لجنة نوبل وصناعة الأصنام
بقلم: جعفر عباس
| 6 سبتمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 6 سبتمبر, 2023
لجنة نوبل وصناعة الأصنام
كان مقالي هنا في مدونة العرب، ليوم الأربعاء الموافق 16 أغسطس المنصرم، بعنوان “الأقلام وصناعة الأصنام”، وتناولت فيه كيف أن الإعلام هنا وهناك مارس الملق بحق مسؤولين كبار، وسعى لصنع شربات من الفسيخ، فكان أن فاز الرئيس السوري حافظ الأسد بلقب “بطل الصمود والتصدي”، مع أنه كوزير دفاع لم يصمد ولو لبضع ساعات أمام الهجوم الإسرائيلي على هضبة الجولان في يونيو 1967، بل تركها لقمة سائغة للإسرائيليين، وبعدها لم يمارس “التصدي” بأي شكل لمن يحتلون أرض بلاده؛ كما حظي الزعيم الليبي معمر القذافي بكوكتيل من الألقاب، من بينها “مفكر”، بينما تمثَّل إنتاجه الفكري في “الكتاب الأخضر” الذي تضمن خطرفات من قبيل “البيت لساكنه”، فاستولى مستأجرو البيوت على المساكن، وطاح حظ من استثمروا أموالهم في العقارات، ومن الدرر الفكرية التي نثرها “شركاء لا أُجراء”، وعنى بذلك أن للعاملين في أي مُنشأة الحق في أن يكونوا مالكيها، استنادا إلى مقولته “إن الأُجراء ومهما تحسنت أجورهم نوع من العبيد”، وقياسا على هذه النظرة فقد أفتى القذافي بأن “المركوب للراكب”، وسمح بذلك لمن يعمل سائقا أجيرا على سيارة رولز رويس أن يتملكها.
وعلى مستوى العالم كله، ما من جهة احترفت صناعة الأصنام كما فعلت لجنة جائزة نوبل للسلام، التي صارت عاجزة عن العثور على شخص “يستأهل” منذ أن منحتها للزعيم والبطل الحقيقي الأسطوري نيلسون مانديلا، فكان أن قدموها للرئيس الأمريكي باراك أوباما، حتى قبل أن يكمل فترة الاختبار كرئيس لبلاده، ودون أن ينجز شيئا في مجال الحرب أو السلم.
مع هذا فأوباما على الأقل رئيس دولة، وسياساته تؤثر في أوضاع السلم والحرب، ولكن بأي وسيلة خدمت ملالا يوسفزاي السلم العالمي؟ كانت صبية صغيرة عندما أطلق طالباني في باكستان الرصاص على رأسها، وكانت جريمتها في نظر طالبان أنها كتبت في مدونتها -وكان عمرها وقتها 12 سنة- مستنكرة معارضة الطالبانيين في وادي سوات في باكستان لتعليم البنات، ونشرت بي بي سي كلامها، ثم حاورتها نيويورك تايمز، فرددت استنكارها لموقف طالبان من تعليم البنات، وبعد الإصابة تم نقل ملالا إلى بريطانيا، وجعل منها الإعلام صنواً لحافظ الأسد، أيقونةً للصمود والتصدي، وقالوا إنها مدافعة عن حق البنات في التعليم، ثم أولاها الإعلام الغربي اهتماما كبيرا، وشرعت منظمات بريطانية في برمجتها وتحسين إلمامها باللغة الإنجليزية، وبعدها لقنوها ما ستقوله دفاعا عن حق البنات في التعليم في كل مكان، ولأنها ذكية بالفطرة، فقد استوعبت كل ما قاله لها الملقنون، وبدأت تظهر في المحافل العامة مدافعة عن حق نظيراتها في التعليم، وصولا إلى منبر الأمم المتحدة. ولا شك عندي في أن ملالا صبية استثنائية، وأنها تعرف قيمة وأهمية التعليم، خاصة وأنها تنتمي لعائلة تملك عددا من المدارس في سوات في باكستان، ولكن الجائزة التي نالتها من لجنة “نوبل” لم تكن لـ”الذكاء” أو لإقناع طالبان بالتخلي عن محاربة تعليم البنات، بل لـ”السلام”؛ ولم تشرح اللجنة أو أي وسيلة إعلامية، علاقة حرصها على التعلُّم وحديثها عن حق البنات في التعلُّم بـ”السلام العالمي”، ولا كيف خدم من تقاسم معها الجائزة (الهندي كايلاش ساتيارتي) قضية السلام، رغم أنه تفرغ لنحو عشرين عاما لعمل نبيل، يتمثل في حماية الطفولة من الاستغلال، ومحاربة التطرف الديني، وتوفير التعليم لأطفال الشوارع.
ومن شن الحرب على إقليم تغراي هو “بطل السلام العالمي”، آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية، وفاز بتلك البطولة في أواخر عام 2019 عندما تم منحه جائزة نوبل للسلام، ثم اتضح أن آبي أحمد هذا من الصنف الذي يتَمسْكن حتى يتمكّن، فما إن أحس بأنه وطد دعامات حكمه حتى ركبه الغرور وطفق يبطش بالخصوم، واستهدف على نحو خاص جبهة تحرير تغراي (تي بي إل إف)، وكانت جريرة الأخيرة أنها رفضت الذوبان في حزب “الازدهار الجديد” الذي أراد به أحمد تكوين كتلة جماهيرية صلبة تؤيد حكمه، وحاق غضبه بجبهة تغراي أيضا، عندما أفتت بأنه فقد الشرعية لأنه قام بتأجيل الانتخابات العامة مرتين، وخلال شهر أغطس الماضي جاء الدور على قومية الأمهرا، وما زالت قوات بطل السلام الإثيوبي العالمي تدك إقليم الأمهرا.
وأونغ سان سو تشي زعيمة الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار منذ عام 1988، وهو منصب آل أليها بالوراثة من أبيها، وظلت تناهض الحكم العسكري في بلادها، وفازت بذلك بجائزة نوبل للسلام لعام 1991، ثم انتقلت من المعارضة إلى الحكم، فتولت رئاسة الحكومة في بلادها بالشراكة مع العسكر في عام 2016، وما إن بدأت عمليات إبادة وتشريد مسلمي الروهينغا، حتى أصيبت بطلة السلام هذه بالصمم والبكامة، ثم نطقت، ولكن لتبرير تلك العمليات أو التقليل من شأنها وآثارها، ولحث وسائل الإعلام على “عدم تهويل الموضوع”.
وشن شيمون بيريز عندما كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية عملية عناقيد الغضب (1996) مستهدفا مركز قوات فيجي الدولية في لبنان، فهلك أكثر من مائة لبناني خلال دقائق، واستمرت العملية 16 يوما، واضطر نصف مليون لبناني إلى النزوح عن قراهم، وقبلها -وتحديدا في أواخر أربعينات القرن الماضي- كان بيريز قائد مليشيا ارتكبت أبشع ألوان التطهير العرقي لإرغام الفلسطينيين على النزوح والهرب إلى دول الجوار، وبيريز هذا وفي مضابط لجنة نوبل بطل للسلام.
وهناك الزعيم الروحي للبوذيين “الدالاي لاما” الذي فاز بجائزة نوبل للسلام، واتضح أنه ظل يتقاضى راتبا شهريا ضخما من المخابرات المركزية الأمريكية، ولعل ذلك ما منعه من إدانة الحروب التي أشعلتها واشنطن في أفغانستان والعراق، بل كانت حبال الود تربطه بغلاة اليمين في بريطانيا والولايات المتحدة، وعلاقته الوطيدة بسفاح تشيلي الراحل أوغستو بينوشيه معلومة ومكشوفة (وللتغطية على هذا يزعم أنه ماركسي الهوى)، ولكن طالما هو يمارس التشنيع بحق الصين فهو “بطل سلام”.
ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أيضا بطل للسلام بمعايير “نوبل”، وهو الذي نقل الحرب من جنوب فيتنام إلى شمالها، ومن أوصى بقصف هانوي عاصمة فيتنام الشمالي، وهو مهندس الانقلاب الدموي على الحكومة المنتخبة في تشيلي عام 1973. وفي عام 2012 فاز الاتحاد الأوربي “مجتمِعاً” بجائزة نوبل للسلام رغم أنه “مجتمِعاً” أكبر من يغذي حروب العالم بالسلاح.
والشواهد كثيرة على أن جائزة نوبل للسلام “أي كلام”، كما يقول العوام عن الشيء الفارغ من المحتوى والمخيب للآمال.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق