوني” الذي يحمي رواية إسرائيل المزورة.

لا تكن كالصهيوني يا صاحبي فتعالج مشكلات حياتك بمطرقة، اصطياد فراشة لا يحتاج مسدسا، لا تفرض نفسك على العالم وتطارد من يرفض ذلك، الحياة تحترم المنطق، والأرض تنحاز لأصحابها، والعقل قد يخاف من أن تدق رأسه المطرقة فيقول الكذب، لكن الحقيقة لا تمحوها كلمة زور.. كن حقيقيا وسط غابة أكاذيب.. كن “حقيقة” كفلسطين.
أن تؤمن شيء، وأن تُعجب فهذا شيء آخر!. نحن نُعجب بالبطولة والنبل والشرف، لكننا للأسف لا نؤمن بها، إذ الإيمان بالشيء له ثمن، والإعجاب به مجاني!. كن فلسطينيا يا صاحبي، تؤمن بالشيء فتلبسه، يتحدث الناس عن الشرف وأنت تمارسه، يؤلفون حكايات عن الكرامة بينما أنت تعيشها، يروون قصص النبل والشهامة وهي عندك طقس يومي تنخرط فيه دون صخب أو ضجيج.
إياك أن تعجبك القيم فتحبها دون أن تؤمن بها إيمانا حقيقيا، لا تلحن قولك كبني صهيون وتصدعنا بالكلام عن الحرية والديمقراطية والعدل.. كن مؤمنا بمبادئك كفلسطين، ولا تُعجب بها فقط فتفضحك المواقف، من قال نحن بلد الديمقراطية امتُحنت مبادئه، فطالب بسحق مدنيين بقنبلة ذرية، ووصفهم أمام العالم بأنهم “حيوانات بشرية” يجب إبادتها؛ بينما من ادعى أنه جهاد، نصر أو استشهاد، يبهرنا في نصره وفي استشهاده.
فكن مؤمنا كفلسطيني، ولا تكفر كصهيوني.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...