من يعلّق الجرس في رقبة أميركا؟  

بواسطة | مايو 29, 2024

بواسطة | مايو 29, 2024

 من يعلّق الجرس في رقبة أميركا؟  

يحكى أن مجموعة من الفئران اجتمعت لتبحث سبل التخلّص من القط الذي يقض مضاجعهم ويفتك بصغارهم، ويطارد كبارهم، وفي نهاية النقاش اقترح أحد الفئران أن يعلّقوا جرساً في رقبة القط، حتى يسمعوا صوته كلما اقترب منهم، فيفروا قبل أن ينقضّ عليهم، فاستحسن الجميع الفكرة، ثم لم يلبث أن صاح أحدهم قائلاً: فكرة رائعة، ولكن من سيعلّق الجرس؟ جثث النساء والأطفال التي مزقتها حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية على قطاع غزة، لتختفي تحت ركام الدمار، حرّكت الدماء الساكنة في دولة جنوب أفريقيا، التي عانت عقوداً طويلة من نظام الفصل العنصري، لتخطو بجرأة وثبات كي تعلّق الجرس في رقبة دولة الكيان الصهيوني بتقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية تتهمه فيه بارتكاب الإبادة الجماعية الشاملة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، غير مكترثة لردود فعله أيّاً كان نوعها ومدى تأثيرها، ضاربة بذلك المثل الأعلى في الشهامة والشجاعة والإنسانية والانتصار للحق والعدل مهما كانت قوة الظالم وجبروته. فمن يعلق الجرس في رقبة الولايات المتحدة الأميركية؟

لماذا تسترخص الدول التي انتهكت الولايات المتحدة سيادتها؛ دماء شعوبها، ودمار بنيانها، ونهب خيراتها، ولا تقوم بما يجب عليها لمحاكمة الولايات المتحدة في المحاكم العدلية الدولية، دفاعاً عن شعوبها ومقدراتها.

جرائم متسلسلة

على مدى الـ٨٠ عاماً ماضية، تسببت الولايات المتحدة الأميركية في قتل وإصابة عشرات الملايين من البشر في العديد من دول العالم، من كوريا إلى قطاع غزة، مروراً بفيتنام والعراق وأفغانستان والصومال وبكستان واليمن،.. بعيداً عن الحرب العالمية الثانية وما جرّته على العالم من ويلات، وما شهدته من استخدام للقنابل النووية لأول مرة في تاريخ البشرية، من أجل إعادة بناء النظام العالمي وإحكام السيطرة عليه. وكل ذلك يتم تحت مزاعم واهية مخادعة لا يعترف بها أحد سوى الولايات المتحدة وحلفاؤها، عناوينها مصالح الشعوب ومحاربة الإرهاب وحماية الحلفاء والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في الحرب الكورية التي امتدت لثلاث سنوات في الفترة ١٩٥٠-١٩٥٣م؛ قتل أكثر من ١،٢ مليون جندي من الكوريين والصينيين والأميركيين وقوات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى أكثر من ٦٠٠ ألف مدني من كوريا الشمالية، وأكثر من مليون مدني من كويا الجنوبية.

وفي حرب فيتنام (١٩٥٤-١٩٧٥م) بلغ عدد القتلى والوفيات أكثر من ١،٣ مليون جندي من بينهم حوالي ٢٨٠ ألف جندي أميركي، بالإضافة إلى أكثر من ٦٠٠ ألف قتيل من المدنيين الفيتناميين.

وعلى مدى الـ٢٠ عاماً، التي أعقبت هجمات ١١ سبتمبر/ أيلول ٢٠٠١ في مدينة نيويورك، قتل أكثر من خمسة ملايين عربي ومسلم في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال واليمن، العدد الأكبر منهم من الأطفال، قتلوا بسبب الآثار غير المباشرة المصاحبة للحرب، والذين يقدّر عددهم بنحو 3,٧ مليون إنسان.

