مصر.. ليست كغيرها
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 3 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 3 مارس, 2024
مصر.. ليست كغيرها
مصر، حاملة لإرث حضاري عميق، شهدت تطورًا يعتبر الأساس لبناء الحضارة الإنسانية. منذ العصور القديمة، قادت مصر الطريق بابتكاراتها وتقدمها في العلوم والفنون والسياسة، مما جعلها لا غنى عنها في تاريخ العالم.
حجر الزاوية في تاريخ الحضارة الإنسانية
كتب زين الدين، الواعظ الشامي المقرب إلى صلاح الدين الأيوبي، أثناء وجوده بدمشق يشوقه إلى مصر: “إني أدعوك إلى نيلها ونعيمها، وسلسبيلها، ودار ملكها، ودارة فُلْكها، وبحرها وخليجها، ونَشْرها وأريجها -أي طيب رائحتها- ومقياسها وأنيس ناسها، وقصور معزها، ومنازل عزها، وجيزتها وجزيرتها، وخِيرتها وجِيرتها، وبِرْكتها وبَرَكتها، وتعلق القلوب بقليوبها”.
مصر.. صاحبة حضارة من أقدم حضارات العالم، إن لم تكن أقدمها، وهي التي تُعد حجر الزاوية في بناء الحضارة الإنسانية جَمْعَاء. كانت مصر قبل أن يسكنها المصريون القدماء في حالة بدائية، إلا أنها كانت تحتوي على المقومات الأساسية اللازمة لقيام الحضارة، وقد استطاع المصريون القدماء الذين استوطنوا هذه الأرض، بما تميزوا به من فطنة وجد واجتهاد، أن يتغلبوا على الطبيعة، ويقيموا حضارة أبهرت العالم قديمًا وحديثًا.
فالمصريون القدماء هم الذين أشعلوا شرارة الحضارة الإنسانية، وابتكروها ابتكارًا.. فهم – حسب بعض الآراء- أول من أقاموا دولة موحدة تسيطر عليها حكومة مركزية، ويسودها قانون عادل، وكانوا أول من اهتم بالعلم والفن والأدب والثقافة، وعرفوا مبادئ الكتابة، وكونوا الجيوش، وبنوا الأساطيل، وكونوا أول إمبراطورية في التاريخ امتدت في آسيا وأفريقيا، وعقدوا أقدم معاهدة سلام مع ملوك الجوار، وكانت من منطلق القوة العسكرية لمصر في عهد الملك رمسيس الثاني.
وقد تعرضت هذه الحضارة العظيمة بعد ذلك لغزو الفرس عام 525 ق.م.، واستمروا يحكمون البلاد حتى نهاية الأسرة الثلاثين الفرعونية. وفي عهد الإسكندر الأكبر أصبحت الإسكندرية هي عاصمة العالم القديم، وسيدة البحار، وتفوقت علميًّا وحضاريًّا وعسكريًّا، وكانت سياستها موضع النظر والتأويل من سائر بلاد العالم المعروف حينئذ.. ثم تعاقب على حكمها بعد ذلك الرومان، حتى جاء الفتح الإسلامي على يد عمرو بن العاص، وخلصها من أيديهم عام 641 م.
ويُعد الفتح الإسلامي لمصر نقطة تحول كُبرى في تاريخها، إذ انتشر في ربوعها الإسلام وسادت اللغة العربية، وتغيرت شخصيتها، فأصبحت شخصية مصرية عربية إسلامية، واندمجت في الدولة الأموية ثم العباسية، واشتركت معها في المحافظة على الإسلام، وفكره وثقافته ولغته العربية، وأصبحت قِبلة لطلاب العلم يفدون إليها من مختلف بلاد الإسلام.
وتمر السنون، ويتطلع الفاطميون الذين أقاموا دولتهم في بلاد المغرب للاستيلاء على مصر، وإقامة مملكتهم الفاطمية على أرضها، نظرًا لموقعها الاستراتيجي والجغرافي والسياسي، ومواردها الاقتصادية الضخمة.. ثم لم تلبث أن توسعت إقليميًّا في مجالها الآسيوي، وتحولت إلى دولة منافسة للخلافة العباسية في العراق.
وفي عهد الدولة الأيوبية، التي كانت قاعدتها القاهرة، نهضت مصر بمسؤولياتها العربية والإسلامية، وأخذت على عاتقها الدفاع عن بيضة الإسلام، فتوحدت تحت راياتها بلاد الشام والعراق، وخرج منها بطلها صلاح الدين بالجيش المصري، واستطاع أن يُنزل بالصليبيين هزيمة مدوية في معركة “حطين”.
ومن المفارقات أن المماليك، وهم من أصول تركية، أقاموا فيها أكبر إمبراطورية إسلامية، ضمت بلاد النوبة والحجاز والشام وبرقة، وحققت وزنًا في السياسة العالمية، وفرضت نفسها على أوربا تمامًا، واعترفت بها كل دول العالم الإسلامي قاطبةً، ابتداءً من المغرب حتى الهند. وقد جاءت هذه السيادة وهذا التفرد لما قدمته مصر في عهد المماليك من خدمات جليلة للعالم الإسلامي، خاصةً وأنها حمته من هجمات المغول، وأوقفت هذا السيل العارم، في معركة “عين جالوت”.
وفي العصور الحديثة، وفي عهد مؤسس الدولة الحديثة “محمد علي”، تحولت مصر من ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية إلى إمبراطورية كبيرة مستقلة عن الدولة العثمانية.. وضمت إليها؛ الشام، والحجاز، واليمن، ونجد، وسواحل الخليج العربي، والسودان، وكريت، وكانت تمتلك أسطولًا كبيرًا يجوب البحرين، الأحمر والمتوسط.
فمصر، بشخصيها المتميزة وتاريخها العريق، لها وزن لا يُجهل في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، وتمثل الأخ الأكبر للعائلة العربية الكبرى.
أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق