هل يصمد اتفاق الهدنة؟

بواسطة | نوفمبر 23, 2023

بواسطة | نوفمبر 23, 2023

هل يصمد اتفاق الهدنة؟

يمثل اتفاق الهدنة الإنسانية الذي جرى توقيعه بين إسرائيل وحركة (حماس)، وذلك من خلال وساطة قطرية ومصرية ورعاية أميركية، اختراقاً مهماً في الأزمة السياسية والإنسانية الناجمة عن الحرب والمستمرة منذ أكثر من ستة أسابيع، وهو أول اتفاق يتم التوصل إليه من أجل وقف الحرب ولو بشكل مؤقت لعدة أيام قد يتم تمديدها لمدد أخرى.
بالنسبة للمقاومة الفلسطينية فإن الاتفاق قد يقرأه البعض باعتباره انتصاراً ومكسبا سياسيا حيث إنه يحقق أحد أهداف العملية العسكرية التي قامت بها الحركة في السابع من أكتوبر الماضي، وهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان الثمن الإنساني الذي تم دفعه لذلك باهظاً وغير مسبوق في جولات الصراع السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين.
كذلك يمكن قراءة الاتفاق باعتباره ثمرة سياسية لأمرين أساسيين: صمود المقاومة الفلسطينية في مواجهة الجيش الإسرائيلي المدعوم أميركيا بشكل غير مسبوق، والذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي انجاز عسكري على الأرض خلال ستة أسابيع من الحرب. وثانيهما، الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة نتانياهو والتي اضطر معها للقبول على مضض بصفقة التبادل والهدنة.
أما إسرائيليا، يمثل اتفاق الهدنة أول اعتراف إسرائيلي غير مباشر بفشل العملية العسكرية البرية التي كانت تهدف إلى محاولة تخليص الرهائن بالقوة العسكرية. وهو ما يعد فشلاً ذريعاً لحكومة الحرب التي كانت ترفع شعار (لو لوقف الحرب، ولا لصفقة الرهائن). الآن تم وقف الحرب، ولو مؤقتا، وتم إبرام صفقة الرهائن.
ولعل السؤال المهم الآن يتعلق بمدى صمود اتفاق الهدنة. وهنا الأمر يتوقف على عدة أمور أهمها التزام الطرفين بتنفيذ بنود الاتفاق سواء المتعلقة بعدد ونوعية الأسرى الذين سوف يتم إطلاق سراحهم من الجانبين، وإدخال الوقود والمساعدات لقطاع غزة، والأهم من ذلك وقف إطلاق النار خاصة من الجانب الإسرائيلي. أيضا سوف يتوقف الأمر على استمرار الضغوط الداخلية على حكومة نتانياهو من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن ورضوخه لها، وثالثا على الضغط الأميركي على نتانياهو للالتزام بما جاء في الاتفاق.
بالتأكيد لا توجد ضمانات بعدم حدوث اختراق للاتفاق أو لصموده. ولكن على ما يبدو أن الأطراف حريصة على الالتزام به وذلك نظراً لتعثر العملية العسكرية الإسرائيلية من جهة، ولحجم الدمار وعدد الضحايا الذي خلفته. لذلك هناك حاجة على ما يبدو لاستراحة محارب لكلا الطرفين من أجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق تحسبا للجولة المقبلة من الصراع.
وأغلب الظن أنه لو تم تثبيت الهدنة الحالية فإنه قد يتم تمديدها لفترات أخرى، وهدن أطول، ولكن من الصعب أن يحدث وقف دائم لإطلاق النار في الأمد المنظور وذلك لسبب بسيط وهو أن وقف إطلاق النار مسألة سياسية بالأساس وليس إنسانية على غرار الهدن المؤقتة. كما أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يأتي كنتيجة لحل أو مبادرة سياسية لمعالجة الأزمة الحالية وهذا يبدو مستبعداً حالياً نتيجة للحالة الصراعية الراهنة ورفض كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتفاوض بشأن إنهاء الأزمة.
وقد استغرق التوصل لاتفاق الهدنة وقتا طويلا بسبب المماطلة والمراوغة الإسرائيلية ومن خلفها الدعم الأميركي للعملية العسكرية البرية. فإسرائيل لم تكن جادة عندما بدأ التفاوض حول إطلاق سراح الرهائن قبل أكثر من شهر. بل أفشلت المحاولات التي جرت لعد اتفاق وصفقة تبادل أكثر من مرة وذلك لقناعتها بإمكانية تحرير الرهائن بالقوة العسكرية ودون الحاجة لتقديم تنازلات لحركة حماس وبالتالي حرمانها من تحقيق أي مكسب أو فوز سياسي ومعنوي.
لذلك فإن العقبة الكبرى كانت هي الموقف الإسرائيلي الذي كان يخضع أيضا لحسابات داخلية مرتبطة بحكومة اليمين المتطرف التي يقودها بنيامين نتانياهو والتي كانت ترفض أي وقف لإطلاق النار ولو مؤقت وكذلك للدخول في صفقة التبادل. ولكن مع تعثر العملية العسكرية اضطرت الحكومة للقبول بالصفقة وإن كان رفضها وزراء اليمين الفاشي في حكومة نتانياهو مثل بن غفير وسموتيريتش.
ومن المفترض أن يؤدي الاتفاق إلى وقف المعاناة الإنسانية لأهالي قطاع غزة ولو مؤقتا سواء من خلال وقف النزيف في أعداد الشهداء والمصابين بعد سريان وقف إطلاق النار أو من خلال إدخال مزيد من المساعدات والوقود لكل أنحاء القطاع من شماله إلى جنوبه.
بالطبع هذه المساعدات أقل بكثير من الاحتياجات الأساسية اللازمة لأهل القطاع، ولكنها خطوة مهمة قد تفتح الباب أمام دخول المزيد من المساعدات العاجلة والطارئة خاصة المواد الغذائية والوقود اللازم لعمل المستشفيات.
أما عن تداعيات اتفاق الهدنة، فستكون كارثية على إسرائيل. حيث من المتوقع ألا تصمد حكومة نتانياهو أكثر من ذلك بسبب الخلافات الطاحنة بين أطرافها وعدم تحقيق أي إنجاز عسكري. ومن المتوقع أن تنهار هذه الحكومة خلال الفترة المقبلة خاصة إذا ما توقف العدوان. فقد نتانياهو غامر سياسيا وقفز للأمام عندما قام بشن الحرب على قطاع غزة دون رؤية أو أفق سياسي.
وفي ظل الفشل الذريع في تحقيق أيا من أهداف الحرب التي أعلنها سواء بالتخلص من حركة حماس، أو تدميرها، أو إعادة المحتجزين أو تهجير سكان القطاع إلى خارجه، فإنه ينتظر مصيراً أسوداً سوف يختم به سجله السياسي الممتد منذ أكثر ربع قرن.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...