لماذا يتمنى الغرب سقوط أردوغان؟.. هل هو العداء للإسلام؟!

بواسطة | مايو 21, 2023

بواسطة | مايو 21, 2023

لماذا يتمنى الغرب سقوط أردوغان؟.. هل هو العداء للإسلام؟!

إبان حملته الانتخابية في عام 2012، دعا عمرو موسى عددا من الكتاب والمثقفين، من مؤيديه رئيسا لمصر، للقاء في مقر الحملة، وقد كنت أحد الذين وجهت لهم الدعوة؛ ولم يكن غائبا عن أذهان الحاضرين التحدي الذي يمثله الغرب، أمام أي مشروع من شأنه النهوض بالبلاد!.
لذلك، بعد أن ألقى المرشح الرئاسي الخطوط العريضة لبرنامجه، سأل أحد الحاضرين، إن كان عمرو موسى يضع في اعتباره أن الغرب قد يكون حائلا دون أن تشهد مصر نهضة كبيرة؛ فبدا موسى واعيا لهذا التحدي، بأن ذكر أن أربع سنوات، هي عمر ولايته، لن تحدث فيهم طفرة كبيرة تستلفت الانتباه، لكنه فقط سيكون قد وضع البلاد على الطريق الصحيح، وأن من يأتي بعده سيكمل المسيرة، وفق التجربة التركية التي لم يعوِّقها الغرب، وقد يكون فوجئ بنجاحها. وكان في دعايته يقول إنه لن يترشح لدورة أخرى!.
والمعنى أن أي مشروع للنهوض في المنطقة لن يُسمح له بالمرور المريح، إلا بقدرة أصحابه على المجابهة؛ ومن هنا يمكن فهم حالة العداء الغربي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الآن، بشكل جعل إعلامهم يهدر رصانته، وهو يتدافع في معركة إسقاط أردوغان!.

لم يكن رجب طيب أردوغان يستخدم التقية، فينكر هويته الإسلامية من باب إدخال الغش والتدليس على الغرب حتى يتمكن فيعلنها بعد ذلك؛ بل كان معروفا عنه منذ نعومة أظفاره أنه ابن المشروع الإسلامي بطبعته التركية الواعية بالتحديات

دعك من القول إنه ديكتاتور، فالغرب الذي يسبغ حمايته على الاستبداد في المنطقة، لا يمكنه أن يضحك على الذقون، بتصويره أن معركته مع أردوغان سببها أنه حاكم مستبد، وقد فشل في البرهنة على هذا الاستبداد، والعالم يشاهد انتخابات تنافسية حرة، مسموحا فيها بالتطاول على الرئيس شخصيا!.
ودعك -كذلك- من المبرر المريح بأن الغرب يعادي الإسلام، ولكل من يتبنى المشروع الإسلامي؛ وهو اتجاه يريد أصحابه أن يريحوا عقولهم، بجعل أي صيحة تستهدفهم إنما هي بسبب العداء للإسلام، وهو أمر لم تسلم منه الأنظمة العربية، فصار الصراع على السلطة، والحرص على الانفراد بها، عداء من عبد الناصر للإسلام في معركته مع الإخوان المسلمين؛ إذاً، لماذا كان يزج بالشيوعيين في السجون في الوقت نفسه؟!.
التجربة الديمقراطية في تركيا، والتي أوصلت حزب العدالة والتنمية للسلطة، مدينة في جانب منها للغرب، فالذين ألغوا الخلافة في البداية كانوا يطمعون في الالتحاق بركب الغرب، ولو من باب التبعية؛ فكانت إقامة المؤسسات المدنية، وكان الحرص على الانتخابات النزيهة، وذلك من باب الاتصال بالغرب ونظامه؛ ولم تحكم المؤسسة العسكرية بشكل مباشر، وإن قامت بأكثر من انقلاب لم يمهد لحكمها وإنما لانتخابات نزيهة جديدة، ولا مانع من الانقلاب عليها بعد ذلك!.
ولم يكن رجب طيب أردوغان يستخدم التقية، فينكر هويته الإسلامية من باب إدخال الغش والتدليس على الغرب حتى يتمكن فيعلنها بعد ذلك؛ بل كان معروفا عنه منذ نعومة أظفاره أنه ابن المشروع الإسلامي بطبعته التركية الواعية بالتحديات، وفي فترة لم يكن فيها عداء غربي له، بل كان يؤكد على استمرار الدولة التركية الوظيفية. والإسلام الحضاري الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية، لم يرَه الغرب معاديا، وقد استفاد المشروع من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ وجد عقلاء في الإدارة الأمريكية، يرون أنه لابد من هندسة الحالة بدلا من الصدام معها، لأن الصدام ينتج حركات أكثر تشددا، ومشروعا أكثر عداء!.
وقد كانت هذه الأحداث سببا في ضغوط مورست من جانب الرئيس الأمريكي بوش الابن على نظام مبارك، لاسيما وأن استبداد النظام كان سببا في هجرة متشددين من بطشه إلى أفغانستان وغيرها، وهؤلاء شاركوا في التهديدات التي تعرضت لها واشنطن. وارتخت القبضة الأمنية نسبيا في مواجهتها للتيارات الدينية المعتدلة، وصدرت صحف جديدة مثل (المصري اليوم) و(نهضة مصر) وغيرهما، وهو الباب الذي كان قد أغلق لسنوات طويلة؛ كما تم السماح بأحزاب جديدة أيضا مثل (الغد) و(الجبهة الوطنية)؛ وتم تعديل الدستور، ليسمح بانتخابات تعددية؛ وبدأ الحراك السياسي، الذي حاول النظام قمعه وتقييده، لكن السيارة كانت قد شقت طريقها!.

