مريم سمير فايز (المخطوفة).. أين (خاطفوها)؟!

بواسطة | أغسطس 20, 2023

بواسطة | أغسطس 20, 2023

مريم سمير فايز (المخطوفة).. أين (خاطفوها)؟!

سقطت الحركات الحقوقية والنسوية في اختبار مريم سمير فايز، تماما كما سقطت من قبل في اختبار (كاميليا شحاتة)، و(وفاء قسطنطين)، فلم نسمع لها ركزا.. هي سقطت في مواجهة إجبارهن على العودة إلى ديانتهن السابقة، مع أن حق الاعتقاد مكفول، وكذلك سقطت في مواجهة الاختطاف، الثابت في الحالتين السابقتين والمُحتمَل في حالة مريم، فلم تسعَ هذه المنظمات للتأكد من أن عودتها تمت بطواعية وبإرادتها الحرة!.
لم أهتم في البداية بحالة مريم، عندما روج البعض لاعتناقها الإسلام، ونشرها بعض التصريحات وربما بعض الفيديوهات، لم أهتم بقراءة المكتوب أو مشاهدة المذاع، ومن ذلك نشر صورة إشهار إسلامها رسميا، من خلال محرر رسمي صادر عن جهة الاختصاص، وهي إحدى إدارات الأزهر الشريف؛ لكن اهتمامي بحالها جاء بعد فيديو تم نشره على أنه إعلان عودتها إلى المسيحية، بوجود المحامي نجيب جبرائيل وهو يطلب البركة من العذراء، وقد بدت على مريم حالة الانكسار؛ وذلك يشي بأن الأمر لم يكن بإرادتها، فقد حاولت أن تجاري الحضور الكريم، وهم يحرضونها على أن ترسل ما يفيد أنها سعيدة بوضعها الحالي، فلم ترسل سوى شبه ابتسامة ميتة، بدت لي ساخرة ومسكونة بالحزن!.
قد يكون ما بدا لي رسما لصورة غير حقيقية، ومن هنا كان على الحركات الحقوقية والنسوية أن تبادر إلى التحقيق في الأمر، وتتحرى الموقف، فلعلها تنجح في إظهار الحقيقة، إلا إذا كانت هذه الحقيقة لا تندرج تحت جدول أعمال تلك الحركات، التي كان يمكن أن تحتشد في الاتجاه المعاكس، لو كان المشهد يخص مسلمة تنصرت، ثم أظهر مشهد آخر عودتها إلى الإسلام!.
البأس الشديد
لا بأس هنا، فالبأس الشديد يكون في ترديد هذه المنظمات دائما كلام الطرف الآخر عن عمليات خطف قاصرات، وإجبارهن على دخول الإسلام، حتى لو كانت هذه المنعوتة بالـ (قاصر) قد تجاوزت سن الرشد القانوني، وحتى لو أن بعضهن فوق الأربعين مثل “كاميليا شحاتة” و”وفاء قسطنطين”، وهما في حالة اختفاء قسري، بشكل مخالف للقانون، فلا يستطيع أحد إلى الآن أن يقول إنهما عادتا إلى ديارهما وزوجيهما (الكاهنين)، أو إنهما تعيشان في المجتمع الذي كانتا فيه خارج الدير!.
لست من الذين يُسعدهم دخول أحد في الإسلام، أو خروج أحد منه، وإن كانت الفرحة المبالغ فيها من الفريقين، سواء من الفرحين بإسلام أحد لدرجة إقامة الأفراح والليالي الملاح على منصات التواصل الاجتماعي، أو من الذين يتحدثون عن اختطافٍ لقاصرات وهم يعرفون الحقيقة المجردة، وأنا مؤمن أن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان حرية الاختيار، وأمره بين (من شاء) و(من شاء) في قوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، ولست مبتهجا بالأفراح المنصوبة هذه الأيام لأن سكرتيرة زكريا بطرس عادت مرة أخرى للإسلام، وهي التي كانت قد تركته، فالإسلام لم ينتصر بعودتها إليه، كما أنه لم يُهزم بمغادرتها له!.
قبل ثلاثة أشهر، جاءني اتصال من أحد الأكاديميين المصريين الذين يعيشون في الغرب، ولم يكن ذلك اتصالنا الأول، وكان في السابق قد عرفني بنفسه على أنه مسيحي من محافظتنا بصعيد مصر، بيد أنه في هذه المرة أخبرني أنه أشهر هو وزوجته وأولاده إسلامهم في يوم الجمعة الماضية بأحد المراكز الإسلامية حيث يقيم!.
