معاركنا الثقافية والسوشيال ميديا
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 10 مايو, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 10 مايو, 2023
معاركنا الثقافية والسوشيال ميديا
أنا من هواة السوشيال ميديا، ولديَّ فائض من الوقت، فأنا لا أستطيع أن أقرأ كتبا لأكثر من ثلاث ساعات كل يوم، أو أن أكتب لأكثر من ثلاث ساعات أيضا. لقد صارت السوشيال ميديا نافذتي لمعرفة ما يجري حولي، بعد أن تأخرت الصحة عن أن تسمح بالخروج إلى المقاهي، وبعد أن صارت الصحف المصرية نسخة مكررة تقريبا.
أحيانا تصيبني قفلة الكاتب ولا أكتب، فلا أتضايق من ذلك، بل أقول لنفسي: لقد كتبت كثيرا في رحلتك فلا تتعجل، ثم إنك سترحل، ولا تريد شيئا لما بعد رحيلك، كما لم ترد شيئا في حضورك غير متعة الكتابة، التي ساعدتك على نسيان ما حولك من آلام، أو حتى آثام، وما أكثرها. إذ يمكن جدا في مصر أن لا تمتلك حرية المشي في شارع واحد، لكنك بالكتابة طفت في المدن والشوراع والصحاري والحدائق والبحار، ولم تدفع لأحد قرشا واحدا؛ ولا قابلك أحد أثناء الكتابة، وقال لك “قف هنا، لا تتحرك” .. أو قال “التزم بإشارة المرور” .. أو قال “من أنت؟ وأين أوراقك الثبوتية؟”.. أو كاد يقضي عليك بدراجته البخارية! .
إن ما أراه أمامي من معارك يجعلني دائما أسأل نفسي: هل لدينا قضايا ثقافية حقا؟. هل استطاع الكتّاب أن يخرجوا مما يقرأون بملامح فينه للكتابة الجديدة؟.
قليل هو ما أجده يبعث على الرضا، في السياسة، على السوشيال ميديا. ومعظم الناس غاضبين لأسباب أعرفها وأعيشها.. أحيانا أتفاعل معهم، وكثيرا ما أسكت وأكتفي بتعليق واحد، لأني أكتب في ذلك المقالات، وهذا أفضل.
في الثقافة والأدب طال الوقت الذي لم أجد فيه معركة أدبية حول فكرة أو تيار أدبي.. أجد معارك شخصية مع دور نشر فلا أدلي فيها برأي، وأنا الذي عشت عمري رافعا شعار أن للناشر حرية النشر أو عدمه، كما للكاتب حرية الكتابة؛ ويمكن للكاتب حين ترفض أو تعتذر دار نشر أو صحيفة، فلا تنشر له كتابا أو مقالا، أن يتجه في صمت إلى أخرى، فالعالم واسع فسيح الأرجاء.
كذلك كثيرا جدا ما أقرأ رأيا سلبيا في كاتب كبير أصدر عشرات الكتب الأدبية الهامة، لأنه أبدى رأيا لم يعجب صاحب الرأي السلبي، فاعتبره هذا الدليل النهائي لإدانة الكاتب، أو اختزله فيه، متصورا أنه هكذا دفن كل كتبه. أو أجد اتهامات للنقاد بالتحيز والمحسوبية والاهتمام بالكاتبات أكثر من الكتاب، أو ما نسميه بالشللية، هكذا بالجملة، ولا أريد أن أعطي أمثلة، فالمسألة صارت ملمحا عاما. وهكذا فإن ما أراه أمامي من معارك يجعلني دائما أسأل نفسي: هل لدينا قضايا ثقافية حقا؟. هل استطاع الكتّاب أن يخرجوا مما يقرأون بملامح فينه للكتابة الجديدة؟. ما أقرأه معظمه عن موضوعات الكتابة، وليس شكلها، وهذا بالطبع له قيمته، لكن تطور الفنون هو في الأشكال أكثر مما هو في موضوعاتها.. ربما يحتاج هذا وقتا، ومن ثم فالعذر موجود، خاصة مع سيل الإبداع.
لكن، تدهشني الشتائم الشخصية، وأتذكر معارك ثقافية مثل معركة العقاد والمازني، وعبد الرحمن شكري مع أحمد شوقي والشعر التقليدي، ومعركة يحيى حقي وجماعة المدرسة الحديثة لتخليص القصة القصيرة من الحكي الذي بلا معني والاهتمام بالشكل والإيجاز، ومعركة عبد العظيم أنيس ومحمود العالم، وكانا من اقطاب الماركسية، لتدشين فكرة الفن للمجتمع وليس الفن للفن، وكذلك معركة العقاد مع أنصار الشعر الحر، ومعركة أنصار الشعر الحر مع قصيدة النثر، ومعركة كتاب الستينيات مع من سبقوهم في شكل الكتابة.. كلها معارك أثرت حياتنا الأدبية، ولم تشهد ألفاظا شخصية نابية من أي طرف؛ وكانت القراءة في هذه المعارك وراء فهمي للأدب والفن وتطوره. وقس على ذلك معارك المجددين في السينما أو المسرح أو الفن التشكيلي، فكلها كانت تبحث عن شكل جديد للإبداع، ولم تستخدم ألفاظا نابية ضد أحد ممن ثارت على طريقة وشكل إبداعهم. هذه هي الفائدة التي تعود على القارئ، وتكون أكبر حين يكون القارئ موهوبا يبحث عن طريق للكتابة، فيعرف كيف يضع قدمه عند ما انتهي إليه التجديد، ولا يبدأ من الصفر.
ما الفارق بين تلك الأزمنة وزمننا هذا؟. لاشك أنها السوشيال ميديا، فهي شجعت علي الشتائم، وعلى تقديم الآراء باعتبارها نهائية لا تقبل الجدل. لكن السؤال: هل تكسب الثقافة من الشتائم؟!. كل المعارك السابقة، رغم أهميتها، صارت جزءا من التاريخ، وبقي إبداع الكتاب؛ فهل ستعيش الشتائم؟. لا ينتبه أحد أنه بالسرعة نفسها للسوشيال ميديا التي أغرتهم بالشتائم، ستختفي الشتائم، وسينشغل رواد المواقع بغيرها، للتسلية أو بما هو أفضل للمعرفة.. إغراء الفيديوهات أو التعليقات لا يعني أن تشتم، لكن لك أن تقول رأيا إذا كان لديك رأي؛ ولا تعتبر رأيك نهائيا، وإلا توقفت الحياة.. “اللايكات”،مع ما تثيره من إغراء، ليست دليلا على حسن ما يقول الشتام، فكثيرا ما يأتي تسجيل اللايك “الإعجاب” من أناس لم يقرأوا كلامه كاملا، أو لم يتابعوا الفيديو أصلا. السوشيال ميديا مجال واسع للمجاملات، والمؤلم أن هذه الفيديوهات والتعليقات تكون مصدر ثقافة لكثير من الشباب، الذين صارت السوشيال ميديا حقل ثقافتهم.
أشياء كثيرة يمكن قولها لتفسير ما يحدث، وكلها تتنافي مع الحقيقة التي آمنت بها في الإبداع، وهي أنني معه أحصل على المتعة الكبرى، التي تغنيني عن أي صراع شخصي.
هل يمكن أن نجد إجابة على السؤال: لماذا يحدث ذلك؟. ربما هي حالتنا العامة، فالآفاق مغلقة أمام الديموقراطية والتطور، والحياة التي نعيشها تزداد صعوبة كل يوم، لكن هذا لا يشمل الشتامين فقط، بل والمشتومين أيضا. أي كلنا أبناء هذه المرحلة، ولا يجب أن يكون التميز بالشتائم.
هل هي الإزاحة النفسية؟. فما تفعله الدولة من تجريف للثقافة المادية، بقطع كثير من الأشجار أو حجب بعض الشواطئ، يتحول غضبنا منه إلى الآخرين، لمجرد أنهم لم يفعلوا ما يريد البعض من نشر كتاب أو مقال؛ ونادرا ما أقرأ لمن يستخدمون الشتائم رأيا في السياسة. هل هي الجوائز التي ينتظرها الكثيرون ولا تأتيهم، فتكون فكرة المؤامرة عليهم طريق نجاة، كما تقول الدولة عن أسباب تعثرها؟. هل هو فشل ثورة يناير، وعادة بعد أن تفشل الثورات تنفتح كل البلاغات؟. هل هي الديكتاتورية التي تمنعك أن تفرد ذراعيك في الفضاء، فتوجهها إلى من أمامك لأبسط الأسباب؟.
أشياء كثيرة يمكن قولها لتفسير ما يحدث، وكلها تتنافي مع الحقيقة التي آمنت بها في الإبداع، وهي أنني معه أحصل على المتعة الكبرى، التي تغنيني عن أي صراع شخصي.
لم يمنعني قط من الكتابة عن أحوالنا العامة، أني رأيت كل ما كتبته ذهب في الفضاء.. أعود إلى الوجودية وعبث الحياة، أو إلى زينون الإيلي، الذي كان أحد الفلاسفة قبل سقراط، حين قال ببراهين شكلية إنه لا توجد حركة ولا مكان ولا زمان. أو إلى ما قاله بطل رواية الغريب لألبير كامي في بدايتها: “اليوم ماتت أمي، ربما أمس. أنا لا أعرف”.. أرتاح إليها، وعلى عكس ما يتوقع أحد، بهما أنسى ماحولي واستمر في الكتابة. وهذا لا يمنع أني، في يوم من الأيام، كتبت خطابات لأعداء لعنتهم فيها، لكني مزقتها ولم أرسلها لأحد، بعد أن أخذت معها نفثة الغضب، وجلست إلي مكتبي أكتب وأستمع إلى الموسيقي تسبح بي مع الكتابة في الفضاء.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق