
لا تُصِب نفسك أو غيرك بجهالة
بقلم: جعفر عباس
| 13 سبتمبر, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 13 سبتمبر, 2023
لا تُصِب نفسك أو غيرك بجهالة
ابتلى الله المنطقة العربية بأنظمة قمعية شرسة، تكتم الأنفاس وتجثم على الصدور، وتعبث بالموارد والأرواح؛ ومع هذا تنبري بعض أجهزة الإعلام المأجورة لتصويرها على أنها نماذج للحكم العادل والراشد، وبهذا يخون إعلاميون أمانة الإبلاغ بغرض التعليم والتنوير والتبصير. وأستاذ مدرسة التضليل الإعلامي هو جوزيف غوبلز، وزير الإعلام والدعاية في ألمانيا النازية، وصاحب مقولة “اكذب ثم اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس وتصدق نفسك”، وكانت عائلته من ضحاياه، فعندما أوشكت القوات السوفييتية على اقتحام برلين في خواتيم الحرب العالمية الثانية، اعتبرت زوجته ماغدا أن عالما لا توجد فيه النازية، ولا حاديها أدولف هتلر، لا يصلح للعيش الكريم، فسقت عيالها الستة السم، ثم لحقت بهم في جنة افتراضية تحت التراب، يمسك فيها هتلر بكل الخيوط مجددا.
سادة وسدنة الإعلام بغرض التضليل والتجهيل هم الأمريكان، وأحد أقوى الشواهد على ذلك ما اقترن بما يسمى “صفقة القرن” الهادفة إلى تسويق إسرائيل كدولة مسالمة، تسعى لخلق علاقات ود ومصالح متبادلة مع دول المنطقة، وفي طيات الحملة التي دشنها أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كان هناك وتر يعزفون عليه بكفاءة لتصوير إسرائيل على أنها ضحية، وغير مسؤولة عن توتر الأوضاع في المنطقة، وكان الإعلام العربي وبعض الرسميين العرب قد ابتلعوا الطعم الأمريكي المبذول منذ خمسينات القرن الماضي، وصاروا يتكلمون عن أهمية حل “قضية الشرق الأوسط”، فضلا عن الحديث حصرا عن القضية الفلسطينية، وكان ذلك في سياق فبركة المصطلحات، وصولا مع صفقة القرن إلى إزاحة مصطلح الديانات السماوية من القاموس، ليحل محله مصطلح الديانات الابراهيمية، بهدف توأمة اليهودية بالإسلام، توطئة لتوأمة إسرائيل بجيرانها العرب.
رضع الإعلام الإسرائيلي من نظيره الأمريكي مهارات التضليل والتجهيل، فعلى سبيل المثال عمد الإعلام الإسرائيلي في أوائل عام 2021 للترويج لحرب “مرتقبة” على غزة، ولاحقا قالت صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكيتان، إن ذلك كان خدعة تهدف إلى استدراج حركة حماس كي تحرك عناصرها المقاتلة إلى مناطق حدودية مكشوفة، ليسهل استهدافها جوا، وإنه وبموازاة ذلك نشر عوفير غندلمان، الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، مقطعي فيديو “يثبتان صحة الادعاء الإسرائيلي بأن حماس تستخدم مواطني غزة كدروع بشرية”، وفي المقطع الأول يُرى -حسب الادعاء الإسرائيلي- مقاتلون من حماس وهم ينصبون، في منطقة مأهولة بالسكان، منصة لإطلاق الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، لكن سرعان ما اتضح أن المشهد لمجموعة سورية معارضة كانت تقصف أهدافا حكومية داخل الأراضي السورية عام 2018، بينما كان المقطع الثاني حسب الادعاء لطابور عسكري يرافق منصة صاروخية “تشق شوارع مدينة غزة”، وكان في حقيقته لطابور في منطقة الجليل التي تسيطر عليها إسرائيل ويعود أيضا الى العام 2018. ثم وفي سياق الحملة الإعلامية لـ “تأكيد أن الفلسطينيين يزعمون كذبا أن ضحايا الغارات على غزة بالمئات”، بثَّ ناتاليا فاديف من شرطة إسرائيل العسكرية مقطع فيديو لموكب جنائزي “مفبرك” في غزة يُرى فيه السائرون خلف الجثمان وهم باسمون وضاحكون، وكان المشهد المبثوث في حقيقته عملا فنيا هزليا قام شبان أردنيون بتصويره ونشره على منصة تيك توك.