فضولي الصحفي كان زاهدا، فلم يحرضني على طرح أسئلة حائرة عندي عن هذه التحولات الدينية، سواء من الذين تركوا الإسلام، أو الذين تركوا المسيحية، فهل الأمر تم عن بحث؟ أم عن عاطفة؟ ولماذا لا يكون البحث في احتمال أن تكون الإجابة عما يحيرهم في مذهب آخر من الدين نفسه؟! لا سيما وأن صاحبنا -بحكم وضعه العلمي والأكاديمي- مؤهل للإجابة النموذجية عن أسئلتي الحائرة؛ إلا أنني لم أفعل، والتزمت الصمت، وإن شئت الدقة فقل إنني لم أكن بداخلي راضيا عن هذه الخطوة، فالأمر لا يحتاج لمهرجان، ولا للمركز الإسلامي، وهو على درجة من العلم تجعله يعرف صيغة اعتناق الإسلام، ولا يحتاج لأحد يلقنه الشهادة، وكان يمكنه حيث يقيم، أن يقيم شعائر الإسلام في بيته أو في هذا المركز، بدون احتفالية، وفي بلاد لا يسأل أحد أحداً فيها عن ديانته!. بيد أني لم أعلق على ما سمعت، الأمر الذي راعه فسألني في دهشة: أرى أن الخبر لم يسعدك.. بارك لي يا أخي، هل أنت علماني؟.!
وأجبته بأنني لست علمانياً، بل أرى أن العلمانية لا تخصني كمسلم، وهي ليست موجهة لدين الإسلام أصلا، بيد أني لم أر فيما فعل أمرا يستحق شيئاً مما يدعونني إليه.. “عادي”؛ هكذا قلت!.
واقعة هزتني
لا أخفي أنني ذهبت بفؤادي إلى أهله وأسرته، وتساءلت عن وقع الخبر عليهم، وتذكرت واقعة في هذا السياق تستحق أن تروى، وقد هزتني من الأعماق!.
كنت آخر من علم في صحيفتنا بخبر إسلام أحد الزملاء في الأقسام المعاونة، وكان قد طلب وساطة رئيس التحرير لدى مدير أمن القاهرة، للتعجيل بإنهاء إجراءات إشهار إسلامه رسميا، لأنها الوسيلة الوحيدة لوقف الضغوط عليه، إذ كان المتبع قبل حالة مريم سمير فايز، أن ضغوط الأسرة والكنيسة ممكنة قبل استخراج الوثائق الرسمية، مثل البطاقة الشخصية، وبعدها تتوقف الضغوط لأن السهم يكون قد نفذ!.
والوصول إلى خطوة الانتقال رسميا، يكون بعد ثلاث جلسات للإقناع مع أحد القساوسة، وهي تعقد بمديرية الأمن التابع لها المقدم على هذه الخطوة، وما يدور فيها معروف، لدرجة أن الجدد يستعينون بالسابقين أصحاب الخبرة في هذه المناقشات؛ فهي تبدأ من محاولة بحث الأسباب، ومعرفة إن كان صاحبهم واقعا تحت ضغوط معينة، أو أنه يتحول بإرادته، ثم تقديم المغريات له من هجرة ووظيفة وزواج، وانتهاء بمحاولة الرد على الشبهات التي في ذهنه، وعندما سأل زميلنا صاحب خبرة، قال إنه عند النقاش الديني اختصر الطريق عليه، فمع كل سؤال كان يرد على القس: “لا شأن لك”، لكن زميلنا هذا لم يرض بهذه الإجابة ودخل في مناظرة، انتهى منها بأنه مصر على قراره!.
والعادة أن الأسر تعرف بالأمر من خلال هذه الجلسات الثلاث، ومن هنا تأتي الضغوط، نظرا للفترة الزمنية بين هذه الجلسات واستلام الوثائق القانونية، وهي فترة حرجة غير محددة المدة، ومن هنا كان الطلب من رئيس التحرير أن يتدخل، لكنه لم يفعل، إذ قال له الدكتور صلاح قبضايا، رئيس تحرير “الأحرار”، بأسلوبه الساخر: لماذا فعلت هذا؟ ما الذي أعجبك فينا؟ نحن أناس لا نغري بتركك لدينك والالتحاق بنا!. وعندما طلب الزملاء مني القيام بمهمة استقبال أسرة الزميل، فوجئوا بأنني لست على علم بالأمر، وعندما وصلت الأسرة، غادر الجميع مكتبي، وجلست أنا وهو ووالدته وشقيقته وخاله، وكان موقفا من أصعب المواقف في حياتي!.