أما في العراق وحدها، فقد قتل منها أكثر من مليون شخص في الحرب التي شنّها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عام ٢٠٠٣م لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين بحجة كاذبة مفادها امتلاك أسلحة الدمار الشامل، عدا عن أكثر من ٥٠٠ ألف طفل قضوا بسبب المرض ونقص الغذاء تحت الحصار الأميركي-البريطاني في تسعينيات القرن الماضي. ولا يزال العراق حتى اليوم يتخبط في جراحه ويعجز عن إيقاف دمائه المهدورة في الصراعات الطائفية والأيديولوجية والفساد المستشري والأجيال المغدورة التائهة، رغم مرور أكثر من ٢٠ عاماً على سقوط نظام صدام حسين.

عشرات الملايين من القتلى والجرحى، فضلاً عن الآثار الهائلة المدمرة لحروب الولايات المتحدة في العديد من دول العالم، تنتظر من يطالب بحقها ويعلّق الجرس في رقبة الولايات المتحدة، أسوة بما قامت به دولة جنوب أفريقيا.

وقت الحساب

لا يقف الأمر عند هذا الحد، فهناك عشرات الملايين من الجرحى والمعاقين والمرضى والمكلومين، فضلاً عن الآثار الهائلة المدمرة لهذه الحروب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والحضاري وتدمير حاضره الدول وتعطيل مستقبلها، فلا تستطيع القيام بعدها، حتى لو خضعت لهيمنة. الولايات المتحدة واستجابت لكافة مطالبها وشروطها.

وها هي الولايات المتحدة، تساند الكيان الصهيوني المرة تلو المرة على حساب الشعب الفلسطيني وعلى حساب المواثيق والقوانين الدولية، وتشترك معه في أبشع حرب إبادة جماعية عرفها التاريخ، استباح فيها الكيان الصهيوني كل شيء أمام نظر العالم أجمع، بغطاء عسكري واقتصادي وسياسي وقانوني كامل من الولايات المتحدة التي تصرّ على حقه في الدفاع عن النفس، وعلى أنه لا يقوم أثناء ذلك بأي مخالفات للقانون الدولي والإنساني. بل ذهب بعض المشرعين في مجلس النواب إلى التصريح بحق الكيان الصهيوني باستخدام القنابل النووية في وجه التهديد الوجودي الذي تمثله المقاومة الفلسطينية التي تقاتل من أجل استعادة حقوقها المشروعة.

فلماذا تسترخص الدول التي قامت الولايات المتحدة بانتهاك سيادتها؛ دماء شعوبها، ودمار بنيانها، ونهب خيراتها، ولا تقوم بما يجب عليها لمحاكمة الولايات المتحدة في المحاكم العدلية الدولية، دفاعاً عن شعوبها ومقدراتها؟

إن الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وسائر الدول الاستعمارية الغربية، لا يغضّون الطرف عن أي نسمة تؤذي فرداً واحداً من شعوبها، أو تمس بسوء جانباً من جوانب مصالحها المترامية، وجميعنا يتذكّر جيداً التعويضات التي قدمتها ليبيا لأهالي ضحايا طائرة بان أم التي انفجرت فوق لوكربي الأسكتلندية عام ١٩٨٨م وعددهم ٢٧٠ شخصاً، وقد بلغت التعويضات ٢،٧ مليار دولار، بما يعادل عشرة ملايين دولار لكل شخص قضى في هذه الحادثة. ولا تزال ألمانيا تدفع لدولة الكيان الصهيوني تعويضات عن ضحايا المحرقة النازية المشكوك فيها جملة وتفصيلاً.

فلماذا تستهين الدول المنكوبة بدماء شعوبها، وتسكت عن حقوقها، ولا تطالب بمحكمة المجرمين الذين أذاقوا شعوبها الويلات، وتطالب بالإدانة الشاملة والتعويض الكامل عن كافة الكوارث البشرية والبنيوية التي أصابتها.

لماذا لا تتحرك كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان والصومال واليمن وغيرهم، ليعلّقوا الجرس في رقبة الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الاستعمارية، على غرار ما قامت به جنوب أفريقيا؟ أعتقد أن الفرصة متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى لتقوم هذه الدول بذلك، وسيكون تأثيره كبيراً على الولايات المتحدة والدول الاستعمارية من بعدها إذا تمّ تشكيل منظمة للدول المتضررة، لتحمل الجرس وتعلقه في رقبة الولايات المتحدة، ولا تتركه حتى تحصل على كافة التعويضات. فهل تفعل؟

 (يتبع)

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...