كان الإعلام فنا في الأصل، فقد مارسه عبر القرون هواة موهوبون في مجالات التعبير بمختلف الأدوات، وشيئا فشيئا استنبطت أجيال لاحقة القواعد والضوابط لممارسة الإعلام بأساليب فعاله ومؤثرة، فكان أن صار الإعلام عِلما له قواعد متعارف عليها ويتم تدريسه في المعاهد والجامعات. ولاستثمار تأثير الإعلام نشأ الإعلام المضاد القائم على ترويج الأكاذيب للتأثير على الرأي العام، وكان الفارس الأول في هذا الميدان الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، الذي أسس وحدة للتضليل الإعلامي في جهاز المخابرات السوفيتي (كيه جي بي)، لتصوير بلاده كفردوس على الأرض، ووصم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بكل ما يشين.
وهكذا بدأ التضليل الإعلامي كفَنٍّ قائم بذاته، يتم فيه استغلال قواعد علم الإعلام المتفق عليها عالميا لبث الأكاذيب والشائعات، بهدف تبرير موقف ما أو النيل من طرف ما؛ وسرعان ما صار جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) كبير أساتذة هذا الفن. والتاريخ القريب، والذي معظم شهوده أحياء، يثبت أن الولايات المتحدة مارست أقصى درجات التضليل الإعلامي لتبرير غزوها للعراق في عام 2003، بل ولاستدراج عدد كبير من الدول لتشارك في الغزو فتتوزع دماء العراقيين بين قبائلها، وللوصول إلى تلك الغاية تمت فبركة مشاهد فيديو لمستودعات عراقية لأسلحة الدمار الشامل العراقية، وأُتِي بشهود زور يقدمون إفادات بأن عراق صدام حسين لديه ترسانة من الأسلحة الكيميائية والجرثومية.
وفي عالم اليوم صار تداول المعلومات للتنوير أو التضليل أمرا ميسورا، لأن معلومة صادقة أو مضللة، تكون نقطة انطلاقها مثلا مدينة سان فرانسيسكو في أقاصي الغرب الأمريكي، تنتقل خلال ثوان معدودة عبر آلاف الأميال وفي كل الاتجاهات، وتصبح متداولة بين الملايين، وبالتالي لم تعد أجهزة المخابرات الحكومية في أي دولة بحاجة إلى تكبد كثير عناء لتسريب المعلومات إلى وسائل الاعلام التقليدية، بل يكفي بثها عبر تطبيقات تويتر وفيسبوك وتيك توك وغيرها لضمان وصولها إلى الجمهور المستهدف، ولعل تطبيق واتساب هو الأكثر تفضيلا لممارسة التضليل الإعلامي العابر للقارات، والذي يقوم على ليِّ أعناق الحقائق، أو الترويج لنظريات المؤامرة، أو بث أخبار كاذبة مؤيدة بشهادات ووثائق مزورة. وكثيرا ما يُفاجأ كثيرون في هذا البلد او ذاك بأن “فاعلي خير” قاموا بإضافتهم إلى مجموعات (قروبات) واتساب معنية بأمور تحظى باهتمامهم، وقد ينتبه بعض هؤلاء أو لا ينتبهون إلى أن هذه المجموعة أو تلك لديها رسالة مبطنة، تأتي مدسوسة بين ركام التعليقات والمقاطع الصوتية ومقاطع الفيديو، ومن ثم فالعاقل من يتفادى إصابة نفسه وغيره “بجهالة” يتبعها الندم، وسلامته تتحقق بتعامله مع كثير مما يأتي عبر منصات التواصل الاجتماعي بمقتضى الآية الكريمة {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا…}.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق