من يعاقب بايدن؟

بواسطة | يناير 27, 2024

بواسطة | يناير 27, 2024

من يعاقب بايدن؟

تحاول هذه المقالة إلقاء نظرة على دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل في ظل النزاع الدائر في قطاع غزة. يستكشف المقال تاريخ التورط الأميركي في حروب وأزمات المنطقة، ويسلط الضوء على التحديات الأخلاقية التي يواجهها بايدن بسبب دعمه لإسرائيل وتورطه في الأحداث الجارية.

بايدن.. ودوره التاريخي

عندما غزا جورج دبليو بوش العراق عام ٢٠٠٣، وقف العالم كله ضده، ورغم ذلك فقد رفض الاستماع وأكمل طريقه وغزا العراق ودمّره.. ذهبت القوات الأميركية إلى العراق وقتلت الآلاف من الأبرياء، ورغم ذلك فإن بوش لم يحاسبه أحد على جرائمه في العراق، ولم يواجه أية محاكمة، سواء محلية أم دولية، وهو الآن يستمتع بتربية الأبقار والخيل في مزرعته بولاية تكساس.

وقبل ذلك بثلاثة عقود، غزَت أميركا فيتنام وأوقعت عشرات الآلاف من القتلى هناك، في حرب عبثية استمرت لسنوات، ورغم ذلك أيضا لم يحاسَب الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون، ولا من سبقه من الرؤساء الذين ورّطوا أميركا في تلك الحرب، التي سقط فيها ما يقرب من ستين ألف جندي أميركي.

على مدار أربعة أشهر، تورطت الولايات المتحدة بشكل كامل في واحدة من أكثر الحروب دموية في القرن الحديث؛ وهي الحرب الهمجية والدموية والعبثية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، معظمهم من الأطفال والنساء. فقد أمدّت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إسرائيلَ، ولا تزال، بآلاف الأطنان من القنابل والذخائر وبعشرات الآلاف من الصواريخ المجنحة وغير المجنحة، وبالمدرعات وبأجهزة التجسس والكاميرات الليلية وطائرات الدرونز وغيرها، ناهيك عن الدعم الدبلوماسي والسياسي غير المحدود، وربما غير المعهود، ما يجعل واشنطن شريكة بشكل كامل في جرائم الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.

يعتقد بايدن أن دعمه لإسرائيل هو بمثابة التزام شخصي وتاريخي؛ فحسب منطقه ورؤيته، لا يمكن التخلي عن إسرائيل كحليف استراتيجي خلال هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الدولة العبرية، التي تواجه – لأول مرة منذ قيامها- خطرا وجوديا حقيقيا؛ وهو ما قاله صراحة العديد من الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين، على رأسهم مجرم الحرب بنيامين نتانياهو، الذي يخوض حربا همجية هربا من المصير الأسود الذي ينتظره بعد توقفها. وهو أيضا يرغب في مساعدة إسرائيل من أجل استعادة هيبتها التي سقطت وتبعثرت بعد السابع من أكتوبر، وقد سقطت معها هيبة أميركا باعتبارها الحليف الأهم والداعم الأساسي لتل أبيب؛ كما أنه يسعى لمعاقبة المقاومة الفلسطينية التي أربكت كل خططه للشرق الأوسط، وفي مقدمتها توسيع التطبيع مع الدول العربية من أجل دمج إسرائيل في المنطقة، ولو على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها الحق في إقامة دولة مستقلة على حدود ١٩٦٧.

بكلمات أخرى، فإن بايدن حريص على ألا يذكره التاريخ، في أميركا، باعتباره الرئيس الذي لم يقدم الدعم لإسرائيل أثناء واحدة من أهم الحروب التي تخوضها منذ إنشائها قبل خمسة وسبعين عاما؛ لذلك فهو يغامر بكل شيء من أجل ضمان نجاح إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وعلى ما يبدو فهو لا يعبأ بالتكلفة السياسية الكبيرة التي قد يتحملها نتيجة لذلك، خاصة في الانتخابات المقبلة والتي من المتوقع أن يخسرها أمام خصمه اللدود، دونالد ترامب، الذي يستعد على قدم وساق من أجل العودة للبيت الأبيض.

ولكن، ما الذي سيحدث إذا أُدينت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية؟ وهل تصل الإدانة إلى بايدن أيضا باعتباره الداعم الأساسي لجرائم إسرائيل في قطاع غزة؟ وهو سؤال مهم يطرح نفسه في ظل الدعوى الحالية التي تقدّمت بها دولة جنوب إفريقيا والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.. صحيح أنه من المبكر معرفة ما إذا كانت المحكمة سوف تدين إسرائيل أم لا، ولكن وصول القضية إلى المحكمة هو بحد ذاته فضح لإسرائيل، ولأميركا التي لا تزال حتى هذه اللحظة تدافع عن إسرائيل، ولا تعتبر ما تقوم به ضد الفلسطينيين إبادة جماعية.

أما إذا حكمت المحكمة لصالح الفلسطينيين فستكون هذه لحظة غير مسبوقة في تاريخ أميركا، حيث ستقع الإدانة الأخلاقية والإنسانية أيضا لإدارة بايدن، وبذلك سوف يدخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس أميركي يموّل ويدعم ويساعد على الإبادة الجماعية للفلسطينيين بشكل علني. وحتى إذا لم تقم المحكمة بإدانة إسرائيل، فإن التاريخ قد أصدر حكمه بالفعل على بايدن باعتباره الرئيس الأكثر تواطؤا وانحطاطا أخلاقيا وإنسانيا، وذلك بسبب تورطه في تلك الإبادة؛ ويكفي أن نتابع المظاهرات الأسبوعية في كافة أنحاء العالم من إندونيسيا إلى العاصمة الأميركية واشنطن، والتي تدين بايدن وتحمله المسؤولية عن الجرائم والفظائع التي تُرتكب بحق المدنيين الأبرياء في فلسطين.

وفي كل الأحوال، فإن بايدن بتقديمه الدعم الأعمى لإسرائيل، سوف ينضم لقائمة طويلة من الرؤساء الأميركيين الذين لطخوا أياديهم بالدماء قبل رحيلهم من السلطة، وذلك بتورطهم في قتل آلاف الأبرياء، دون أي سند أخلاقي أو قانوني أو إنساني.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...