لماذا يخجل الإسلاميون من طلب السلطة؟!

بواسطة | يناير 21, 2024

بواسطة | يناير 21, 2024

لماذا يخجل الإسلاميون من طلب السلطة؟!

يتفحص هذا التحليل السياسي الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب، ويسلط الضوء على الصراع المحتمل بين المقاومة والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس. يتناول المقال تفاصيل الديناميات السياسية والتحديات التي قد تطرأ في ظل هذا السياق.

من أولى بحكم غزة بعد أن تُلقي الحرب أوزارها؛ المقاومة أم محمود عباس؟!

بحسب المعايير المعتمدة إقليمياً وخارجياً، فإن المقاومة هي صاحبة الحق في ذلك، فالذين قاموا بالثورات على مر التاريخ حكموا، والذين قادوا معارك التحرر الوطني هم من آل إليهم الحكم، ولم يسلموه “بيضة مقشرة” لغيرهم، ومن فرطوا في هذه البديهية دُهسوا بالنعال!
والطريق الأكثر مثالية، أن تكون هذه المرحلة انتقالية، كلما قصرت كان خيراً وبركة، ثم يتم الاحتكام للإرادة الشعبية، فيعود الجيش لثكناته، ويخوض من يريد من المقاومين الانتخابات ليقرر الشعب (صاحب السيادة) من يحكمه، والأصل أن هذه هي الغاية من طلب الاستقلال ومعارك التحرر الوطني!

اللافت أن البيت الأبيض وحلفاءه الإقليميين يستبعدون أهل غزة تماماً عند الحديث عن القادم بعد انتهاء الحرب، فهم يتحدثون عن ضرورة تسليم الأمر (بالتعيين) للسلطة الفلسطينية، على نحوٍ أسال لعاب محمود عباس (أبو مازن) ورجاله، وكأن الخائبة عملت للغائبة، وأن المقاومة قادت الانتصار على العدو الإسرائيلي، ودفع الشعب من لحمه الحي ثمن العدوان، ليحكم محمود عباس وجهازه الأمني، الذي يعد شرطة إسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة!

لا يجد محمود عباس وجماعته حرجاً في إبداء لهفته على تسلُّم السلطة قادماً إليها على ظهر دبابة أمريكية، ولا يجد من يلومه على ذلك، وكأن هذا من اختصاصه الوظيفي لأعمال السمسرة والحكم، وكأن السلطة “مقاولة” لا جناح عليه إن رست عليه بالأمر المباشر، أو عمل مقاولاً من الباطن!

وبأي معيار للحكم، فإنه لا يحل له ذلك، وقد فازت حماس بالأغلبية في آخر انتخابات، وعمل هو وفتح على إفشالها بعدم المشاركة في السلطة، ورفض كل التنازلات التي قُدِّمت له للعودة والمصالحة، ليحمي ظهر سكان غزة. وجاءت مع ذلك جريمة الغرب – وعلى الرأس منه الولايات المتحدة الأمريكية- في رفضه اختيار الشعب، ثم يأتي هذا الغرب ليعطينا دروساً في الديمقراطية! بينما سياسته تؤكد أنه يعتبر شعوبه وحدها هي صاحبة الإرادة، أما الشعوب في العالم العربي فليس لها أن تختار، وإن اختارت على غير “الهوى الأمريكي والغربي“، دفعت ثمن اختيارها، على النحو الذي شاهدناه في غزة!

الذي يغري محمود عباس وجماعته في التمدد، هو هذا الحرج المستند للتاريخ الإسلامي والتراث من أن المسلم ليس طالب سلطة، ولا يسعى إليها، حتى صار هذا ديناً.. ولهذا، عندما تسرب أن حماس رفضت وثيقة القاهرة لشرط إقصائها عن السلطة بعد وقف الحرب، اندفع البعض يتحدثون عن خبث من سربوا هذه الأخبار لأن الرواية تقدم المقاومة على أنها تطلب السلطة. والسؤال هنا: وماذا في ذلك؟ فمن الخيانة لدماء الشهداء أن تسلم المقاومة ذقنها للسلطة الفلسطينية، لتتولى قمعها وحماية أمن إسرائيل، كما تفعل في المنطقة الجغرافية التي تتولى سلطة وهمية عليها!

ليس مؤكداً أن ما تم تسريبه صحيحاً، وعدم صحته تعزز من تصور التشويه، وهو ما عبر عنه محبو المقاومة بأنه محاولة للتشويه والتشهير بها، فعلت أصواتهم تطلب النفي من جانب المقاومة حتى لا تلحق الإساءة بها، وهي تبدو أنها حريصة على الحكم!

الاستبداد هو المسؤول عن شيوع هذه النظرة، وهو المرتبط بالتاريخ الإسلامي، وعندما جاء الاستبداد العسكري والمدني بعد زمن الخلافة، وجد المسلم نفسه محصَّناً بتراث يأمن به من مكر الحكام، وهو الزهد في الحكم، الذي لا يكتمل إيمان المؤمن إلا به!

عشنا زماناً كان المقرر في خطاب الحركة الإسلامية عبارة “نحن لا نريد أن نَحكم بما أنزل الله، لكن نريد أن نُحكم بما أنزل الله”، ولأن المياه تكذب الغطّاس (بمعنى مدعي القدرة على الغطس) تبيَّن عندما لاحت الفرصة أن بداخلهم رغبة دفينة في السلطة، كانت الديكتاتوريات تحول دون إعلانها، وأن الهدف ليس مجرد الحكم بما أنزل الله، وإلا فأين قوانين الشريعة التي رفضت الحركة مطلب حكم السادات بالتدرج في تطبيقها، باعتبار “فقد اكتمل الإسلام يا أخي ولا معنى للتدرج”؟! هل طبق الإخوان الشريعة في مصر؟ وهل حكمت النهضة في تونس بما أنزل الله؟ وإذا كانت التحديات حالت دون ذلك، فلماذا كانت المنافسة على الحكم؟ إذن، هي الحرب والرأي والمكيدة، ولا بأس!

البأس الشديد أن التراث القديم استُخدم عند اختيار المرشح الأصيل والمرشح الاحتياطي، فكلٌّ من المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمد مرسي لم يتقدم للترشيح للرئاسة، والقوم هم من اختاروهم بدون ترشيح، لكن تم التخلي عن هذا التراث عند الاختيار بين الدكتور سعد الكتاتني والدكتور عصام العريان على رئاسة حزب الجماعة! وهذا الاختيار من بين غير المرشحين – وبعيداً عن فكرة التصويت الموجه- قد يكون اختياراً لمن لا يفكر في الأمر، وبالتالي لم يعدّ لذلك العدة النفسية؛ والرغبة في شيء تدفع المرء أن يضع تصوراً للتحديات ومواجهتها!

التراث الديني الذي يعزز من فكرة عدم طلب الولاية استخدم في القياس، لعدم الاستجابة لمن لديه رغبة في موقع ما، أو وظيفة؛ فليس فقط طالب الولاية لا يولَّها، بل إن ذلك يشمل أيضاً طالب منصب المحافظ، ورئاسة التحرير لصحيفة، وعضوية البرلمان، والوزير في الحكومة.
وبغلاف من الزهد، لم يطلب المرشد العام للإخوان بعد ثورة 1952 “الشراكة في الحكم”، بعد أن كان شريكاً في الانقلاب، وتبع ذلك ما كان من آثار، أخصها عدم عودة الحياة النيابية حتى لا يعود الوفد، وعدم عودة التعددية الحزبية لأن الوفد هو حزب الأغلبية! وكانت النتيجة أن انفرد الضباط بالحكم، وتم التنكيل بالإخوان، ووجد الأنصار في ما فعل المرشد دليلا على الدعوة للزهد في السلطة وعدم الرغبة في الحكم.. أي جريمة في الرغبة فيه؟

والمشكلة أن تراث الاستبداد منع هذه الحركة من أن تربي كوادر يصلحون للمهمة إذا جاءت الفرصة، أو أن تعتمد في مقرراتها التثقيف السياسي؛ ومن كان له وصل بالسياسة مثل العريان، والبلتاجي، فإنما جاءه ذلك من مهارات شخصية لم تجد رعاية، ولم تؤهل أصحابها للمواقع اللائقة بها عندما سنحت الفرصة، لأن تقييم الأداء في يد رجال الدعوة والتنظيم وليس في يد رجال السياسة، فكانت الاستعانة بالمتفوقين علمياً في المراحل الدراسية بشكل مكّنهم من دخول كليات القمة، بحسب مكتب التنسيق!
والحرج ليس في تأكيد المقاومة أهليتها للحكم، ولكن في أن يدفعها الحرج حد أن يفرض البيت الأبيض محمود عباس وزبانيته، فلا يسمع منها رفضاً مزلزلاً خوفاً من الاتهام لها بالرغبة في الحكم.
الإسلام لم يمنع من طلب الحكم مع الأهلية، وقد قال يوسف عليه السلام {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}.. فلنتوقف عن الورع الكاذب!

1 تعليق

  1. محمد السهيمي

    شكرا جزيل ع التوضيح دكتور سليم
    افصحت واوضحت

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...