ليس هكذا تورد الإبل

بواسطة | أبريل 1, 2024

بواسطة | أبريل 1, 2024

ليس هكذا تورد الإبل

من منا لم يفرك عينيه مرات ومرات عند قراءته لبيان الحكومة الأردنية، الذي انتقد فيه مهند مبيضين – وزير الاتصال الحكومي، والناطق باسم الحكومة الأردنية- دعوات لقادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة، لتجاوز الحدود الأردنية وصولا إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف، احتجاجاً على المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال منذ سبعة أشهر مع سبق الإصرار والترصد؟

ومن منَّا لم يحاول أن يتأكد من صحة البيان أملاً في أن يكون مفبركا أو ذبابا إلكترونيا؟ سيما وأن العبارات التي استُخدمت في البيان لوصف دعوة المقاومة الإسلامية “حماس” للتظاهر مخجلة بحجم وقعها المدوي على كل غيور على مقدساته، وعلى إخوة له يُبادون بدم بارد على رؤوس الأشهاد.. إلا أن البيان وبكل أسف لم يكن مفبركا أو ذبابا إلكترونيا، بل كان هو الوجه الحقيقي لمعاهدات السلام التي سُوِّق لها على أنها لصالح القضية الفلسطينية ولدعم مصالح الشعب الفلسطيني لتبرير اللهث وراءها، إلا أنها كانت في الحقيقة لمنح الاحتلال الصفة الشرعية لتواجده، واشترت بثمن بخس من يدافع عن مصالحه بالوكالة، استنادا إلى قانونية هذه المعاهدات والاتفاقيات التي لا تعترف بها إسرائيل عندما تمارس جنونها في ارتكاب جرائم حرب مركبة، ما بين إبادة جماعية وتطهير عرقي، واستخدام لسياسة العقاب الجماعي، التي يندرج تحتها تجويع المدنيين وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إليهم، فضلا عن اجتثاث الأمان لدفع سكان غزة للنزوح، وتنفيذ مخططها الذي سبق وأن سارت فيه سنة 1948.

ولهذا البيان الصادر عن الحكومة الأردنية أسباب، حيث إنه جاء ردّاً على خطاب خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج، عقب زيارة وفد حماس إلى طهران، إذ طالب الأردنيين بالتظاهر والنزول إلى الشارع باستمرار، خلال مشاركته في مؤتمر بالعاصمة الأردنية عمان عبر تقنية الاتصال المرئي، بالتزامن مع دعوة محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحماس، الشعوبَ إلى الزحف ونيل شرف الجهاد والمشاركة في تحرير الأقصى.

وقد يرى البعض أن هذه الدعوات تُعدّ تحريضية لتأليب الرأي العام الأردني، وبالتالي النيْل من أمنه واستقراره! إلا أن هذا التوصيف بحق دعوى قادة حماس كان بالإمكان أن يقبله الشارع الأردني – لاسيما المتظاهرون- في حال كانت المنطقة تحيا هذا الاستقرار، لكنَّ الواقع المَعيش يختلف عن أحلام اليقظة، فالعالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، يعيش على صفيح ساخن جرَّاء الأحداث الدامية التي تشهدها غزة – المحاصرة منذ 18 عاما بمساحة 365 كيلو مترا مربعا- منذ السابع من أكتوبر الفائت، بتآمر القوى العظمى التي تساند وتدعم إسرائيل بالمال والسلاح، وبتعاون الأشقاء أصحاب معاهدات السلام.

وهنا أسأل: إلى أي مدى يُعتبر هذا النوع من البيانات قادرا على لجم الشعوب الثائرة عن ثورتها؟ وإلى أي حد تستطيع هذه البيانات أن تثني أصحاب القضية عن نصرة قضيتهم؟. باعتقادي، ليس هكذا تورد الإبل سيد “مهند مبيضين”، فهذا البيان هو ما سيؤجج الشارع الأردني الغاضب – بل والمحتقن- خاصة مع جرائم اغتصاب الغزيّات التي تحدّث عنها شهود عيان كثر خلال الأسابيع الماضية، وأنَّ هذه المظاهرات والاحتجاجات عادت، ولكن بحشود أكبر وتنظيم لافت ومطالب مكلفة، تتعلق باتخاذ خطوات فعلية تجاه العدوان على قطاع غزة، للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للوقف الفوري لإطلاق النار، واستخدام معاهدة السلام الموقعة بين دولة الاحتلال والمملكة الأردنية الهاشمية، كورقة ضغط لوقف هذه الحرب دون قيد أو شرط، وقطع العلاقات مع تل أبيب لتجنب توسيع دائرة الصراع.

ختـاماً

إنّ إخماد المظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية والمناهضة لحرب إسرائيل على قطاع غزة، والتي عادت إلى المشهد مجددا في الدول العربية وعدد لا بأس به من الدول الأوروبية، لن تخمد ولن تتوقف رحاها الدائرة إلا بعد إعلان وقف إطلاق النار الفوري، والسماح بتأمين معبر آمن لوصول المساعدات الإغاثية من طعام ودواء إلى سكان قطاع غزة، بعيدا عن أعين الطائرات المسيرة وفوهات بنادق جنود الاحتلال، الذين يتعاملون مع المدنيين الغزيين كما الصياد عند اصطياد فريسته.. وإنه من الأَولى بالدول التي تسلط سياطها على شعوبها الثائرة على الظلم، أن تتحد لتقف موقف رجل واحد أمام الترسانة الإسرائيلية للضغط عليها من أجل إعلان وقف فوري لإطلاق النار.

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    إختيار موفق وبورك قلمك .. وللأسف كلنا تمنينا أمنيتك يا أستاذه هديل

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...