قدمت عبارات الترحيب بالضيوف، والتهوين من الأمر، فابنهم المسلم هو نفسه ابنهم المسيحي، والإسلام يلزم المسلم بطاعة والديه في أمور الدنيا، مهما كانت ديانتهم، وبالتالي فلا شيء سيتغير بهذا القرار، فهو ابنهم اليوم، وأمس، وغدا!. استهدفت من هذه المرافعة أن نهرب من هذه الأجواء المشحونة بالعاطفة، وزميلنا هو الابن الوحيد على بنات، وفقده قاس على نفس الوالدة وهي تراه يسلك هذا الطريق في مجتمع كالمجتمع المصري، وكانت سيدة متدينة وربما متشددة؛ وما إن انتهيت حتى سألَتْ الأم وحيدها وعيناها ممتلئتان بالدموع، وكأنها لا تكترث بما قلت: “ليه عملت كده”.. فإذا بنحيبه يهز كياني، وإذا بالمشهد يصل إلى ذروة التأثر.
أنقذتنا الوالدة بسؤالها إن كانت تستطيع أن تنفرد به، وقلت لها إن هذا حقها بدون أن تستأذن أحدا، فلما هممت بمغادرة المكتب، قالت إنها تريد أن تخرج به خارج مقر الجريدة، ووافقت على الفور!. كان الزميل قد أخبرني قبل هذا اللقاء بوجوب أن أحتاط لمنع اختطافه وإيداعه في أحد الأديرة، واستعنت بعمال الجريدة والمطبعة، في أن يظهروا بصورة المتابعين للموقف في الشارع بدون تدخل، فهم أسرته، لكن المهم أن يشعروا بوجودكم حتى لا يقدموا على خطوة الخطف، دون أن يحدث منكم ما يخزيه في أهله، أو يصور لهم أنه انتقل بحاله إلينا، بدلا من أن يكون لهم، وهدفنا منع اختطافه لا الإساءة إليهم.
كانت سيارتهم تقف بعيدا نسبيا في أحد الشوارع التي يطل عليها المقر، وبطول شريط مترو الأنفاق، فانتشروا بطوله من حيث تقف سيارتهم (نصف نقل) حتى مقر الجريدة، وبعد حوار على الواقف استغرق قرابة الساعة عاد إلينا كما ذهب باكيا ومتأثرا لحزن أمه!.
من منطق حقوقي وليبرالي
وما سبق كاشف عن أنني لا أنظر للأمر من منطلق العامة، ولكن من منطلق حقوقي وليبرالي، فالحق في اعتناق دين ما مسألة اختيارية، ومن الحقوق اللصيقة بالإنسان، ومن هنا كان موقفي المعارض لسلوك السلطة في عهد الرئيس مبارك، بتسليم “وفاء قسطنطين”، و”كاميليا شحاتة” إلى الكنيسة، ضمن علاقتها السياسية بالنظام، ما جعل منها دولة من دول الجوار، فيسلم لها الرعايا الهاربين منها!.
كنا نعلم وقتئذ، أن إسلام زوجات القساوسة بالذات مما يحرج الكنيسة، وكذلك كانت حالتي “كاميليا” و”وفاء”، وفي هذه الحالة كانت الكنيسة تلجأ بعد اليأس إلى زكريا عزمي، مدير ديوان رئاسة الجمهورية، وذلك قبل الانتهاء من الوثائق الثبوتية، فيصدر تعليماته لأجهزة الأمن بتسليم المستهدفة للكنيسة، ومن هناك لا تسلم لأسرتها ولكن توضع في دير من الأديرة، وهو احتجاز فيه مخالفة للقانون، وسط صمت المجتمع المدني، والمنظمات الحقوقية، والحركات النسوية، وهي حركات تمارس النفاق والازدواجية، وهي تتحرك حيث تقرر لها جهات التمويل الغربية حدود حركتها!.
لا نعرف بأي صفة قرابة تواجد نجيب جبرائيل في مشهد مريم سمير، وإذا اعتبرنا وجوده لكونه محامي الأسرة في هذه الحالة، فلم نعرف الإجراءات القانونية التي اتخذها، وضد من كانت، لكننا فوجئنا به يشكر القيادة السياسية؛ ثم إنه لا يمكن اعتبار مريم “قاصرا”، فهي طالبة الدراسات العليا بالجامعة، وكأنما أُريد من ذلك المشهد الإيحاء بأنها كانت مختطفة، فهل صدق الرأي العام ذلك؟!.
لا بأس، لنقل إن مريم كانت مختطفة، وهنا تأتي التساؤلات المهمة: أين الخاطفون؟ وأين مكان الاختطاف، وهي تقول إنها في جامعتها تمارس حياتها بشكل طبيعي؟! وهل هذه هيئة فتاة كانت مختطفة، وتم تحريرها من الاختطاف، وهي تبدو حزينة منكسرة، لا ترفع نظراتها عن الأرض، ولا تؤوب مع القوم في أفراحهم، على العكس من هيئتها وهي تعلن اسلامها؟!.
إن الحرية كل لا يتجزأ.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...