موقف الإمام عبد الحميد بن باديس الدعوي من الشرك ومظاهره
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 18 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
-
إنهم يلعبون بنا (2)
للأسف، لم يبالغ "إدوارد برنايز" حينما أكد أن...
-
مسلسل تحجيم مصر.. عرض مستمر
في سبتمبر/ أيلول عام 2010 تعرضت صحيفة الأهرام...
-
الحلم العربي
تخيل الدول العربية قد اتفقت على تكوين جيش عربي...
مقالات منوعة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 18 أغسطس, 2023
موقف الإمام عبد الحميد بن باديس الدعوي من الشرك ومظاهره
انتهج الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس في دعوته منهجا يوافق الفكر الإصلاحي في البعد والغاية، وإن كان له طابع خاص في السلوك والعمل، يقوم على إصلاح عقيدة الجزائريين بالدرجة الأولى، ببيان التوحيد الذي يمثّل عمود الدعوة، وما يضادّه من الشرك، ذلك لأن التوحيد هو غاية إيجاد الخلق، وإرسال الرسل، وهو دعوة المجددين في كل العصور والأزمان؛ لذلك كانت دعوته قائمة على التحذير من الشرك ومظاهره، ومن بدعة التقليد الأعمى.
فقد أوضح الشرك أيَّما توضيح، وتتبع مظاهره في المجتمع، وحذر منه أيما تحذير؛ لأن الشرك ينافي التوحيد، ولا يكون الإنسان موحدا لربه التوحيد الكامل، إلا إذا اجتنب الشرك بكل مظاهره، فعند تفسيره قوله: {لا تجعل مع اللَّه إلها آخر فتقعد مذموماً مخذولاً *} [الإسراء: 22]، قال: فنهى الله الخلق كلهم عن أن يعتقدوا معه شريكا في ألوهيته فيعبدوه معه، ليعتقدوا أنه الإله وحده فيعبدوه وحده، وبيَّن لهم أنهم إن اعتقدوا معه شريكا وعبدوه معه؛ فإن عبادتهم تكون باطلة وعملهم يكون مردودا عليهم، وأنهم يكونون مذمومين من خالقهم ومن كل ذي عقل سليم من الخلق، ويكونون مخذولين لا ناصر لهم؛ فأما الله فإنه يتركهم وما عبدوا معه، وأما معبوداتهم فإنها لا تنفعهم لأنها عاجزة مملوكة مثلهم فما لهم ـ قطعا ـ من نصير.
وفي الإطار نفسه، جاء كلامه عندما تعرض لشرح حديث ثوبان الذي رواه الإمام الترمذي في صحيحه، والذي وصفه تحت عنوان مُعبر جدا وهو: «الشرك والوثنية ودعوى النُّبوة»، ونصه: «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذَّابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي»؛ فقد تعرَّض إلى إمكانية وقوع المسلمين في الشرك والوثنية، ولذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحذر المسلمين كثيرا من الوقوع في الشرك، ويدعوهم إلى اجتناب أسباب ذلك. ثم كتب ابن باديس كلاما نفيسا تحت عنوان: (اللحوق بالمشركين) جاء فيه:
«من اعتقد مثل عقيدتهم، أو فعل مثل أفعالهم، أو قال مثل أقوالهم، فقد لحق بهم؛ وقد يكون اللحوق تاما مخرجا عن أصل الإسلام، وقد يكون دون ذلك.
– أصل عقيدة الشرك عند عرب الجاهلية، أنهم يعلمون أن الله هو خلقهم وهو يرزقهم وهو المالك لجميع مخلوقاته، ولكنهم كانوا يجعلون توجههم وتقربهم وتضرعهم لآلهتهم على اعتقاد أنها تقربهم إلى الله.
– في الناس اليوم طوائف كثيرة تتوجه لبعض الأموات، وتتضرع لهم وتقف أمام قبورهم بخضوع وخشوع تامين، وتتضرع وتناديهم على اعتقاد أنهم يقربونهم إلى الله ويتوسطون بها إليه، ويزيدون أنهم ينصرفون لها بقضاء الحوائج وجلب الرغائب ودفع المصائب.
– ومن أعمال المشركين في الجاهلية أنهم يسوقون الأنعام لطواغيتهم فينحرونها عندها طالبين رضاها ومعونتها.
– وفي الناس اليوم طوائف كثيرة تسوق الأنعام إلى الأضرحة والمقامات، تنحرها عندها إرضاء لها وطلبا لمعونتها، أو جزاء على تصرفها وما جلبت من نفع أو دفعت من ضر.
– ومن أقوال المشركين في الجاهلية حلفهم بطواغيتهم تعظيما لها.
– وفي الناس اليوم طوائف كثيرة يحلفون بالله فيكذبون، ويحلفون بمن يعظمونه من الأحياء أو الأموات فلا يكذبون، فهذه الطوائف الكثيرة كلها قد لحقت بالمشركين، وصدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قوله: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين».
ومن خلال هذا النص، فقد تتبع الشيخ ابن باديس جملة مظاهر الشرك المتفشية في المجتمع، وقارن بينها وبين المظاهر الشركية التي كانت في الجاهلية، ليخلص إلى أن فئات من المسلمين قد لحقت بالمشركين، وبات من اللازم المسارعة إلى الإنكار عليها والتحذير مما وقعت فيه، ومن هذه المظاهر:
– اتخاذ الوسطاء والشفعاء على أنها تقربهم إلى الله.
– الذبح عند المقامات إرضاء لها وطلبا لمساعدتها.
– الحلف بمن يعظمونهم من الشيوخ والأولياء وأصحاب المقامات والمزارات، فعبارة (وحق سيدي فلان) أصبحت قسما متداولا مألوفا ومقبولا..إلخ.
وعند تفسير قوله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى اللَّه على بصيرةٍ أنا ومن اتَّبعني وسبحان اللَّه وما أنا من المشركين*} [يوسف : 108]. أوضح بأن الآية تتضمن بالإضافة إلى وجوب تنزيه الله عز وجل عن الشرك، البراءة من المشركين؛ وأكد بأن مظاهر الشرك كثيرة، فقال رحمه الله: «وهذه البراءة والمباينة، إن كانت مستفادة من أنه يدعو إلى الله وينزهه، فإنه نص عليها بالتصريح لتأكيد أمر مباينة المشركين، والبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جليَّة وخفية في جميع مظاهر شركهم، حتى في صورة القول (كما شاء الله وشاء فلان)، فلا يقال هكذا ويقال: (ثم شاء فلان) كما جاء في حديث بيناه في جزء من الأجزاء الماضية؛ أو في صورة الفعل، كأن يسوق بقرة أو شاة مثلا إلى ضريح من الأضرحة ليذبحها عنده، فإنه ضلال كما قاله «الشيخ الدردير في باب النذر» فضلا عن عقائدهم كاعتقاد أن هنالك ديوانا من عباد الله يتصرف في ملك الله، وأن المذنب لا يدعو وإنما يسأل من يعتقد فيه الخير من الأموات وذلك الميت يدعو له الله. ولتأكُّد أمر المباينة للمشركين في هذا كله، نص عليها بالتصريح كما قلنا، للبعد عن الشرك بجميع وجوهه وصوره جلية وخفية».
ففي هذا النص دعوة صريحة إلى نبذ الشرك بجميع صوره ومظاهره الظاهرة منها والخفية، وفيه استقصاء لمظاهر شركية في المجتمع، وقد عمل ابن باديس على محاربتها بنشر العلم واتخاذ طريق الحكمة، والاعتماد على الله ثم فقهاء المالكية المعتمدين في الجزائر كالعلَّامة أحمد الدردير الذي هو عمدة المالكية في هذه الديار وغيرها.
وبذل ابن باديس جهودا عظيمة في محاربة أنواع الشرك وتحذير الناس بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وقد جاء ذلك في تفسيره قوله تعالى: {قل ادعو الَّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشْف الضُّرِّ عنكم ولا تحويلاً*} [الإسراء : 56].
وكتب ابن باديس كلاما نفيسا في التحذير من شرك الدعاء تحت عنوان: «من دعا غير الله فقد عبد ما دعاه»، جاء فيه: إذا علمت هذه الأحكام فانظر إلى حالتنا معشر المسلمين الجزائريين وغير الجزائريين، تجد السواد الأعظم من عامتنا غارقا في هذا الضلال، فتراهم يدعون من يعتقدون فيهم الصلاح من الأحياء والأموات، يسألونهم حوائجهم من دفع الضر، وجلب النفع، وتيسير الرزق، وإعطاء النسل، وإنزال الغيث، وغير ذلك مما يسألون؛ ويذهبون إلى الأضرحة التي شيدت عليها القباب أو ظلمت بها المساجد، فيدعون مَن فيها ويدقون قبورهم، وينذرون لهم ويستثيرون حميتهم بأنهم خدامهم وأتباعهم فكيف يتركونهم، وقد يهددونهم بقطع الزيارة وحبس النذور، وتراهم هنالك في ذُلٍّ وخشوع وتوجه قد لا يكون في صلاة من يصلي منهم، فأعمالهم هذه من دعائهم وتوجههم كلها عبادة لأولئك المدعوين وإن لم يعتقدوها عبادة، إذ العبادة باعتبار الشرع لا باعتبارهم، فيا حسرتنا على أنفسنا كيف لبسنا الدين لباسا مقلوبا حتى أصبحنا في هذه الحالة السيئة من الضلال.
مفكر سياسي ليبي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما هاجم المغول مدينة "بخارى" بقيادة "جنكيز خان"، عجزوا عن اقتحامها.. فكتب "جنكيز خان" لأهل "بخارى" يقول: ﻣﻦ وقف ﻓﻲ صفنا ﻓﻬﻮ ﺁﻣﻦ! فانقسم أهل المدينة ﺇﻟﻰ صفين ﺍﺛﻨﻴﻦ: ﺍلصف ﺍﻷﻭل رفض، وأصر على القتال دفاعا عن الدماء، وذودا عن...
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر مبيعًا قراء الروايات هم النساء يحكي ماريو بارجاس يوسا، الروائي الحاصل على جائزة نوبل، في مقالة له بعنوان لماذا نقرأ الأدب؟ بترجمة راضي النماصي، عن موقف يتكرر معه دائمًا، إذ يأتيه شخص حينما يكون في معرض كتاب أو مكتبة، ويسأله...
الهجوم الإسرائيلي ضد حزب الله يتسع
آلاف الجنود يتقدمون والحديث عن حرب طويلة عندما دخل جنود من الفرقة 98 الإسرائيلية إلى لبنان في أول غزو للبلاد، منذ ما يقرب من عقدين، وصف المسؤولون الإسرائيليون العملية بأنها «محدودة، محلية ومستهدِفة». لكن خلال الأسبوع الماضي، توسع نطاق الهجوم البري الإسرائيلي ضد حزب...
0 تعليق