ما أصل التشاؤم بالخِطبة والعقد والزواج بين العيدين؟ وكيف أبطله الإسلام؟

بواسطة | أبريل 24, 2024

بواسطة | أبريل 24, 2024

ما أصل التشاؤم بالخِطبة والعقد والزواج بين العيدين؟ وكيف أبطله الإسلام؟

في كثير من بلدان العالم الإسلامي، يتداول الناس فِكَرًا وأقاويل عن كراهة أو تحريم أو شؤم الخِطبة أو عقد الزواج أو الدّخول بالزوجة بين عيدي الفطر والأضحى؛ أي في شهر شوال وشهر ذي القعدة وذي الحجة، وهذه الفِكَر تدفعهم إلى تأجيل الخطوبة أو الزواج إلى ما بعد عيد الأضحى تشاؤمًا وتطيُّرًا.

أصل التّشاؤم والتطيّر بشهر شوّال

في الحقيقة، إنّ هذا التّشاؤم وتداول الكراهية عادةٌ جاهليّة ما تزال آثارُها مستمرّةً إلى يومنا هذا. وسبب التشاؤم عند العرب هو اسم الشهر “شوّال”، فقد كانت العرب تعتقد أنه يدلّ على الهلاك وتفرّق الجماعات، فيتطيّرون به ويعتقدون أنّ أيّ علاقة تنشأ فيه بين زوجين مصيرها التفرّق والزوال، وأنّ العقد إن تم فيه فإنّ هذا سيؤدي إلى نفور الزوجة من زوجها وامتناعها منه.

يقول ابن منظور في “لسان العرب”: “شوّال من أسماء الشهور معروف، اسم الشهر الذي يلي رمضان، وهو أول أشهر الحج، قيل: سُمّي بتشويل لبن الإبل، وهو تولّيه وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرّطب، وكانت العرب تطيّر من عقد الزواج فيه، وتقول: إنّ المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها”.

وكذلك تقول العرب: “شالت نعامتهم”، والنعامة هنا يقصد بها الجماعة؛ أي ماتوا وتفرّقوا، وكذلك تقول العرب: “شال لبن الناقة أي ارتفع وقَلَّ”.. فأيّ عقد أو زواج في شوال كان يُظن أن مصيره سيكون محق البركة أو ارتفاعه وانتهاءه.

كيف أبطل الإسلام هذه العادة الجاهليّة؟

كان التطيّر والتشاؤم عادة منتشرة في المجتمع الجاهلي بشكل عام؛ فنهى عنها الإسلام وحاربها وبيّن أنها محض مشاعر سلبية يجدها الإنسان في صدره، فعليه ألا يخضع لها وألا يحوّلها إلى سلوك؛ ففي حديث البخاري عن معاوية بن الحكم السلمي؛ قلت: “يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منّا رجالًا يأتون الكهان، قال: “فلا تأتهم”، قال: ومنّا رجال يتطيّرون، قال: “ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدَّنَّهم”. وفي الحديث المتفق عليه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “لا عَدْوى، ولا طِيَرَة، ويعجبني الفَأل، قالوا: وما الفَأل؟ قال: كلمة طيّبة”.

وأما في عادة التشاؤم والتطير بالخطوبة أو العقد أو الزواج في فترة ما بين العيدين، فقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطال هذا الاعتقاد الجاهلي بطريقة عملية سلوكية، فقام بإنشاء عقد زواجه على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في شهر شوال، وتزوجها ودخل بها في شهر شوّال، وذلك ليكون في هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم إبطالًا عمليًّا لفكر جاهلي. وهذا الفعل حوّل العقد والزواج في شهر شوّال من عادة تبعث على التشاؤم إلى سنّةٍ مستحبّة؛ فعقْد الزواج والزواج في شهر شوال مستحب، امتثالًا لفعل النبي صلى الله عليه وسلّم.

أخرج مسلم في صحيحه؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: “تزوّجني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في شوّال، وبنى بي في شوّال، فأيُّ نساء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان أحظى عنده منّي؟ قال: وكانت عائشة تستحبّ أَن تُدْخِل نساءها في شوّال”.

ورغم فعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم هذا، بقي لعادة التشاؤم من الزواج والعقد في شهر شوال آثارها، التي تسري في المجتمعات المختلفة والأزمنة المتعاقبة؛ وكان العلماء في كلّ زمن يحاربون هذا الاعتقاد الجاهلي، ومن ذلك ما بيّنه الإمام النّووي في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنها إذ يقول: “فيه استحباب التزويج والتزوّج والدخول في شوّال، وقد نصّ أصحابنا على استحبابه؛ واستدلّوا بهذا الحديث. وقصدَت عائشة بهذا الكلام ردَّ ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيّله بعض العوام اليوم من كراهة التزوّج والتزويج والدخول في شوّال؛ وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية؛ كانوا يتطيّرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع”.

إذن، فالشعور بأن إنشاء عقد الزواج أو الخِطبة أو التزوّج بين العيدين شؤم هو محض شعور جاهلي، والامتناع عن القيام بذلك هو سلوك جاهلي، وهذه المشاعر والسلوكيات الجاهلية أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واستحضارها في هذا الزمان مخالف لما عليه الهدي النبوي.

فيا أيها الشباب: اخطبوا وتزوجوا بين العيدين دون أدنى حرج، ويا أيها الآباء: زوّجوا أبناءكم وبناتكم بين العيدين، وافرحوا بهم وفرّحوهم، وألف مبارك لكم جميعًا.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...