هل تصطدم أميركا والصين في الشرق الأوسط؟

بواسطة | أغسطس 17, 2023

بواسطة | أغسطس 17, 2023

هل تصطدم أميركا والصين في الشرق الأوسط؟

في الأول من يونيو الماضي، رفض وزير الدفاع الصيني (لي شانغ فو) عقد لقاء ثنائي مع نظيره الأميركي لويد أوستن، وذلك على هامش منتدى (حوار شانغريلا) الذي عُقد في سنغافورة؛ لم تكن تلك هي المرة الأولى التي ترفض فيها الصين عقد محادثات بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، فقد رفضت في أوائل فبراير الماضي طلبا لذلك، بعد أن قامت الولايات المتحدة بإسقاط منطاد صيني فوق المياه الإقليمية الأمريكية، قالت واشنطن إنه كان بالونا للتجسس عليها. ووصلت العلاقات بين الطرفين إلى مستوى غير مسبوق من التوتر، حين قامت طائرة مقاتلة صينية باعتراض طائرة استطلاع أمريكية في المجال الجوي الدولي فوق بحر الصين الجنوبي، أواخر شهر مايو الماضي، وهو ما اعتبرته أميركا عملا عدوانيا؛ وللعلم فإ ن (لي شانغ فو) مدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2018، وذلك بموجب قانون (مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات)، المعروف اختصارا بقانون كاتسا(CAATSA) ، وذلك لشرائه أسلحة روسية متطورة.
هكذا تبدو العلاقات بين أكبر دولتين في المجالين الاقتصادي والعسكري، إحداهما -وهي الولايات المتحدة- هيمنت على النظام العالمي على مدار العقود الثلاثة الماضية دون منافسة حقيقية، والثانية قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية صاعدة تسعى لكسر هذه الهيمنة ومزاحمة أميركا، وربما أخذ مكانها في المستقبل كقطب عالمي جديد؛ وإذا كانت ساحة المعركة الحامية بين الدولتين تتركز في منطقة بحر الصين الجنوبي، خاصة في المساحة التي تمتد من اليابان شمالا وحتى كوريا الجنوبية مرورا بالبقعة الساخنة (تايوان)، فإن هناك ساحات أخرى للمواجهة بين الطرفين لا تقل سخونة وأهمية، ولكن المواجهة فيها تأخذ أشكالا مختلفة.
ويبدو الشرق الأوسط، وخاصة العالم العربي، منطقة نفوذ وتنافس جديدة بين القطبين الكبيرين، حيث يسعى كل منهما لتعزيز حضوره فيها وجذبها لصالحه؛ وصحيح أن الولايات المتحدة هي الأكثر حضورا وتأثيرا في المنطقة، سواء من خلال علاقاتها الأمنية والإستراتيجية مع بلدان المنطقة، أو من خلال الحضور العسكري الكثيف في تلك المنطقة والذي يصل لآلاف الجنود المرابطين في أكثر من دولة عربية، إلا أن الحضور الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي الصيني قد تجاوز في بعض الأحيان نظيره الأميركي؛ فعلى سبيل المثل، أصبحت الصين خلال السنوات الماضية هي الشريك التجاري الأكبر لدول الخليج العربي، ونجحت بكين في بناء شراكات اقتصادية وتكنولوجية ودفاعية مع عدد من البلدان العربية كالسعودية، التي وقعت مع الصين عددا من الاتفاقات الاقتصادية العام الماضي، وصلت قيمتها إلى حوالي 50 مليار دولار؛ كذلك أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للإمارات بأكثر من 60 مليار دولار، وهناك توقعات أن يصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى حوالي 200 مليار دولار بحلول عام 2030؛ في حين تمثل الصين شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما لمصر، كما أن الديون المصرية للصين تبلغ حوالي 8 مليارات دولار.. بكلمات أخرى، في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة منشغلة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وبالصراع مع الصين في بحر الصين الجنوبي، فإن بكين تتمدد في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، وفي واحدة من أهم مناطق نفوذها على مدار نصف القرن الماضي.
ولذلك فإن السؤال المهم الآن هو: هل نحن على أعتاب وقوع صدام بين أميركا والصين في الشرق الأوسط؟ فالصين لم تتمدد فقط اقتصاديا وتجاريا كما أوضحنا آنفا، ولكن أيضا سياسيا وإستراتيجيا وعسكريا؛ فقبل أربعة أشهر رعت الصين اتفاقا لتطبيع واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وذلك في واحدة من أهم المفاجآت السياسية التي حدثت في المنطقة خلال الفترة الماضية؛ كذلك حاولت الصين بناء قاعدة عسكرية سرية لها في الإمارات قبل عامين، وهو ما شكل صدمة كبيرة في واشنطن نتيجة للتحالف الإستراتيجي بينها وبين أبو ظبي. وفي اتجاه آخر تحتفظ الصين بقاعدة عسكرية في جيبوتي منذ أكثر من ستة أعوام، ولديها علاقات قوية مع بلدان القرن الأفريقي، وهي المنطقة نفسها التي تتواجد فيها القوات الأميركية أيضا؛ حيث تعتبر الصين أن جيبوتي، تلعب دورا مهما في تسهيل وتحقيق أهداف مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها الصين قبل عشرة أعوام، بل يشير بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي، هي بداية لسلسلة قواعد عسكرية صينية في أفريقيا، وهو ما لا يجب استبعاده، فطرق التجارة دوما بحاجة للحماية الأمنية والعسكرية من قبل القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى.
لا توجد خيارات كثيرة أمام أميركا فيما يخص كيفية التعاطي مع زيادة الحضور والنفوذ الصيني في الشرق الأوسط، فهي إما أن تقبله باعتباره أمرا واقعا لا محالة، وبالتالي يكون هدفها الأساسي هو كيفية التقليل من آثاره السلبية على وجودها ومصالحها في المنطقة، أو أن تحاول إيقافه بشكل واضح وصريح، وهو ما قد يعني الدخول في مواجهة صريحة مع بكين قد لا تُحمد عقباها.
يخبرنا التاريخ بأنه لم يحصل أن تجاورت وتعايشت قوتان كبيرتان في منطقة نفوذ واحدة دون أن يقع بينهما صدام تنتصر فيه إحداهما على الأخرى. لذا فإن السؤال لم يعد عن احتمال وقوع الصدام بين واشنطن وبكين في المنطقة، بل عن زمانه؛ أما السؤال الأهم فهو: كيف سيكون رد فعل دول المنطقة حين يقع هذا الصدام؟!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...