نجاح الدبلوماسية القطرية يعزز مكانتها ويساهم بحل الصراعات
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 30 نوفمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 30 نوفمبر, 2023
نجاح الدبلوماسية القطرية يعزز مكانتها ويساهم بحل الصراعات
تستعرض هذه المقالة دور الدول الصغيرة في الساحة الدولية، مع التركيز على تجارب قطر والكويت، وكيف استطاعت كل منها أن تؤثر في العلاقات الدولية برغم حجمها الصغير.
دور الدبلوماسية الصغيرة: نماذج قطر والكويت
لا يُعرف عن الدول الصغيرة قدرتها على أخذ موقع مؤثر في العلاقات الدولية، بقدر سعيها للبقاء على مسافة واحدة مع جميع القوى الإقليمية والدولية، وتوظيف جميع ما تملكه من أوراق للحفاظ على سيادتها واستقلالها وحيادها، بما في ذلك الانخراط بتوازنات صعبة، وتحالفات مع قوى مؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي.
ولكن لكل قاعدة استثناء، فقد مارست الكويت قبل فترة الغزو والاحتلال العراقي دورًا أكبر من حجمها وقدراتها كما كان يقال، وقدمت نموذجًا مميزًا لدولة صغيرة تقدم المساعدات والقروض التنموية، وتساهم بحل النزاعات بدبلوماسية وساطات ناجحة لإزالة الخلافات والصراعات العربية- العربية، وحتى في الخارج بين تركيا وبلغاريا، وبين الهند وباكستان حول كشمير.
ومنذ أكثر من عقد من الزمن برزت دولة قطر كلاعب مؤثر بإنجازات مميزة وواضحة، تُحسب لصناع القرار والقيادة القطرية التي تمرست بدور الوسيط المحايد بلا أجندة وأهداف سوى العمل لخفض التصعيد واستتباب الأمن، لأن ذلك يعزز الاستقرار والنمو ويحقق الرفاهية. والدور القيادي الناجح لدولة قطر في دبلوماسية الوساطة في السنوات الأخيرة برز على أكثر من صعيد، وفي أكثر من أزمة إقليمية بانعكاسات دولية؛ ما يعزز مكانة دولة قطر إقليميًّا، وخاصة بعد ثلاثة أعوام من نهاية الأزمة الخليجية، التي خرجت منها قطر أكثر ثباتًا وتمسكًّا بموقفها، وعززت مكانتها كحليف موثوق.
ونشهد اليوم إنجازات ونجاحات قطر في ممارسة دور بنَّاء تجاوز منطقة الخليج بحل الأزمات والصراعات، ما يشكل تعزيزًا لسجل إنجازات دبلوماسية وساطة قطر الناجحة، ويساعدها في ممارسة هذا الدور نسجها شبكة علاقات وكسبها ثقة جميع الخصوم؛ من ذلك ما شهدناه في وساطة قطر الناجحة بين الولايات المتحدة وإيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي وصفقة تبادل السجناء، والإشراف على تحرير ستة مليارات دولار من ودائع إيران المجمدة في كوريا الجنوبية، بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018.. وكذلك شهدنا وساطات قطر بين الولايات المتحدة وطالبان، ووساطاتها في أفغانستان واليمن والسودان ولبنان.
وكانت إدارة أوباما قد طلبت من قطر فتح مكتب لحركة حماس، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في غزة عام 2006، لتسهيل التواصل معها؛ ثم إن الدولة استضافت قيادات حماس عام 2012 بعد مغادرتها دمشق، عقب عسكرة النظام السوري الثورة وشن حرب لا هوادة فيها على الشعب السوري. وقد نجحت قطر بنيل دور الحليف الموثوق في علاقتها مع الولايات المتحدة، منذ أن نقلت الولايات المتحدة الأميركية مقر القيادة الوسطى (USCENTCOM) إلى قاعدة العديد في قطر؛ ومن العديد تقود الولايات المتحدة مسرح العمليات العسكرية لجميع حروبها في الشرق الأوسط.
آخر الإنجازات التي تُضاف إلى سجل دبلوماسية وساطة دولة قطر الناجحة في خفض التصعيد، كان في التوصل بعد مفاوضات مضنية إلى وقف لإطلاق النار وهدنة مؤقتة وصفقة لتبادل الأسرى بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، بعد حوالي 50 يومًا من الحرب الشعواء وجرائم حرب الإبادة والمجازر، أودت بحياة 15.000 إنسان وفقدان 7.000 وإصابة 40.000، ونتج عنها كذلك ترحيل قسري لمليون ونصف، وتدمير 60% من المباني والشقق والمنازل في غزة، حيث بلغ ما سقط على القطاع من القنابل والصواريخ والقصف المدفعي والصاروخي أكثر من 40 ألف طن، وهذا يعادل قنبلتين ونصف من حجم القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما في اليابان سنة 1945، في نهاية الحرب العالمية الثانية.
ما عزز وساعد نجاح دبلوماسية قطر، هو نسجها علاقات وثيقة مع جميع الأطراف في المنطقة ومع الفصائل الفلسطينية، وتقديم الدعم لتحسين مستوى المعيشة لأهالي غزة، بتخصيص 30 مليون دولار شهريًّا لدفع رواتب الموظفين وإعانة حوالي 100 ألف من الأسر المتعففة الفقيرة، ودفع تكلفة الوقود لتشغيل محطات الكهرباء في قطاع غزة، ما منح قطر تميزًا وأفضلية في علاقتها مع حماس، وسمح لها بقيادة وساطة هدنة إنسانية لأربعة أيام قابلة للتمديد بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، ورعاية صفقة تبادل تشمل 150 أسيرًا فلسطينيًّا في سجون الاحتلال الإسرائيلي مع إعطاء أولوية للسجناء القدامى، مقابل إفراج حماس عن 50 محتجزًا إسرائيليًّا وممن يحملون جنسيات مزدوجة. وكان ملفتًا إشادة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بجهود دبلوماسية قطر “أصحبت قطر طرفًا أساسيًّا ومساهمًا في تسهيل الوصول إلى حلول إنسانية”.
من الواضح، ستمدد هدنة الأيام الأربعة الإنسانية برغبة حركة حماس، والرئيس بايدن في خطابة الأخير، للسماح بمزيد من الوقت لإطلاق سراح أكبر عدد من السجناء في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومن المحتجزين لدى حماس. وكذلك أيَّد الوسيط القطري أن تؤسس الهدنة الإنسانية للتمديد لهدن أخرى وصولًا غلى وقف لإطلاق النار؛ وهذا هو هدف قطر بدعم مصر وحتى الرئيس بايدن من تمديد الهدنة لعدة أيام، مع تعهد حماس بالإفراج عن 10 محتجزين لديها عن كل يوم تمدد فيه الهدنة، للإفراج عن مزيد من السجناء وإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة.
لكن هذا التوجه للتهدئة والعمل على تمديد الهدنة، يصطدم مع توجهات كررها نتنياهو في زيارته الأولى لغزة، وتدفع نحوها حكومة الحرب -الصقور المتطرفين-، ما يعني أن نتنياهو يهدد بالعودة لاستئناف العمليات العسكرية حتى تدمير حماس وإطلاق سراح جميع الرهائن لدى حماس. وقد أعلن نتنياهو أنه أبلغ الرئيس بايدن أنهم بعد التهدئة سيعودون بكل قوة لتحقيق أهداف الحرب الثلاثة، وهي: القضاء على حماس، والإفراج عن جميع الأسرى، والعمل على أن لا تصبح غزة مصدرًا لتهديد أمن إسرائيل مستقبلًا. لكن الذي يثبت هو أن مصدر التهديد للأمن والاستقرار الإقليمي يأتي من نتنياهو وحكومة الحرب، من خلال القصف وارتكاب جرائم الحرب في غزة، والاعتداءات في الضفة الغربية، وقصف جنوب لبنان، وقصف وإخراج مطار دمشق عن الخدمة.
لكن في المحصلة تثبت جهود قطر، ويثبت تمسكها بنهج حل النزاعات، وهذا يعزز مكانتها ويُكسبها مزيدًا من الثقة كلاعب مطلوب أن يمارس وساطته بين المتنازعين لخفض التوتر، والمساهمة بأمن واستقرار المنطقة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق