ما فعله بوشنيل.. دلالاته وتبعاته
بقلم: نديم شنر
| 7 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: نديم شنر
| 7 مارس, 2024
ما فعله بوشنيل.. دلالاته وتبعاته
بوشنيل يحتج بحرق جسده على إبادة جماعية في غزة. الإعلام يغض الطرف عن تضحيته. والولايات المتحدة تتورط في العنف.
الحل: التضامن لإنقاذ الشرق الأوسط.
– الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل وأمريكا لا تقتل البشر فحسب، بل تدمر القيم الإنسانية أيضا.
– جندي أمريكي يحرق نفسه تنديدًا بـ”الإبادة الجماعية في فلسطين“، ووسائل الإعلام الغربية تجتهد في التقليل من شأن ما قام به وتشويه سمعته.
الإبادة الجماعية في غزة – صرخة ضمير أمريكي
في الإبادة الجماعية التي تشارك بها الولايات المتحدة الأمريكية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لم تكتف إسرائيل بقتل ما يزيد على 30 ألف إنسان وإصابة أكثر من 70 ألفا آخرين، بل دمرت جميع قيم الإنسانية ومبادئها.
الصورة التي ظهرت بعد خمسة أشهر من اندلاع الأحداث أمام أعين العالم كله يمكن التعبير عنها على النحو التالي: أمدت أمريكا الكيان الصهيوني بـ 5000 قنبلة موجهة و57000 قذيفة مدفعية و21000 صاروخ موجه، وقد استُخدمت لارتكاب الإبادة الجماعية التي أسفرت -حتى وقت كتابة المقال- عن مقتل ما مجموعه 30139 شخصا، من بينهم 13230 طفلا و8860 امرأة.
كما دمرت القنابل التي أسقطتها الطائرات على غزة 70000 منزل تدميرًا تامًّا، وأصابت نيران الدبابات 290000 منزل بأضرار جسيمة جعلتها غير صالحة للسكن؛ وكذلك دمر القصف الإسرائيلي المدارسَ ودور العبادة وأخرج 51 مركزًا صحيًّا و31 مستشفى عن الخدمة. وحاصرت قوات الكيان في جنوب غزة أكثر من 2 مليون شخص فروا من الإبادة الجماعية في الشمال، وتركتهم في الشوارع مشردين يتضورون جوعًا دون خبز أو ماء.
ثم زادت بشاعة ما تقوم به من إبادة جماعية بأعمال أخرى أكثر دموية ووحشية، حين قصفت الذين تجمعوا من أجل الحصول على ما يسمى بالمساعدات الإنسانية لأهل غزة، الذين تخلى عنهم الجميع وتركوهم في أمسِّ الحاجة إلى الخبز اليابس وشربة الماء، وقد أسفر ذلك القصف الوحشي عن مجزرة بحق أناس يعيشون بين الأموات.. والأمر المخزي أن كل هذا يجري على مرأى ومسمع من العالم، وبمساعدة وتواطؤ من أمريكا التي تدَّعي وتتشدق بالحضارة والمدنية، بينما هي في الحقيقة متواطئة في ذبح سكان غزة بما تمد به إسرائيل من عشرات الآلاف من القنابل، وترك ملايين الناس بلا مأوى وبلا خبز أو ماء.
وفي محاولة لحفظ ماء وجهها الملطخ بالدماء، تشارك أمريكا بإنزال جوي للمساعدات الغذائية بالمظلات لـ 38000 شخص، في مشهد متناقض وساخر، فأمريكا التي أسقطت عشرات الآلاف من القنابل والصواريخ من الجو بأيدٍ إسرائيلية على رؤوس أهل غزة، تُسقط الطعام من الجو إلى الباقين منهم، كما لو كانت تسخر ليس فقط من سكان غزة ولكن من العالم بأسره. وهذه هي صورة المأساة التي تواصلت أحداثها في غزة طوال الأشهر الأربعة الماضية، وما تزال.
