نظرة العرب للدين قبل الإسلام

بواسطة | أكتوبر 8, 2023

بواسطة | أكتوبر 8, 2023

نظرة العرب للدين قبل الإسلام

كانت عقيدة العرب قبل الإسلام تتسم بعدم الثبات، وليس لديها أيديولوجيا مستقرة وواضحة المعالم، وكانت عقيدة بدائية تنسجم مع حياتهم البعيدة عن التقدم والحضارة المادية؛ وكانت ديانتهم تميل إلى التشتت والتجزؤ، وذلك لأنه كان لكل قبيلة معبودها الخاص بها، وتتميز به عن غيرها، بل وتتفاخر.
ولقد عرفت بلاد العرب التوحيد منذ النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، عندما كانوا على دين إبراهيم عليه السلام؛ وانتشر التوحيد بين قبائل مكة وما حولها، ومنها انتشر إلى مناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية. واستمرت بلاد العرب على التوحيد حتى جاءت الوثنية الخزاعية.. وهنا ينشأ السؤال: كيف انتشرت الوثنية في بلاد العرب؟
تحكي الروايات أن قبيلة خُزاعة، وهي إحدى قبائل اليمن، قد هاجرت إلى مكة إثر تهدم سد مأرب وسكنت مكة بجوار جُرهم، وقد نشب صراع بينهما حول خدمة البيت الحرام، وكان النصر في النهاية لصالح خُزاعة؛ وعندما تولى عمرو بن لحي، زعيم خُزاعة، زمام الأمور في مكة قام بجلب الأصنام من الشام إلى الحجاز؛ ويقال إن عَمْرًا هذا استخرج الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح، وكانت مدفونة على ساحل البحر الأحمر، وجاء بها ودفعها إلى القبائل لعبادتها ناشرًا عبادة الأوثان في جزيرة العرب. وقد ذكر بعضهم أن بلاد العرب قد عرفت الوثنية قبل عمرو بن لحي، وذلك على يد قوم عاد عندما عبدوا الأصنام. وبعضٌ آخر يرى أن العرب كانوا يقدسون أحجار مكة، وعندما كانوا يرحلون من مكان لآخر كانوا يحملون معهم هذه الأحجار وينصبونها ويطوفون حولها كطوافهم حول الكعبة، فبذلك هم عرفوا الأوثان قبل عمرو بن لحي.
ونعرج على الأصنام التي عبدها أهل الحجاز مثلا قبل الإسلام، وأولها اللات، وهو وثن كانت تعبده قبيلة ثَقيف بالطائف، وقيل إن اللات كان رجلا يعجن العجين للحجاج ويطعمهم إكراما لهم، فلما مات عظَّمه الناس وعكفوا على قبره، ثم جعلوه إلها؛ وقد ظل هذا الصنم قائما حتى أسلمت الطائف، وأمر الرسول ﷺ المغيرة بن شعبة بهدم هذا الصنم؛ وكان اللات عند العرب على شكل صخرة بيضاء مربعة منقوشة. ومن هذه الأصنام العُزَّى، وقد ذكرت بعض الروايات أن العُزّى صنم من الحجر لأنثى، وبعضها الآخر ذكر أن الصنم عبارة عن شُجيرات، وكانت قبيلة قريش وقبيلة كِنانة تخصانها بالعبادة؛ وأما سدنة العُزّى فكانوا من بني صرمة بن مُرة، أو من بني شيبان بن جابر؛ وأثناء فتح مكة 8هـ/ 629م أمر النبي ﷺ خالد بن الوليد بالقضاء على العُزّى.
أما مناة، فصنم كان موضعه على ساحل البحر الأحمر، بقديد بين مكة والمدينة وكان له بيت يسمى (المشلل)، وكان مُعظَّما عند الأوس والخزرج والأزد وغسان، وكان سدنته من الغطاريف من الأزد؛ وبعد فتح مكة أرسل الرسول ﷺ عليًّا بن أبي طالب لهدم الصنم، فتم هدمه وأَخذ ما كان في البيت من الحُلي والهدايا، وقيل إن الذي هَدمه هو سعد بن زيد الأشهلي عام 8هـ. وأما هُبَل، فهو صنم كان موجودا في جوف الكعبة، وكان من العقيق الأحمر على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى فجعلت قريش له يدا من ذهب، وكان أول من نصبه خُزيمة بن مدركة، ويقال إن عمرو بن لحي هو الذي جاء بهُبل من العراق إلى مكة وأمر الناس بعبادته؛ وكان هُبل من أعظم أصنام قريش وكانت تلوذ به وتتوسل إليه؛ لِيمُنَّ عليها بالخير والبركة، ويدفع عنها الأذى والشر.
