لماذا ينبغي علينا مقاطعة “فيس بوك”؟!

بواسطة | نوفمبر 5, 2023

بواسطة | نوفمبر 5, 2023

لماذا ينبغي علينا مقاطعة “فيس بوك”؟!

لا يستقيم حديثك عن المقاطعة وأنت مدمن لـ “فيس بوك”، في حين أنك في وضعك الذي تتعالى فيه على الخلائق غير المقاطعين، قد لا تكون ممن يتعاطون مشروبات “ستاربكس”، أو من زبائن “ماكدونالدز” إلا في “المواسم” و”الأعياد”.
فالمقاطعة التي بدأت بماكدونالدز، ثم شملت منتجات أخرى، كانت بعد قيام هذا المطعم، فرع تل أبيب، بالتبرع بوجبات للجيش الإسرائيلي، الذي يقتل أهلنا في غزة، وقد نجحت المقاطعة بشكل مذهل، حتى إن أطفالا كانوا على رأس المقاطعين.. فماذا عن مارك، صاحب “فيس بوك”، والذي هو صهيوني أكثر من نتنياهو، وملكي أكثر من الملك؟. إنه لا يجرم السياق فقط، ولكنه يمنع استخدام أسماء أشخاص أو منظمات، حتى لو في سياق خبر تنشره وكالات الأنباء والفضائيات، بل والإعلام الإسرائيلي ذاته، والذي يباح له استخدام مفردات مثل القسام، وحماس، وغزة، وإسماعيل هنية، وخالد مشعل، بينما المذكور يحرم على العرب استخدامها.. فهل يعقل لو أن هنية ألقى بيانا، أو حماس أطلقت صاروخا، أو المقاومة أعلنت شيئاً، أن يتم التحايل لتجنب ذكر أسماء، بوضع فواصل ترهق الكاتب والقارئ، دون التميز بين الخبر والرأي، وبين التأييد والتحريض؟!
قبل أيام أعلن الناطق باسم جماعة الحوثي عن إطلاق صواريخ، فكتبتها “الهوثي”، وقد تذكرت عندما كنا صغارا في بداية اتصالنا باللغة الإنجليزية، وقد ظن اثنان من زملائنا ونحن في المرحلة الابتدائية، أن تحريف النطق هو اللغة، فنادى أحدهما الآخر، “هسني”، ليرد عليه حسني نداء بنداء “مهمود”، وكأنما يسحبان الهاء من الخلايا الجزعية، ليصبح حديث “حسني” و”محمود” من النوادر بعد ذلك؛ لكن أمام تعنت مارك وتعسفه، كان لا بد من اللجوء إلى هذه النادرة لتمرير منشور على فيس بوك!
وأمام بيان آخر لهذا الناطق نسيت وكتبت عبارة من كلمتين “نطق الحوثي”، فإذا بإدارة “فيس بوك” تقرر خروجي على المعايير، لكتابتي اسم جماعة مصنفة لديهم بأنها “خطرة”، واستخدمت ضدي مجموعة من العقوبات، بعد أن كنت منذ بداية الأحداث أحتاط لهذا التعسف، فلا أذكر إسرائيل وإنما أكتب “الكيان”، ولا أذكر غزة ولكن “القطاع”، ولا أقول “القسام” ولكن “جماعتنا”، وصار المتحدث باسم كتائب القسام هو “الملثم” لتمرير منشور يتحدث عنه أو ينقل كلاما له، ولو بالإعلان عن أنه على الشاشة الآن، فالتجريم يشمل اسمه وصفته!
وفي الحقيقة، فإن لديّ سوابق في التعامل مع مارك، الذي بدأ تعسفه يغري البعض بالتفتيش في الدفاتر القديمة، وتقديم بلاغات كتبتها حديثا وأخرى منذ عدوان سنة 2009 على غزة، ومع كل بلاغ يتحرك لتغليظ العقوبة، فمن منع النشر لساعات، ثم لأيام، ولشهر، كان قراره بإغلاق الحساب تماما.
ومع العقوبات الأولية كان يذكر لي السبب، ويضع لي التغريدة، لكنه بإغلاق الحساب، لم يذكر إلا كلاما عاما عن مخالفتي لمعايير مجتمعه، لتكون خسارتي ليس في ضياع قرابة المئتي ألف شخص ما بين متابع وصديق، ولكن في إهدار أرشيفي عن مواقف وأحداث معينة ومهمة!. كنت مع الإغلاق المؤقت قد تحسبت للأمر وأنشأت صفحة أخرى، وسمحت لها بالنشر على الصفحة العامة، وكان عليها قرابة الثمانين ألف متابع، وقد استمرت الصفحة العامة تعمل لعدة شهور بعد قيامه بإغلاق الصفحة الشخصية، ثم أغلقها بدون مبرر وبدون سابق إنذار!
وقد بدأ قبل إغلاق الصفحة الشخصية، في إلغاء التغريدة بمجرد الضغط على زر النشر، لأنها تحتوي على أسماء لقوى فلسطينية، أو أسماء لقيادات، وقد فسر بعض فلاسفة العرب ذلك بأن الحذف يتم آلياً لمجرد ورود هذه الأسماء، ولم يكن هذا صحيحا، فالتغريدة ذاتها كنت أضعها على الصفحة الجديدة، وتستمر بدون حذف أو إجراء، الأمر الذي يعني أننا أمام تتبع لصفحات تضم عددا كبيرا من المتابعين، وأن من يقوم بالمهمة هو المكتب الإقليمي لـ “فيس بوك”.
وإن نسيت فلن أنسى أن منشورا قديما، هو مجرد عزاء لخالد مشعل في وفاة والدته، تم اعتباره مخالفة لمعايير مجتمع “فيس بوك”، ليقودنا هذا إلى نقطة مهمة، تجعلنا على يقين أننا لا نحقق الانتشار المطلوب لأفكارنا ولمواقفنا بهذا النشر؛ فهناك قيود على المتابعين، لئلا يزيدوا عن عدد معين بالنسبة لأصحاب المواقف السياسية التي لا تُرضي مارك ومجتمعه الذي صنعه على عينه، بل إن المنشورات لا تصل إلى كل المتابعين، ولا حتى نسبة معقولة منهم، فمن بين 40 ألف شخص ما بين صديق ومتابع، يتراوح عدد من يصلهم المنشور بين 800 إلى 3000 فقط، فصرنا بالتالي أمام دائرة مغلقة وحدود لا نتعداها، لتسقط نظرية الانتشار الواسع وبلا قيود عبر الإعلام الجديد!
لقد تعامل مارك معنا بسياسة “تجار الكيف”، في الأفلام المصرية القديمة، عندما يستهدفون أحدا بعينه فيوفرون له الجرعات المطلوبة، وكأنهم رسل “المزاج العالي”، حتى إذا أدمن الضحية، ظهر الوجه القبيح لهم بحرمانه، ومضاعفة السعر له، ووضع شروطهم، فلا يكون أمامه سوى الرضوخ لهم، وهذا ما فعله معنا مارك!
لقد أغرانا حتى اندفعنا في اتجاه الكتابة والاهتمام بالمتابعين والأصدقاء، في هذا الفضاء اللامتناهي، ثم ظهر بقيوده وعراقيله وقواعد مجتمعه، باعتباره صهيونيا عتيلا، وإن كنا لا ننكر أن الحد من الانتشار صار سياسة، وإن كانت دول بعينها قد عرضت عليه شراء المنصة مقابل مليارات الدولارات، لكي تسيطر على فضاء الرأي فيها، وقد نشر أنه رفض هذه الصفقات، فهل يعني ذلك أنه قبض الثمن مقابل هذه القيود مع احتفاظه بالملكية؟!
إن بعض المجتمعات العربية لا تتعامل مع “فيس بوك”، لكن هناك مجتمعات أخرى لا تجيد التعامل مع غيره، وذلك لشعوبية منصة مارك، وحيث يبدو “تويتر” أو “إكس” فضاء للنخبة، قبل أن يعرف الذباب الإلكتروني الطريق إليه، ثم إن فيس بوك لشعوبيته، يتحمل اللت والفت والمعلقات، فلا يشترط عددا من الكلمات مثل “تويتر”، فضلا عن أنه سهل الاستخدام، والأفضل للدردشة، فصار منصة نشر، ومنصة تعارف، ومن خلاله نعثر على أصدقاء قدامى، كما هو الحال بالنسبة لنا في مصر!
وما إن صار “فيس بوك” يبدو أنه لا غنى عنه، حتى ظهرت ميول مارك الصهيونية، التي لم تكن ظاهرة قبل الربيع العربي، لأنه كان يربي “زبونا”، ويصنع قاعدته العريضة، ثم إذا به صهيوني عتيق. وقد يكون مناسبا أن يضع قواعد موضوعية للنشر، بما يسمح به قانون النشر في أي دولة يختارها، لكن تجريم الأسماء والحركات مما يجعل الاستمرار في التعامل معه، يمثل دافعا له للتمادي في غيِّه وأن يجهر بالمعصية!
وإذا كنا قد دعونا إلى مقاطعة منتجات بعينها لمساندتها لإسرائيل، فأوَّب معنا شباب صغار، بل وأطفال، فليس أقل من الإقلاع عن إدمان فيس بوك، حتى لا نمكِّنه من التعامل معنا باعتباره “تاجر كيف” وأننا مدمنو مخدرات وقعنا في قبضته، وحتى تكون المقاطعة درسا له، وتأديبا له لسوء أدبه معنا، ولإعادة تربيته من جديد.
لن تنالوا الشرف حتى تقلعوا عمّا تحبون!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...