هل تندلع مواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟

بواسطة | يوليو 11, 2023

بواسطة | يوليو 11, 2023

هل تندلع مواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟

شهدت الآونة الأخيرة كثيرا من مظاهر التوتر بين حزب الله وإسرائيل، تمثل أهمها في اتهام تل أبيب الحزب بنصبه خياما لعناصره داخل منطقة “مزارع شبعا”، التي يعدها الكيان الصهيوني جزءا لا يتجزأ من “أراضيه السيادية”؛ في حين يعدها لبنان أراضيَ محتلة.
وعلى الرغم من تهديد إسرائيل بأنها لن تسمح “بانتهاك سيادتها” وأنها ستعمل على إزالة خيام حزب الله، فإنها عمدت إلى استخدام القنوات الدبلوماسية في محاولتها إغلاق هذا الملف، سيما عبر التوجه إلى الأمم المتحدة والطلب منها التدخل لدى الحكومة اللبنانية للضغط على حزب الله لإزالة الخيام، التي مازالت في مكانها.
اللافت، أن الكشف عن وجود خيام حزب الله في “مزارع شبعا” جاء من قناة “كان” التابعة لسلطة البث الإسرائيلية، لا من جيش الاحتلال، على الرغم من أن القيادة العسكرية في تل أبيب كانت على معرفة مسبقة باقتحام عناصر حزب الله المنطقة ونصبهم الخيام فيها؛ ما يشي بأن صناع القرار السياسي والعسكري في إسرائيل غير معنيين بأن يفضي سلوك حزب الله إلى اندلاع مواجهة يصعب التحكم في حجمها ومدى اتساعها.

منتقدو تعاطي حكومة نتنياهو إزاء سلوك حزب الله يشيرون أيضا إلى جملة من مظاهر التحدي التي أبداها الحزب مؤخرا، مثل سماحه بإطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية صوب المستوطنات الواقعة في شمال فلسطين، وجملة من الاستفزازات الأخرى

وقد أثار سلوك حكومة بنيامين نتنياهو انتقادات داخلية حادة، حيث اتهمت أوساط كثيرة في تل أبيب هذه الحكومة بأنها تثبت كونها “مردوعة” من حزب الله، وأنها تتجنب بكل السبل خوض أي مسار يمكن أن يفضي إلى مواجهة عسكرية مع الحزب؛ وقد جاءت الانتقادات تحديدا من بعض الأوساط داخل جيش الاحتلال ذاته، حيث حرصت شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” على تسريب تقديراتها التي تحذر من التداعيات السلبية لتهاوي قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة حزب الله إلى وسائل الإعلام في تل أبيب. وقد حذرت “أمان” أن تخوف إسرائيل من الرد على حزب الله سيغريه بمواصلة التصعيد والاستفزاز بشكل قد يفضي في النهاية إلى مواجهة كبيرة؛ وكان الناطق السابق بلسان جيش الاحتلال روني ملنيس أكثر حدة في توجيه الانتقادات لحكام تل أبيب، حيث اعتبر تجاهل استفزازات حزب الله بمثابة “عار على قوة الردع الإسرائيلية”.
منتقدو تعاطي حكومة نتنياهو إزاء سلوك حزب الله يشيرون أيضا إلى جملة من مظاهر التحدي التي أبداها الحزب مؤخرا، مثل سماحه بإطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية صوب المستوطنات الواقعة في شمال فلسطين، وجملة من الاستفزازات الأخرى، التي كان آخرها اقتحام عناصر الحزب وجنود الجيش اللبناني الحدود ومكوثهم لبعض الوقت داخلها. لكن الأطراف الداخلية التي توجه الانتقادات لسياسة حكومة نتنياهو تجاه حزب الله تتجاهل حقيقة أن هذه الحكومة تدرك أن مواجهة شاملة مع حزب الله ستترك آثارا هائلة وغير مسبوقة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بسبب طابع الترسانة الصاروخية والإمكانيات العسكرية التي يحوزها الحزب.
فالترسانة الصاروخية لحزب الله تمتاز بأربع سمات تُعدّ تحديا كبيرا للجبهة الداخلية والعمق المدني الإسرائيلي، تتمثل في عددها الكبير، حيث ترجح التقديرات العسكرية في تل أبيب أنها تتجاوز 100 ألف صاروخ؛ ثم امتيازها بأمداء طويلة، ما يجعلها قادرة على تغطية كل مساحة فلسطين التاريخية؛ وميزة أن كثيرا من هذه الصواريخ يحمل رؤوسا تفجيرية كبيرة، يصل وزن بعضها إلى طن أو نصف طن، ما يعني أن سقوطها في العمق الإسرائيلي سيقترن بإحداث دمار كبير؛ لكن أكبر مظاهر التحدي التي تنطوي عليها ترسانة حزب الله الصاروخية تتمثل في أن بعضها يتصف بدقة إصابة عالية، بمعنى أنها يمكن أن توجه لضرب أهداف بعينها؛ وتمسّ -تحديدا- مرافق عسكرية وبنى تحتية مدنية حساسة وحيوية، مثل القواعد العسكرية، والمطارات الحربية والمدنية، ومحطات توليد الكهرباء ومنصات استخراج الغاز، ومرافق تحلية المياه، ومواقع “سيادية” ذات قيمة رمزية، مثل مبنى وزارة الحرب في تل أبيب وغيرها.
ويمكن لترسانة حزب الله الصاروخية أن تؤثر بشكل جذري على قدرة جيش الاحتلال على إدارة وتنفيذ جهده العسكري أثناء الحرب؛ حيث إن استهداف القواعد الجوية سيقلص من قدرة سلاح الجو، الذي يعتبر رأس الحرب في الجهد العسكري الإسرائيلي، على العمل.

