مستقبل المنطقة في تضامن الأخوة وتوافق الجيران

بواسطة | فبراير 21, 2024

بواسطة | فبراير 21, 2024

مستقبل المنطقة في تضامن الأخوة وتوافق الجيران

تتجسّد العلاقات التاريخية بين تركيا والدول العربية وشمال أفريقيا في رابطة إسلامية وجغرافية وثقافية. تتأثر هذه العلاقات بالصراعات والتحديات الإقليمية، خاصة مع الصراع الإسرائيلي الأمريكي. الرد المشترك يتضمن تعزيز التعاون ووقف الإبادة الجماعية.

توافق تركيا والدول العربية – حلقة أمل في وقف الإبادة الجماعية وتعزيز الاقتصاد

أَخَاك أخاك إنّ مـن لا أخًا له   كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح

تجمع بين تركيا والدول العربية وشمال أفريقيا علاقات وروابط تاريخية وثيقة، لا تتمثل فقط في الجوار الجغرافي، ولكن أيضًا في الدين الإسلامي، الذي هو أعظم رابط روحي يربطنا جميعًا.

وكما كان الحال في الماضي، فإن هذه الرابطة تتأثر سلبًا بـ”الفتنة” التي أطلقت شرارتها ما يُسمونها “الحضارة الغربية”، وهي التي تدمر الدول، وتوجِد أسباب ودوافع الصراعات والحروب الأهلية والإقليمية. وفي هذا السياق يأتي الصراع الذي تقوده أمريكا وإسرائيل، وكيلتها في الشرق الأوسط.

وهنا يستحيل أن ننسى كلمات نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي وجهها لقادة العرب حينما صرحوا باعتراضهم على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة بتواطؤ من الولايات المتحدة، فقال لهم: “إذا كنتم لا تريدون أن تفقدوا قوتكم ومصالحكم، فالتزموا الصمت”. ورغم هذا التهديد الوقح من نتنياهو، لم يقف العالم صامتًا، وكذلك لم يتوقف القصف والإبادة أيضًا.

وكي ندرك مدى فداحة هذه الجريمة التي يقوم بها الاحتلال، فإنه من الضروري أن نعلم أنه مع تحرك قوات الاحتلال من شمال غزة إلى جنوبها، وصل عدد الأشخاص الذين قتلتهم إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 29 ألفًا، وبلغ عدد المصابين جراء الإبادة الجماعية الإسرائيلية نحو 70 ألفًا، وما زالت إسرائيل تواصل ارتكاب مذابح وحشية بحق المدنيين؛ ويأتي مع هذا وقاحتها في منع دخول المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يزيد حجم الكارثة وفداحتها. وهي تواصل تنفيذ خطتها الاحتلالية القائمة على “إخلاء غزة من السكان” رغم ما تم اتخاذه من قرارات في القضية المرفوعة في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، والتي قضت بوقف جميع الأعمال العسكرية، بما في ذلك القتل والهجمات التي تدمر الحياة في غزة.

ومنذ 26 يناير/ كانون الثاني، عندما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها، وحتى 14 فبراير/ شباط، تم قتل ما مجموعه 2500 شخص، بينهم 1100 امرأة و1300 طفل، وفي الأيام الـ 18 التي تلت ذلك، أصيب أكثر من 3800 شخص. ورغم الضغوط الدولية وتحذيرات أمريكا الداعمة للاحتلال، أعلن نتنياهو الذي ارتكب مجازر الإبادة الجماعية أنه لن يتوقف حتى يحقق هدفه النهائي، وهو ما زال مستمرًّا في فعله الإجرامي.

الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغير هذه الصورة هو التوافق بين تركيا والدول العربية والأفريقية، وإعداد خطة عمل مشتركة، وهذا ما كانت تركيا تدعو إليه منذ زمن طويل. فمنذ البداية، اقترح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فكرة “الضمان” لإحلال السلام بالمنطقة، وهي التي ذكرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرة ثانية في خطابه، في القمة العالمية للحكومات التي عُقدت في دبي، إذ قال: “يجب على إسرائيل الاعتراف بوجود دولة فلسطينية مستقلة.. ونحن لن نترك أبدًا إخوتنا وأخواتنا الفلسطينيين دون رعاية، ولن نسمح ببقائهم عاجزين وحيدين، ونحن مستعدون للعمل ضامنين للسلام”.

وبالطبع فإن هذه الخطوة لا يمكن لتركيا اتخاذها بمفردها، بل يتعين على الدول الإسلامية – وربما الدول الإسلامية فقط- أن تتبنى هذا الاقتراح وتدعمه قبل فوات الأوان؛ فإسرائيل تواصل الإبادة الجماعية بلا هوادة، وليس من الصعب التنبؤ بعواقب هجوم إسرائيلي على مليون ونصف مليون شخص متكدسين جنوب غزة.

وفي هذا الصدد، تُشكِّل زيارة الرئيس أردوغان إلى مصر بعد اجتماع القمة في الإمارات العربية المتحدة خطوة هامة؛ فهي الزيارة الأولى بين البلدين منذ 12 عامًا، ومن المتوقع أن يكون لها آثار مهمة في وقف الإبادة الجماعية في غزة. فحدود مصر مع غزة تعزز كثيرًا من أهمية الدور المصري الرئيس في حل القضية برمتها. ومن ناحية أخرى، فإن جميع المخاطر التي قد تنشأ إثر عبور الفلسطينيين من جنوب غزة إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي تقع على عاتق الدولة المصرية بالدرجة الأولى.. وفي هذه الأجواء، كان من المهم للرئيس أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التوصل إلى توافق مشترك حول الأوضاع في غزة.

وكما قلت، بالإضافة إلى كون هذا اللقاء هو الأول بعد 12 عامًا من الانقطاع بسبب التوترات، فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن غزة يمكن أن يكون خطوة حقيقية في مسيرة العمل المشترك للبلدان الإسلامية في حل هذه المشكلة. فمنذ بداية الإبادة الجماعية في غزة لعبت مصر دورًا مهمًّا، ومن المتوقَّع أن يقوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في فترة ولايته الجديدة، باتخاذ خطوات أكثر جرأة بشأن بلاده والقضايا الإقليمية الأخرى.

الأزمة الاقتصادية في مصر، وهي إحدى الدول التي تمتلك أهم الاحتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، تعدُّ أمرًا غير مفهوم! فمن المعلوم أن العملة الوطنية المصرية فقدت 50% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء خلال العام الماضي؛ ووفقًا لإحصاءات شهر أغسطس/ آب 2023، بلغ معدل التضخم أكثر من 40% سنويًّا، وكذلك فإن أكثر من نصف سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، وخلال السنوات العشر الأخيرة ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 164 مليار دولار.. وهذا العام، يجب على مصر التي لا يملك بنكها المركزي من احتياطي النقد الأجنبي سوى 34 مليار دولار، أن تقوم بسداد 40 مليار دولار من ديونها للبنك الدولي.

ولهذا فإن طريق تغيير هذا الوضع المتأزم داخليًّا وإقليميًّا هو أن تملك رأيك الخاص للتصرف في الموارد التي لديك؛ وانطلاقا من هذا التصور فإن الرئيس أردوغان رئيس تركيا، الدولة القادرة على الوقوف في وجه الدخلاء الأجانب في المنطقة، وبعد زيارته لمصر، قد فاجأ الجميع عندما أعلن أن مصر لن تبيع البترول بالدولار الأمريكي.

هذه التغيرات المرتبطة بتعزيز التعاون في منطقة البحر الأبيض المتوسط تشكل تطورات مهمة للاقتصاد المصري، يمكن لها بدورها أن تمنح الشعور بالارتياح لمصر، صاحبة أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، إذا نجحت في تسويقه في الأسواق العالمية عبر تركيا؛ ومن أجل ذلك تظهر أهمية إعادة العلاقات المصرية التركية، والمحافظة عليها لئلا تتسمم بسبب الصراعات.

وفي هذا السياق الذي يدعو إلى توافق شركاء المنطقة، ينبغي ألا ننسى مشهد عام 2017 في الرياض، حيث وضع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيديهم على نموذج للكرة الأرضية، في مناسبة افتتاح المركز الدولي لمكافحة الفكر المتطرف.. وإنني أدعو كل من يطالع هذا المقال أن يفكر في حال بلده ودول الجوار والمنطقة كلها منذ 2017، وكذلك في الحروب التي اندلعت في شتى أنحاء العالم؛ فبعد ذلك المشهد وقعت محاولات الانقلاب، والاحتلال والحروب، وما زالت المآسي تتتابع واحدة تلو الأخرى.

فالنظر في التاريخ وقراءته قراءة واعية، يزيل الخلافات بين الإخوة، ويكشف حقيقة أن السبيل الصحيح لإنهاء هذه المظالم والأزمات ليس السيطرة على العالم بجانب أمريكا، ولكنه تكاتف الإخوة والجيران، والعمل معًا من أجل مصلحة المنطقة كلها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...