مواطن ضعف إسرائيل في حربها على غزة

بواسطة | أكتوبر 17, 2023

بواسطة | أكتوبر 17, 2023

مواطن ضعف إسرائيل في حربها على غزة

أعلنت إسرائيل أن هدف الحرب التي أعلنتها على المقاومة في قطاع غزة، في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها كتائب الشهيد عز الدين القسام، يتمثل في “محو” حركة حماس؛ وعلى الرغم من الصياغة الفضفاضة لهذا الهدف فذلك يعني أن إسرائيل ستحاول استغلال الحرب لإسقاط حكم حركة حماس وتدمير بُناها العسكرية والتنظيمية.
وفي مسعاه لتحقيق هذا الهدف ينفذ جيش الاحتلال حرب إبادة شاملة، تتمثل في تدمير أحياء سكنية كاملة على رؤوس قاطنيها، فضلا عن تدمير المؤسسات والمرافق العامة والخاصة؛ إلى جانب ممارسة سياسة التجويع والتعطيش، عبر وقف إمدادات الماء والغذاء والدواء والكهرباء؛ ومن جهة أخرى يحاول جيش الاحتلال جاهدا تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من غزة لضمان انكشاف مقاتلي “كتائب عز الدين القسام”، لكي يتسنى له استنفاد الطاقة الكامنة لقدراته الهجومية خلال الحرب.. لكن على الرغم من ذلك كله فإن فرص تمكُّن جيش الاحتلال من تحقيق أهداف إسرائيل في الحرب منعدمة تماما.
فإسقاط حكم حركة حماس والقضاء على بنيتها العسكرية والتنظيمية، يتطلب تنفيذ عملية برية واسعة النطاق في عمق القطاع؛ ولئن كانت تقديرات جيش الاحتلال خلال حرب 2014 أن تنفيذ عملية برية في عمق قطاع غزة سيفضي إلى مقتل المئات من جنود الاحتلال، فإنه يمكن الافتراض أن قدرات حركة حماس العسكرية الهجومية والدفاعية، التي تطورت بشكل كبير منذ ذلك الوقت، ستمكِّن “كتائب القسام” من قتل عدة آلاف من ضباط وجنود الاحتلال، فضلا عن أن هناك تخوفات إسرائيلية من أن تتمكن حماس من أسر المزيد من الجنود خلال الحرب.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الكبير وغير المسبوق من القتلى والجرحى في “طوفان الأقصى”، فإنه يمكن القول إن المجتمع الإسرائيلي الواقع تحت تأثير الصدمة لن يتمكن من تحمل دفع المزيد من الأثمان خلال العملية البرية؛ فقد تواترت الدراسات التي أجرتها مراكز التفكير الإسرائيلية، والتي دللت على تهاوي مستوى الاستعداد للتضحية لدى الإسرائيليين، وهذا ما يفسر تجنب معظم الشباب الإسرائيلي التطوع للخدمة في الألوية والوحدات القتالية، وتفضيلهم الالتحاق بوحدات السايبر والحوسبة والأمن الجاري، لتجنب التعرض للخطر في المعارك والمواجهات.
أما التحدي الآخر الذي سيعيق قدرة القيادتين السياسية والعسكرية في تل أبيب على إدارة الحرب، فيتمثل في قضية الأسرى الصهاينة لدى حركة حماس، الذين باتت عوائلهم تضغط على حكومة نتنياهو للعمل على إعادتهم بأسرع وقت ممكن؛ ومما يحفز عوائل الأسرى على تكثيف ضغوطها حقيقة، أنها تخشى أن يقتل هؤلاء الأسرى نتاج القصف الكثيف الذي ينفذه جيش الاحتلال في جميع أرجاء القطاع.
إلى جانب ذلك، فإن تعاظم وتيرة المجازر التي ينفذها جيش الاحتلال في القطاع يمكن أن يفضي إلى اشتعال ساحات أخرى، مثل ساحة الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل، فضلا عن أن ذلك يمكن أن يقود إلى تفجر مواجهة مع حزب الله. وحسب ما أكده مجددا الجنرال إسحاك بريك، القائد السابق لقوات المشاة في جيش الاحتلال، فإن هذا الجيش لن يكون بوسعه خوض مواجهة على ساحات متعددة؛ ما يعني أنه سيتكبد هزيمة مهينة أخرى في حال أسفرت جرائمه عن تفجر ساحات أخرى.
من ناحية ثانية تحوز إسرائيل في حربها على غزة حاليا على دعم كبير وغير مسبوق من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فضلا عن المنظمات اليهودية المؤثرة في جميع أرجاء العالم؛ لكن قدرة هذه الأطراف على مواصلة الدعم غير المشروط ستتقلص حال تواصُل المجازر ضد المدنيين العزل، من نساء وأطفال وشيوخ، حيث إن ما تنقله حاليا شاشات التلفزة سيؤثر على متانة الدعم الغربي لإسرائيل.
في الوقت ذاته، فإنه على الرغم من التأييد الأمريكي غير المتحفظ لإسرائيل في عدوانها، لا يمكن إغفال أن هناك تباينا في المصالح بين الجانبين؛ وصحيح أن الولايات المتحدة دشنت جسرا جويا لنقل المساعدات العسكرية لجيش الاحتلال لتمكينه من مواصلة العدوان، فضلا عن إرسالها حاملة طائرات إلى المنطقة لردع أطراف أخرى من الانضمام إلى المواجهة، إلا أن إدارة الرئيس جون بايدن فعلت ذلك لتجنب نشوب حرب إقليمية وليس لاستدعائها؛ فواشنطن تعي أن اندلاع حرب إقليمية سيصب في صالح روسيا وسيحسن من قدرتها على مواصلة حربها ضد أوكرانيا في ظروف مثالية. من هنا، فإن لواشنطن مصلحة في تقليص أمد المواجهة، أو على الأقل ضمان عدم انتقالها إلى ساحات أخرى.
كما تهاوى رهان إسرائيل على ظهور موقف عربي رسمي مساند لها ومعادٍ لحركة حماس، بفعل ردة الفعل الجماهيرية العارمة المساندة للمقاومة والمحتفية بنتائج “طوفان الأقصى”؛ فباستثناء الإمارات والبحرين اللتين انتقدتا حماس، رفضت الدول العربية توجيه انتقادات للحركة ودعت إلى وقف العدوان، فضلا عن حثها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين من غزة؛ وقد سجلت السعودية موقفا لافتا مع إعلان العديد من وسائل الإعلام أنها جمدت الاتصالات المتعلقة بالتطبيع بينها وإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن استفحال الانقسام الإسرائيلي الداخلي بعد “طوفان الأقصى”، سيقلص من قدرة الجيش والحكومة في تل أبيب على إدارة المعركة؛ فقد تعاظمت الانتقادات التي بات الجمهور الإسرائيلي يوجهها للحكومة وقيادة الجيش بسبب فشلهما في إحباط “طوفان الأقصى، وزادت المطالبات باستقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حيث يتم اتهامه بأنه أسهم بشكل حاسم في تبديد مقومات القوة الإسرائيلية بفعل طرحه خطة “التعديلات القضائية”، التي أججت الانقسام الداخلي وعمقت الصدع المجتمعي، الذي انعكس على وحدة الجيش؛ فقد أعلن الآلاف من الضباط والجنود عن رفضهم أداء الخدمة العسكرية احتجاجا على التعديلات القضائية، ما أثر على كفاءة الجيش واستعداده للحرب. وسيُفاقم اتساع الانقسام الداخلي والصدع المجتمعي من إرباك القيادة السياسية في تل أبيب، حيث بات كثيرون في إسرائيل ينزعون الشرعية عن حكومة نتنياهو.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

عباس محمود العقاد.. ساعات بين الكتب

عباس محمود العقاد.. ساعات بين الكتب

كنتُ أهاتف الشيخ عبد الوهاب الطريري ونتحدث عن الكتب وشؤون المطابع وقصص من حياة المؤلفين.. والنقاش مع الشيخ الطريري ممتع ومفيد ومليء بالفوائد، فهو يتذوق القصة الجميلة، ويطرب للعبارة الحلوة، ويتأمل في حياة المؤلفين والكُتَّاب، وكمْ حدَّثني عن مقالات الزيَّات وعصر مجلة...

قراءة المزيد
عن الذين لا يعرفهم عمر!

عن الذين لا يعرفهم عمر!

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة. قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟ ‏فعد السائب أسماء من...

قراءة المزيد
حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
Loading...