نكبة المعرفة في محاربة النكبة
بقلم: مختار خواجة
| 16 مايو, 2023
مقالات مشابهة
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
مقالات منوعة
بقلم: مختار خواجة
| 16 مايو, 2023
نكبة المعرفة في محاربة النكبة
لا أعتقد، شخصيا، وجود حدث فارق في حياة المنطقة العربية والعالم الإسلامي، يماثل نكبة فلسطين يوم 15 مايو 1948م؛ إنها الحدث الذي جسد الصدمة الحضارية للأمة العربية الإسلامية في مواجهة المشروع الاستعماري، وامتداداته، ثم مواجهة تداعياته الماثلة؛ ولم ينفرد الفلسطينيون وحدهم بدفع الثمن، بل دفعته شعوب المنطقة بكاملها، لأسباب شتى، ومختلفة.
ثم بعد هذا يأتي من ينكر النكبة، ويعلن استعداده لحربها، وهو يدرك مليا أن محاربة النكبة تقتضي محاربة المعرفة، والوعي، والثقافة؛ فالنكبة ليست يوما واحدا، بل حالة مستمرة متجددة منذ خمس وسبعين سنة، حالة تتكرر ولا تكاد تنتهي!.
حالة يعيشها المسلم، ومعه المسيحي، عبر العالم، وهو يدرك مليا أن ثمة تقييدا لحرية الحركة في المناطق المقدسة؛ حالة يدركها أي إنسان حر في العالم، وهو يتحدث عن الاحتلال؛ حالة يعيشها العربي الفلسطيني في إسرائيل، وهو يسمي الشوارع بأسمائها العربية، ليعود فيسميها بغير أسمائها مجاراة للواقع القائم، مضطرا لا مختارا.
لا يمكن إنكار حزن الزيتون الفلسطيني، ولا آلام حجارة الأقواس في المنازل، ولا يمكن طمس المعالم بسهولة، فهي هناك ماثلة.. حاولوا هدم القرى، فبقيت الحجارة بشكل ما صامدة، اضطروا للتأقلم مع الموقف، وأبقوها؛ والأخطر، هل يمكن محو البشر؟!.
النكبة إشكالية تختصر معضلات تخلفنا واستمراره، وتختصر أسباب الصراع وشموليته، فالنكبة قضية قيمية تخص كل حر وكل متدين؛ فالمتدين ابتداء يرى في القدس مدينة الأنبياء، ومسرى خاتمهم صلى الله عليه وسلم، وموضع عهدة عمر رضي الله عنه، ومبنى قبة الصخرة الذي يمثل المعمار المسلم في انطلاقته الأولى، مستلهما القرآن في رمزياته؛ ويراها المسيحي كذلك موطن المسيح وأمه عليهما السلام، ومنزل الإنجيل، ومجرى وقائعه؛ ويراها اليهودي غير الصهيوني مكانا للصلاة، والتأمل..
لا يمكن والحالة هذه إنكار النكبة، إلا إن قررنا إنكار كل ما يتفق العقلاء على وقوعه، أو إحداث تغيير جذري في الإدراك التاريخي للأمور، وهو أمر يتسق مع الحالة الفكرية التي رسمت المشروع المتجسد نتيجة للنكبة، والذي عمل بجهد لإنجازها.
إنها الإشكاليات الحضارية العميقة الكامنة خلف حركة الناس والتاريخ، والتي تؤدي بالضرورة لتدافع الحق والباطل، تدافع التاريخ الثابت والأسطورة، الوقائع والأحاجي، معالجة الظلم بظلم مثله ومداواة الجرح بجراح أعمق في أجساد أخرى؛ وهنا تبدأ الدوامة الجهنمية، من الذي يمكنه فك هذه العقد كلها؟. إنه الفحص الدقيق، والبحث المنصف، والمعالجة التاريخية الأمينة؛ أما التكذيب المبني على المغالطة، فلا يصمد طويلا.
لا يمكن إنكار حزن الزيتون الفلسطيني، ولا آلام حجارة الأقواس في المنازل، ولا يمكن طمس المعالم بسهولة، فهي هناك ماثلة.. حاولوا هدم القرى، فبقيت الحجارة بشكل ما صامدة، اضطروا للتأقلم مع الموقف، وأبقوها؛ والأخطر، هل يمكن محو البشر؟!.