عندما تمكن أردوغان، لم تشغله عضوية الاتحاد الأوروبي؛ لكن، ولكونه من البنائين الكبار في هذا الزمان، ذهب يبنى تركيا الحديثة والقوية، فاهتم بنهضتها، وهنا وقع في المحظور الغربي!

وكانت الجماعة الإسلامية قد أوقفت العمل المسلح، وقدمت مراجعات، من جانب واحد، ولم يكترث بها النظام، فلما وجد نفسه مدانا لدى الإدارة الأمريكية بسبب وجود شخصيات مصرية في تورا بورا مثل أيمن الظواهري ومصطفى أبو اليزيد، وكلاهما ترك مصر بسبب القمع والتنكيل، التفت النظام للمبادرة واعتمدها، ليقول للأمريكيين إن المتشددين لديه قد تركوا العنف، وتراجعوا عنه!.
لقد استمرت الدولة التركية، في بداية عهد العدالة والتنمية تؤدي دورها الوظيفي، ولم يكن لدى الغرب أزمة في أن يستمر هذا الدور بوساطة من يمثلون المشروع الإسلامي، وكان دورها في حلف الناتو مكملا للرسالة، فمن غزو العراق إلى احتلال أفغانستان، ومن بغداد، إلى كابل كان من بين أصحاب التوجه الإسلامي من يمثلون الدوائر القريبة من المستعمر!.
وقد كانت آمال الأتراك معلقة في قبول بلادهم عضوا في الاتحاد الأوروبي، وشروط العضوية كانت تدعو لابتعاد الجيش عن الحكم، والتعامل مع الحكومة التي اختارها الشعب، الأمر الذي مكن أردوغان من الإسراع في تهميش دور المؤسسة العسكرية في السياسة، لاستكمال متطلبات الالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وسافر ليعرض عضوية بلاده ويبين استيفائها للشروط المطلوبة، وهو يقول إنه يفعل هذا نزولا عند رغبة الشعب، وَإِن كان متيقنا أن تركيا لن تُقبل أبدا فيه!.
وعندما تمكن أردوغان، لم تشغله عضوية الاتحاد الأوروبي؛ لكن، ولكونه من البنائين الكبار في هذا الزمان، ذهب يبنى تركيا الحديثة والقوية، فاهتم بنهضتها، وهنا وقع في المحظور الغربي!. فالغرب لا يمانع في مشروع إسلامي تابع، يقوم بدور وظيفي في تحقيق أطماعه ومخططاته، لكنه ضد مشروعات الاستقلال والندية، لاسيما إذا كان هذا المشروع ينتمي لعقيدة الناس، ويذكر بمصدر قوة هذه الأمة!.

مثَّل افتتاح “آيا صوفيا” كمسجد، عنوانا من عناوين الاستقلال الوطني، وهو القرار الذي فاق أكثر أحلام الأتراك جنونا، لدرجة أن أردوغان نفسه سخر ممن طالبوه بذلك في فترة سابقة، فمن يستطيع تحدي الغرب كله بمثل هذا القرار؟!.

لقد انتقل أردوغان من التبعية إلى الاستقلال، مستلهما تاريخ بلاده، وذهب مستقلا في القرار الوطني، إذ إنه ليس خادم بلاط في البيت الأبيض، فهو يقيم علاقة قوية مع الروس، الذين كشفوا له المخطط الغربي في الانقلاب عليه من خلال المحاولة الفاشلة إياها، ثم إنه أصبح يحكم بلدا له نفوذه القوي من ليبيا إلى أذربيجان، ويتحكم في عضوية حلف الناتو بموقف مستقل، فهو من يقرر رفض عضوية فنلندا رغم الضغوط الغربية، وهو من يقبلها بعد أن انصاعت لشروطه!.
ثم ذهب بعيدا في طريق نهضة تركيا، بإقامة الصناعات الثقيلة، والصناعات العسكرية؛ وبعدها مثَّل افتتاح “آيا صوفيا” كمسجد، عنوانا من عناوين الاستقلال الوطني، وهو القرار الذي فاق أكثر أحلام الأتراك جنونا، لدرجة أن أردوغان نفسه سخر ممن طالبوه بذلك في فترة سابقة، فمن يستطيع تحدي الغرب كله بمثل هذا القرار؟!. لكنه عندما حان الوقت الذي رآه مناسباً فعل، رغم حدة الموقف الغربي واستنفاره ضده!.
عندما دخل أردوغان على خط الاستقلال، وبدأت بشائر ذلك تهل، جاء تواطؤ الغرب مع محاولة فاشلة للانقلاب العسكري، وظل القادة الغربيون ساعات طويلة يقولون إنهم ينظرون للموقف من كثب، مع أن الوفاء للمبادئ يلزم برفض الانقلاب في الدقيقة الأولى دون انتظار لشيء. وإن ملف محاولة الانقلاب هذه لم يفتح بشكل كامل، للوقوف على الأدوار الغربية فيه، فهو من المسكوت عنه!.
وإذ فشلت المحاولة، فقد تنادوا في حالة استنفار أخرى لإسقاطه بالانتخابات، عندما وضع السفير الأمريكي في أنقرة تصوراته للمصير داخل أحزاب المعارضة بالوقوف مع كمال كليجدار، الذي سيعيد تركيا سيرتها الأولى؛ تابعة للغرب، ودولة وظيفية تحقق أهدافه ومخططاته!.
إنه الاحتشاد ضد فكرة الاستقلال!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...