ورغم خروج أكثر من 200 احتجاج في أكثر من 50 دولة، وانتفاض الضمير الإنساني في جميع أنحاء العالم، فإن ذلك لم يكن كافيا لردع إسرائيل أو شريكها الأمريكي لوقف عمليات الإبادة الجماعية التي تستخدم فيها إسرائيل القنابل الفوسفورية، وتمنع كل أنواع المساعدات الإنسانية من المياه والغذاء والدواء من الوصول إلى قطاع غزة؛ وهي تقصف وتقتل وتصيب المدنيين العُزَّل، وتعتقلهم وتعذبهم عراة، وتهاجم المستشفيات والمدارس ودور العبادة.
ورغم كل ذلك فإن منظمة الأمم المتحدة لا تحرك ساكنًا، ووصول القضية إلى محكمة العدل الدولية، وما اتخذته من قرارات وإجراءات ضد إسرائيل، لم يكفِ لوقف العدوان الغاشم ورفع العبء عن أهل غزة في الشمال والجنوب.
كذلك أيضا النضال السلمي والاحتجاجات في أكثر من 20 دولة، كل هذا لم يُسفر عن أي نتائج على أرض الواقع، بل إن الذين يعترضون على تلك الأعمال الوحشية مُتهَمون بـ”معاداة السامية”، ولا فرق في ذلك بين أن تكون فنانًا سينمائيًّا مشهورًا جدًّا، أو عالمًا مهمًّا جدًّا، أو لاعب كرة قدم مشهور، أو رئيسَ جامعة أو سياسيًّا أو صحفيًّا؛ فلن ينقذك ذلك من هذا الاتهام.. وهكذا، فإن ضمير الإنسانية عاجز أمام طغيان اللوبي الصهيوني الذي يدير المال والسياسة والإعلام في أمريكا وأوروبا، وقد دفع هذا الموقف اليائس جنديًّا في قيادة القوات الجوية الأمريكية “آرون بوشنيل” إلى الانتحار بإحراق نفسه.
والطبيعي أن يشغل هذا الموقف العالم بأسره – وخاصة أمريكا- لعدة أيام؛ لكن إسرائيل لكي تواجه تأثير هذا الانتحار المروع، ارتكبت مذبحة أخرى صدمت العالم، إذ فتحت دباباتها النار على حشد من أهل غزة تجمَّع لتلقي المساعدات، فأُصيب أكثر من 300 شخص وقُتل 120 آخرون.. وهكذا تكرر إسرائيل ما اعتادت عليه، حيث تغطي هجومًا دمويًّا بآخر أكثر دموية ووحشية.
والحقيقة أن آرون بوشنيل، الجندي الواعي بما يفعل بناء على ما رآه بعينيه من أحداث يشيب لها الولدان، اختار المكان المناسب لإيصال رسالته، فوقف أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن عاصمة أمريكا، وسكب على نفسه البنزين، وهو يقول: “لن أشارك بعد الآن في تلك الإبادة الجماعية، وهذا احتجاجي الشديد عليها، رغم أن هذا الفعل الذي سأقوم به لا يساوي شيئًا مقارنة بما يعانيه الفلسطينيون على أيدي قوات الاحتلال الغاشم”.. ثم أضرم النار في جسده، وهو يقول آخِر كلماته: “الحرية لفلسطين”.
ووفقا لما ذكره صديق مقرب من بوشنيل، فإن بوشنيل أبلغه أنه اطلع على بيانات للمخابرات العسكرية الأمريكية من مستوى “سري للغاية”؛ وأضاف ذلك الصديق: “أخبرني بوشنيل يوم السبت أن لدينا جنودا في تلك الأنفاق وأن الجنود الأمريكيين متورطون في عمليات القتل المستمرة”. وفي حديثه إلى صحيفة نيويورك بوست، قال عن بوشنيل أيضًا: “أحد الأمور التي أخبرني بها هو أن هناك جنودا أمريكيين متورطين في الإبادة الجماعية في فلسطين، فالجنود الأمريكيون في غزة يقتلون كثيرا من الفلسطينيين”.