قالوا: سيموت الكبار، وينسى الصغار.. نسوا طبيعة هذه المجتمعات، فاسم العائلة يربطك بغيرك، ويربطك بماض طويل، وقصص لا تنتهي، ومهما ذابت التفاصيل تبقى الملامح، تلك العائلة ترجع لتلك المنطقة، وجدهم كان طويل القامة، وكان مزارعا جيدا، أو راعي أغنام طيب القلب، أو تاجرا ماهرا، والمهم أنه..
ما نسيه الغزاة في زحام الغبار وتقسيم الغنيمة، أن التشريد لا يعني بالضرورة التفكك وذوبان الذاكرة؛ فأنت تتحدث عن العرب، والعربي لا يزال يسأل الآخر عن اسم عائلته، وعن موطنهم الأصلي
هكذا تنسج القصص، تحالفات عائلية، مجاعات، وحروب. تتتابع الرواية كثوب فلسطيني أحمر بخلفية سوداء، بزخارف دقيقة، لكل مثلث أو مربع أو نجمة سداسية حكاية، وتتتابع الحكايات مع بعضها لترسم قصة وطن واقعي في أذهان المنكوبين، يتحول مع الوقت لفردوس يأمل أحفادهم في العودة إليه..
لك أن تتخيل ان مجلة عربية طافت بأحياء فاس في مطلع تسعينات القرن العشرين؛ وتوقفت عند رجل يمسك بمفتاح، ويلمعه، ويعتني به، فسألته فضولا : ما هذا؟ فأجاب: مفتاح بيتنا في غرناطة..
هل كان ذلك الأندلسي يأمل في العودة؟.. لا أعتقد أن جده توقع العودة، لكنه حمل المفتاح معه تذكارا من وطن عمره ثمانمائة عام، ولا يزال الحفيد بعد خمسمائة عام يحمل المفتاح، ويزيته، اعتزازا فقط بهوية قديمة، وإثباتا لانتمائه لبناة الحمراء؛ فكيف بالفلسطيني المنتمي للقدس، وأقواس الأقصى؟. ماذا عن المسيحي بدوره المنتمي لكنيسة القيامة؟.
لن أتحدث عن توقع العودة، لكن عن أمل بالعودة، عن شجرة عائلة متشابكة، تعرف أصولها، وتحافظ عليها. ما نسيه الغزاة في زحام الغبار وتقسيم الغنيمة، أن التشريد لا يعني بالضرورة التفكك وذوبان الذاكرة؛ فأنت تتحدث عن العرب، والعربي لا يزال يسأل الآخر عن اسم عائلته، وعن موطنهم الأصلي؛ وبهذا، فمفتاح التاريخ ينفتح، ولا ينغلق.
لست فلسطينيا، لكنني لكثرة ما لقيت الفلسطينيين فهمت الأحجية جيدا، أسألهم من أين؟.. القدس، عكا، يا فا، غزة، الناصرة، عسقلان، أسدود، يبنا، اللد، الرملة، كفر راعي، كفر برا، إجزم، الطنطورة، ديشوم..؛ وليسامحني من نسيت أسماء مناطقهم. وتبدأ القصة المعروفة، فيذكر نوع الوثيقة التي يحملها، وحكاية اللجوء الطويلة، وقصة المفتاح، والوثائق التي بقيت هناك، عدا عما يخبئه الأرشيف العثماني، وما شاكله من خزائن ومن حكايات.
إن محاربة النكبة ووصفها بالكذبة نكبة معرفية في حد ذاتها.. فتأمل.
إنها بالضبط كارثة عاشها آباء 14 مليون فلسطيني، وهي قضية مركزية “للعرب، والمسلمين، والأحرار حول العالم”. هذه الكلمات تقال اليوم في الأمم المتحدة، وهذا مصدر قلق من يريد محاربة النكبة؛ فأن تصل النكبة لهذه المرحلة من الإقرار، يعني أن ما يسمى بحرب الاستقلال سردية تواجه المناقضة، وهو ما لم يتوقعه أحد.. حتى الفلسطينيون أنفسهم.
ما الذي جرى؟. إنه ببساطة صوت الحق الذي يغالب حتى يغلب، وينطلق ولا يتوقف.
إن محاربة النكبة ووصفها بالكذبة نكبة معرفية في حد ذاتها.. فتأمل.
على أي حال، يبقى الأمل مبنيا على المعرفة الصحيحة، التي ستجد سبلا مختلفة للتحقق الواقعي، وعلى الباطل احتمال النتائج.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
0 تعليق