ويُحكى أيضا عن أصنام ترجع إلى زمن نوح عليه السلام، عبدها قومه، وهي: وَدّ، وسُواع، ويَغُوث، ويَعوق ونَسْر؛ وهؤلاء كانوا رجالا صالحين ماتوا فجزع الناس عليهم، فقام رجل ونحت لهم خمسة أصنام على صورهم، فصار الناس يعظمونها، ثم جاء من بعدهم من عَبَدها وعَظَّمها، فأدرك نوح عليه السلام ذلك فدعا الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد ونبذ عبادة هذه الاصنام، ولما كذبوه أرسل الله عليهم الطوفان، فأهبط ماء الطوفان هذه الأصنام على الشط؛ وبقيت مطمورة تحت الأرض فترة طويلة من الزمن حتى جاء عمرو بن لحي فأخرجها، ثم حملها إلى تهامة ووزع هذه الأصنام ودعا العرب إلى عبادتها. وكان الصنم وَدّ من نصيب عوف بن عذرة، فأقره بدومة الجندل؛وسُواع من نصيب قبيلة هُذَيل، وبنت له معبدا يقال له رهاط من أرض ينبع؛ أما يَغُوث فقد أخذه أنعم بن عمرو المرادي، وقد وضعه بأكمة مذحج باليمن فعبدته مذحج وأهل جرش؛ أما يَعُوق فقد أخذه مالك بن مرثد، فعبدته همدان وخمدان ومن والاها من القبائل؛وكان نسر من نصيب قيل ذي رعين، فعبدته حِمْيَر.
ومن هذه الأصنام إساف ونائلة، وإساف ونائلة كانا، كما يقال، رجلا وإمرأة عمِلا عملًا قبيحا فمُسخا حجرين، فوُضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما، فلما طال مكثهما وعُبدت الأصنام عُبدا معها؛ وقيل إنهما أُخرجا إلى الصفا والمروة ليكونا عبرة وموعظة للناس هناك، وجاء عمرو بن لحي فنقلهما إلى الكعبة، فطاف الناس بالكعبة وبهما حتى عُبدا من دون الله.
وكان من تقاليد العرب وعاداتهم في عبادة الأوثان والأصنام أن يلجؤوا إليها بالدعاء في الشدائد، ويطوفوا حولها، وكانوا يجعلون لها نصيبا من الأنعام، ويقدمون لها القرابين، فكانت تُحبس عليها ولا يمسها أحد بسوء، ومنها ما يُسمى؛ بالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي.
بالإضافة إلى عبادة الأوثان والأصنام كان العرب يعبدون الكواكب والنجوم والأقمار؛ فقد عبدت قبيلة كِنانة القمر، وعبدت جُرهم كوكب المشتري، وعبدت قريش نجم الشِّعْرى.
وقبل ظهور الإسلام كان للديانتين السماويتين، اليهودية والمسيحية، وجودهما في بلاد الحجاز؛ وقد دخلت اليهودية بلاد الحجاز في القرن الأول الميلادي بعد أن اشتد ضغط الرومان على اليهود فهاجروا واستقروا في يثرب وخيبر وفدك وتيماء ووادي القرى. أما النصرانية فقد دخلت الحجاز عن طريق التبشير، وعن طريق تجارة الرقيق، وعن طريق التجارة؛ فقد كانت مكة مركزًا مهمًّا في التجارة، وكانت على اتصال بعرب اليمن وعرب الشام، وبالإمبراطورية البيزنطية ومصر، وكان معظم هؤلاء من النصارى.
كانت هناك أيضا ديانات واعتقادات غير سماوية مثل التوجهات المتزندقة، وكان العرب أيضا يؤمنون بأخبار الكهنة والعرّافين والمنجمين والسحرة، الذين كانوا يدَّعون معرفة الغيب، ومعرفة الأسرار. كما أن العرب كانوا يستقسمون بالأزلام، وهي إحدى طرق التنبؤ بالمستقبل، وكان ذلك يتم أمام الأصنام، وكان الكُهان يحملون الأزلام ويستقسمون بها في الأسواق، ويتقاضون عليها الأجور.
وعلى الرغم من انتشار الشرك والكفر في بلاد الحجاز كانت هناك مجموعة من الرجال، يعبدون الله على دين سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد عُرف هؤلاء بالحُنفاء، وقد ابتعدوا عن جميع المنكرات ونصحوا الناس بعبادة الله الواحد الأحد.
 كما أن بعض العرب كانوا يعظِّمون البيت الحرام ويطوفون حوله، لكنهم ابتدعوا في ذلك أشياء، منها أنهم كانوا لا يطوفون بثيابهم التي جاؤوا بها، بل يشترون لذلك غيرها من الحجاز، فإن لم يجدوا ما يشترون طافوا عراة، حتى النساء منهم، وكانوا حال الإحرام لا يأتون البيوت من أبوابها، بل يأتونها من ظهورها.. وعندما جاء الإسلام أبطل كل هذه البدع.
من هنا.. نجد أن حاجة العرب للدين كانت حاجة فطرية سلوكية حاكمة للأفعال والممارسات، ونجد أن معاداتهم للدين الجديد لم تكن معاداةً لفكرة الدين لذاتها، إنما لحاملها وما يحمله من توجهات جديدة لم تكن في سالف أيامهم؛ فقيادة العرب لا تكون إلا بداعية الدين لا غيره.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...