على الرغم من كل المحاذير التي تنطوي عليها المواجهة مع حزب الله، فإن حكومة نتنياهو قد تجد نفسها مضطرة لتنفيذ عمل عسكري ما لمحاولة إرغام حزب الله على إزالة خيامه من منطقة “مزارع شبعا” تحت ضغط الانتقادات الداخلية التي توجه لها.

ومما يزيد الأمور تعقيدا حقيقة أن الواقع الجيواستراتيجي لإسرائيل يجعل حربا مع حزب الله ذات كلفة مدنية هائلة، حيث إن أكثر من 70% من الثقل الديموغرافي لإسرائيل يتركز في قطاع ضيق على طول الساحل، ما يعني أن استهداف هذا القطاع بالصواريخ سيفضي إلى وقوع خسائر كبيرة في الأرواح. وإلى جانب ذلك، فإن العدد الكبير من الصواريخ التي يحوزها حزب الله وأمداءها الطويلة ورؤوسها التفجيرية الكبيرة يقلص من قدرة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية على اعتراضها. كما أن جميع التقارير الصادرة عن مؤسسة “مراقب الدولة” في تل أبيب تؤكد أن الحكومات التي تعاقبت على حكم إسرائيل في العقدين الماضيين، أهملت الاستثمار في تحصين المدن والمستوطنات، وهذا سيزيد من حجم الأضرار الناجمة عن إطلاق حزب الله صواريخه على عمق إسرائيل.
في الوقت ذاته، فإن حالة الاستقطاب الداخلي والتشظي المجتمعي الذي تعانيه إسرائيل حاليا بسبب طرح الحكومة خطة “التعديلات القضائية” يقلص من مستوى الشرعية الداخلية التي سيحوزها أي عمل عسكري يمكن أن تقدم عليه ردا على سلوك حزب الله. فإسرائيل تشهد حاليا تعاظم الدعوات لتوقف الجنود والضباط في قوات الاحتياط عن الخدمة العسكرية ردا على التعديلات القضائية.
وعلى الرغم من كل المحاذير التي تنطوي عليها المواجهة مع حزب الله، فإن حكومة نتنياهو قد تجد نفسها مضطرة لتنفيذ عمل عسكري ما لمحاولة إرغام حزب الله على إزالة خيامه من منطقة “مزارع شبعا” تحت ضغط الانتقادات الداخلية التي توجه لها. وفي حال أمر نتنياهو بتنفيذ عمل من هذا القبيل فإنه سيحرص بكل ما أوتي من قوة أن يكون هذا العمل موضعيا يستهدف الخيام فقط، لتقليص فرص اندلاع مواجهة شاملة مع حزب الله؛ ومما قد يغري نتنياهو لسلوك هذا الخيار حقيقة أن نجاحه بالدفع نحو إزالة خيام حزب الله قد يسهم في تعزيز مكانته الداخلية وترميم شعبية حزب “الليكود” الذي يقوده، التي تراجعت بعد طرح التعديلات القضائية.
لكن مثل هذا التوجه، قد ينطوي على مخاطرة كبيرة، حيث إنه من الصعب التحكم باتجاهات أي عمل عسكري ضد حزب الله، ما يمكن أن يفضي إلى اندلاع مواجهة شاملة قد يتحقق فيها سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل، وتحديدا على صعيد المس الواسع وغير المسبوق بجبهتها الداخلية وبُناها التحتية ومرافقها الحيوية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...