هل تصلح أقدمية السكنى لإثبات الحق الفلسطيني؟

بواسطة | مايو 28, 2024

بواسطة | مايو 28, 2024

هل تصلح أقدمية السكنى لإثبات الحق الفلسطيني؟

بذل الصهاينة جهدًا كبيرًا بالحفريات في فلسطين لإثبات حقهم التاريخي المزعوم، لكنهم فشلوا في تحقيق هذا الهدف، بل جاءت هذه الجهود بنتائج عكسية، إذ أدت إلى إثبات الأثريين للجذور العربية في فلسطين.

قد بات من المقطوع به تاريخيًا، أن الكنعانيين العرب هم أول من سكن فلسطين، وذلك خلال الهجرات العربية المتتابعة إلى فلسطين وسوريا ووادي الرافدين في الألف الثالث قبل الميلاد، فعُرفت باسم أرض كنعان، وهو الاسم المتواتر ذكره في التاريخ، وكذلك الوارد في التوراة نفسها.

أقام الكنعانيون في فلسطين، التي كانت تعرف بسوريا الجنوبية، وأنشؤوا فيها حضارة مزدهرة، وبرعوا في مجالات الزراعة والصناعة والتعدين والثروة الحيوانية، وشق الأنفاق لتأمين وصول المياه، كما عُرفوا بالحصون القوية المنيعة.

فأول من سكن القدس هم اليبوسيون من بطون الكنعانيين، وذلك في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، ولذلك سميت “يبوس” نسبة إليهم. وهذا يعني بلا شك، أن الوجود العربي سابق على وجود نبي الله يعقوب (إسرائيل)، بل سابق على وجود الخليل إبراهيم عليه السلام بقرون، وأقول هذا من باب التنزل في الخطاب، وإلا فإن اليهود لا ينتسبون إلى إبراهيم عليه السلام بصفة حصرية، فكما أنه أبو إسحاق ومن بعده يعقوب، فهو أيضا أبو إسماعيل الذي جاءت العرب المستعربة من نسله، ومنهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

 على الرغم من الفشل الصهيوني في إثبات أقدمية السكنى والحق التاريخي للعودة، فإن الكيان الإسرائيلي استطاع فرض هذا الحق بقوة السلاح. ومع الأسف – وبمنطق المهزوم- تعامل كثيرون من أبناء أمتنا مع قيام دولة الاحتلال على أنه وعد إلهي، وحق تاريخي لليهود في عودتهم إلى فلسطين.

وما يهمني في هذا المقام، تحرير مسألة أراها من الأهمية بمكان، وهي الإجابة عن سؤال يفرض نفسه: هل نعوّل في التعاطي مع القضية الفلسطينية على إثبات أقدمية السكنى للعرب في تقرير الحق الفلسطيني في تلك الأرض؟

على الصعيد الشخصي، كنت أعتمد في هذه المسألة إثبات حق الفلسطينيين في تلك الأرض بإثبات أقدمية السكنى، لكنه قد تبين لي وهن هذا المسلك، لأن اعتماد هذه الطريقة سوف يلزمنا باعتماد المسلك ذاته في الحديث عن حضارة الأندلس مثلا، فإن أقدمية السكنى فيها كانت لنصارى إسبانيا والبرتغال، أو ما يعرف بشبه الجزيرة الإيبيرية.

لكن في الوقت ذاته، ينبغي أن نسلك هذا المسلك من جهة النفي لا من جهة الإثبات، بمعنى أن الصهاينة يدعون الحق التاريخي في فلسطين، فنقوم بتقرير أقدمية السكنى للعرب فيها حتى ندحض مزاعمهم لا لنثبت حقنا في فلسطين، والفرق واضح. ولهذا نظير في الفقه الإسلامي، فالعلماء المعاصرون عندما اختلفوا في حكم إثبات رؤية الهلال بالحسابات الفلكية، ظهر رأي قوي مبني على الاجتهاد، يرى أنه يؤخذ بالحسابات الفلكية لنفي ظهور الهلال لا لإثباته.

أما عن إثبات حق الفلسطينيين في أرضهم، فينبغي أن يعتمد على قاعدة مهمة وهي إلزام المدعي بالبينة، ففلسطين للفلسطينيين هو الأصل، والوجود الإسرائيلي فيها طارئ، فمن الذي ينبغي عليه أن يثبت حقه في الأرض، صاحب الوجود الأصلي أم صاحب الوجود العارض؟! فإن جاؤوا بما يثبت وجودهم التاريخي في فلسطين، جئناهم بما يثبت أن العرب سبقوهم إلى هذه الأرض بقرون.

فعلى ذلك أرى أن إثبات الحق من خلال أقدمية السكنى يصلح في دحض الحق التاريخي لليهود في فلسطين، لا في إثبات الحق التاريخي للفلسطينيين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...