لن ينتصر العرب على إسرائيل بدون سلاحها السحري!

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

بواسطة | ديسمبر 29, 2023

لن ينتصر العرب على إسرائيل بدون سلاحها السحري!

تعيش قطاع غزة في حرب طويلة، وخلال هذه الفترة، نقف على الجانب الآخر للنظر إلى الصهاينة ورؤية كيف يروِّجون لقضيتهم. في هذا السياق، أقمت متابعة لمنصات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية لفهم رؤيتهم وكيف يسعون للتأثير على الرأي العام العربي.

وسائل التواصل والدعاية

خلال يوميات وأسابيع الحرب الطويلة والمستمرة على قطاع غزة وأهله، وفي ظل فُرجة عربية صامتة باستثناء تظاهرات هنا أوضجيج هناك، كان من الطبيعي معرفة رؤية الجانب الآخر “الصهيوني” للحرب والأحداث.. بماذا يفكر؟ ما هي رسالته؟ كيف يحاول استمالة الرأي العام العربي إلى جانبه، أو على أقل تقدير يجعله محايداً؟.

من هنا  بدأتُ أتابع منصات إسرائيل الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعها حسابات لصحفيين ومسؤولين صهاينة، ربما لا يفوقهم صهيونية سوى النوع العربي الذي – بتوجيه أحياناً، وجهد عصامي أحياناً أخرى- صار  طابوراً خامساً لإسرائيل بين بني العرب؛ ينشر بينهم كل الأفكار التي تتخذها الآلة الإعلامية لـ “أولاد عمومتهم” وسيلة لإحباط العقلية العربية تحت لافتة التفوق العسكري والعلمي والثقافي الإسرائيلي؛ والهدف أن يشعر المواطن العربي بالعجز وقلة الحيلة، والضآلة أمام دولة مشرقة وقوية في الشرق الأوسط اسمها إسرائيل، وعاصمتها أورشليم القدس!

حسابات إسرائيل وتوابعها على المنصات الرقمية، ذكّرتني بحسابات الأنظمة الاستبدادية وما تحمله من سذاجة وسطحية في طرق استمالة المؤيدين، عبر نشر الأكاذيب وتخوين المُعارضين، والمبالغة في إنجازات العصر الزاهر، وتحقير كل ما تم في العصر البائد.

تناقضات الصهيونية وصهاينة العرب

لكن..

هل كل ما تنشره الحسابات الإسرائيلية هو خطأ، وليس فيه أية معلومة صحيحة؟.. الإجابة: “لا”.

لقد لفت انتباهي مقطع فيديو على حساب إسرائيل الرسمي بموقع “إكس” يتحدث فيه أحدهم، ولا أعلم حقيقة هويته إن كان من “صهاينة العرب” المنتشرين حالياً بين ظهرانينا، أم أنه من عرب إسرائيل، أم فلسطيني الداخل وفق التسمية الصواب، وهم – لتعريف أجيالنا الجديدة بالأمر- الفلسطينيون الذين بقوا داخل حدود الكيان الإسرائيلي بعد قرار التقسيم العام 1948، ويحملون جنسية الدولة اللقيطة.

يتحدث المذكور في الفيديو عن أن الأنظمة العربية تستفيد من وجود إسرائيل، إذ تجعلها وسيلة تنفيس عن شعوبها المقهورة، والتي لا يستطيع المواطن فيها انتقاد حكومته، فلا يجد أمامه من يصب عليه جام غضبه سوى إسرائيل.

حقوق المواطن العربي

كاذب من يقول إن كلام هذا الرجل “كذب”، الحقيقة أنه صدَقَ القول، إن المتاح لـ “المواطن عربي” دون مساءلة، والهامش المباح أن يفعل فيه ما بدا له بلا حساب، هو حقوق “الحيوان”: الأكل.. والتناسل! هذا إذا كان يعيش في بلد بلا أزمات، بينما من قاده حظه العاثر أو دعت عليه أمه أن يكون من مواطني إحدى دول “عشانا عليك يارب”، فإن حق التناسل محدود، وإلا فستلاحقه تهمة عرقلة مسيرة التنمية، والضغط عبر توابعه من أطفال وصبية على المنشآت الصحية والتعليمية، فضلاً عن زحام الشوارع، وسلالم المساكن.

أما إذا أراد هذا المواطن أن يكون “إنساناً” يتكلم بما لا يعجبه في الشأن العام، أو يُجرّب مرة أن ينطق الكلمة العزيزة والغالية غير المستخدمة في القاموس العربي “لا”، فإنه لن يجد أمامه سوى أن يقول “لا.. لإسرائيل”، ثم يسب ويلعن سنسفيل جدود نتنياهو، وهو ضامن أنه سيعود إلى بيته آمناً مطمئناً.

إسرائيل والاستبداد

إذن..

وجود إسرائيل هو طوق نجاة بالفعل لكثير من أنظمة الاستبداد، فتَحْتَ وهْم مواجهتها أو إعداد العُدة تحسباً لمحاولة غدر منها، يتم تأجيل الحديث عن أي إصلاح حقيقي، ونسف أية فكرة تُغيِّر الجمود العام، ومنع ضخ دماء جديدة في شرايين أهل المسؤولية.

في الستينيات، رفع العرب الشعار الكلاسيكي الكوميدي”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.. فلا تنمية، ولا ميزانية للعلم، ولا تطوير للمؤسسات؛ إن الحرب قد تندلع فجأة، لذا فإن كل المال مخصص للسلاح، وكل الجهد للحرب المرتقبة.

الخلاصة كانت أنَّ كل شيء مؤجل، وأيُّ تقدُّم مُعطَّل انتظاراً للمعركة التي لا صوت يعلو فوق صوتها.. وحينما حانت لحظة النزال، وأتى يوم الامتحان الذي يُكرم فيه المرء أو يُهان، كانت الفضيحة بجلاجل، والمهانة بالكوم، والعار من شعر الرأس المُنكّس إلى أخمص القدمين اللتين لا تقويان على الوقوف.. هُزم العرب! وفي أيام معدودات ضاعت القدس والضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان؛ ولأننا أمّة لطيفة ثرية اللغة، فقد تحولت “الهزيمة” بقدرة قادر وصارت “نكسة”!.

وجود إسرائيل ليس مهماً لأنظمة الحُكم فقط، بل إنه مهم كذلك للقنوات الفضائية العربية.. الأنظمة كما أسلفنا تؤجل أي شيء تحسباً للمواجهة التي لا تأتي أبداً، بينما الفضائيات كما نرى تمارس حريتها في النقل والتغطية بأريحية كبيرة من قلب إسرائيل نفسها، وهذا بكل تأكيد غير متاح لها في غالبية أمتنا الواحد ذات القمعية الخالدة.

هل إسرائيل ديمقراطية بين مواطنيها، وهل هي دولة قانون؟

للإجابة عن السؤال، لنَرَ ما فعلته مع الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة “1948”.. في عام 2007 وقف الشيخ رائد يخطب ويحث على الدفاع عن المسجد الأقصى بكل الوسائل، فلاحقه القضاء الإسرائيلي بتهمة التحريض على العنف.

لم يتم اعتقال الرجل، وإنما سارت القضية في المسار العادي بالقضاء طوال 8 سنوات، ليصدر في النهاية حكم على الشيخ بالسجن 8 أشهر ومثلها مع إيقاف التنفيذ!! وذهب الرجل ليُسلِّم نفسه لإدارة السجن، وسط حشد من أنصاره الذين انهالوا على الاحتلال بالهتافات، ولم يحتجزهم الأمن أو يقتلهم.. ومعروف بالطبع العقوبة على التهمة نفسها في بلاد أخرى على امتداد الأمة، وكيف تكون بعد 8 أسابيع محاكمة وليس 8 سنوات.

وقبل هذا وبعده، هناك المنافسة الحامية بين الأحزاب الإسرائيلية، وتداول تشكيل الحكومات فيما بينها وفق أصوات الناخبين.

في الختام

لأستاذنا الكاتب والمؤرخ المرموق صلاح عيسى رحمه الله (1939- 2017) كلمة معبّرة تُلخص وضع الصراع مع الصهاينة: “لن ينتصر العرب على إسرائيل ما داموا لا يملكون سلاحها السحري.. الديمقراطية”!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...