لقد انتحر بوشنيل وهو يقول: “لن أكون طرفا في جريمة الإبادة الجماعية”، في تعبير صارخ ليس عن عجزه فقط، بل عجز الإنسانية كلها؛ ومن المؤسف أن يتعمد اللوبي الإسرائيلي، الذي يتحكم في أمريكا، التغطية على هذا الحدث في كل المجالات والمواقع الإخبارية، حتى أصبحت نيران بوشنيل وتضحيته بنفسه كأنها لم تكن. ولم يتوقف الأمر عند حد التغافل، بل إنهم نشروا على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي – التي تسيطر عليها إسرائيل- الأكاذيب والتشويهات وأن بوشنيل كان معاديًا للسامية وله علاقات مع الجماعات المتطرفة.
ولا يغيب عن أذهاننا أنهم في الغرب يقومون بحرق جثث الموتى لتتحول إلى حفنة من الرماد؛ لكن العجيب أنه أمام هذا الحدث الذي يندد بجرائم الاحتلال، شوهت وسائل الإعلام مصداقية صاحب الجثة المحترقة لتحويل عمله الشريف إلى رماد.. وبالأسلوب الفج نفسه تعامل مسؤولون في البيت الأبيض والبنتاغون مع هذه القضية وكأنها حدث عادي، وتقريبًا لم تتم تغطيته عبر وسائل الإعلام المستقلة ذات التأثير القوي في أمريكا.
إنها وسائل الإعلام الأمريكية نفسها، التي صورت الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي يبلغ من العمر 26 عامًا، والحاصل على شهادة جامعية ويعمل بائعًا متجولًا، والذي أضرم النار في نفسه بعد مصادرة الشرطة لدكانه الصغير، وإهانته من قبل السلطات في مدينة سيدي بوزيد التونسية في 17 ديسمبر 2010.. والآن، وسائل الإعلام نفسها تغض الطرف عن النيران التي أدت إلى مقتل بوشنيل، الجندي في سلاح الجو، أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن.
ومن ناحية أخرى، لم تستخدم بعض وسائل الإعلام الأمريكية مصطلحات “فلسطين” أو “غزة” أو “الإبادة الجماعية” عند نقل أخبار ما حدث. ومع الأسف، فإن كثيرًا من الأميركيين لا يدركون أن مثل هذا التشويه والتضليل يتكرر في وسائل إعلامهم، وبعضهم فهم أن الذي حدث عندهم عملُ “شخصٍ”، وبعضهم على دراية بأنه عملُ “جنديٍّ”، لكن لا أحد منهم يعرف لماذا فعل بوشنيل ذلك، وأن تواطؤ الجيش الأمريكي – الذي كان قد انتسب إليه- مع الإبادة الجماعية في إسرائيل هو الدافع الرئيسي لهذا.
وما شهدناه ونعيشه الآن يكشف أنَّه ما زال حلمًا بعيد المنال، أن نتوقُّع من أمريكا وأوروبا اللتين تخضعان للسيطرة الكاملة لإسرائيل، العمل على إيجاد حلول للمشاكل التي تسببت فيها.. إن الشرق الأوسط بأكمله سيفهم هذا ذات يومٍ، أن ما يسمى بـ “الحضارة الغربية”، التي تطمع في موارد المنطقة، وراء كل عنف وكل مجزرة وكل احتلال وكل خيانة؛ فلا يُتوقع حل المشكلة من الذين يتغذون على صناعة المشكلة ورعايتها، بل الحل الناجع يكمن في تضامن جميع بلدان المنطقة حكومات وشعوبًا للتخلص من هذا الكابوس الجاثم على صدور العالم كله.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق