هل ينفض جيل التطبيع غبار الغفلة؟!

بواسطة | أبريل 29, 2024

بواسطة | أبريل 29, 2024

هل ينفض جيل التطبيع غبار الغفلة؟!

تصدّر طلبة جامعة كولومبيا في نيويورك مشهد الحراك الطلابي المناهض للحرب الإسرائيلية على غزة في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم محاولات الترهيب تارة، والاعتقال تارة أخرى.

وقد أكدوا إصرارهم على أن يتم الإنصات إلى مطالبهم الداعية لوقف التعاون الأكاديمي بين جامعتهم والجامعات الإسرائيلية، وسحب استثماراتها من شركات تدعم الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي أثار حفيظة الجمهوريين، الذين وصفوا الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات التي تدين الإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ سبعة أشهر بالغوغائية، وأنها معادية للسامية متشاركين في هذا الوصف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحليفه الأكبر جو بايدن، الذي ندد بالاحتجاجات الطلابية لأنها من وجهة نظره معادية للسامية، رغم أن عددا من المنظمات الأمريكية رأت أن الاحتجاجات لا تعادي السامية، بل إن قمع الطلبة يهدد وجه أمريكا الديمقراطي.

وقد تكون ردة فعل المناهضين للاحتجاجات الطلابية، حيال المظاهرات الاحتجاجية المستمرة منذ الـ18 من الشهر الجاري، لها مبرراتها لعلمهم بالدور الذي قد يصنعه الطلبة في إحداث التغيير وقلب الموازين، ولعلنا نستذكر في هذا المقام اعتصامات غرينسبورو عام 1960، أو اعتصامات طاولة الغداء التي غيرت التاريخ الأمريكي، والتي بدأت بأربعة مراهقين سود قصدوا طاولة غداء في كلية وولوورث في ولاية كارولينا الشمالية ورفضوا المغادرة، حيث كانت قوانين الفصل العنصري في تلك الفترة تمنع جلوس الطلبة السود على طاولات غداء مشتركة مع البيض، بل وتمنعهم من الجلوس متجاورين في الحافلات العامة، وكان اعتصامهم قد انطلق في 1 فبراير 1960، وخلال ثلاثة أيام انضم إليهم 300 آخرون، وبحلول الصيف كانت الاعتصامات قد غطت قرابة 50 مدينة، ما سرّع عملية إلغاء التمييز العنصري.

وقد تختلف هذه المظاهرات والاحتجاجات التي أصفها بالضاغطة عن غيرها من المظاهرات التي احتضنتها شوارع مدن العالم، من حيث المطالب، ومن حيث الزخم الإعلامي الذي أسهم في تسليط الضوء عليها، وبالتالي إبقاء الأضواء مسلّطة على فلسطين وعلى جرائم الإبادة الجماعية التي تُمارَس بحق الغزيين بالجملة، في ظل عدد من القضايا الثانوية التي أُفرزت حولها وكانت ستخدم الشارع الإسرائيلي الثائر على حكومته، كما أنَّ الاحتجاجات الطلابية في جامعة كولومبيا أعادت مكانة الحركات الطلابية في صنع التغيير وتقدمها بخطوة على لغة السياسة، لقدرة الحركات الطلابية على تغيير التاريخ رأسا على عقب.

فرغم محاولات الترهيب التي استُخدمت لفض الاعتصامات، فإنَّ المظاهرات والاحتجاجات اتسع مداها تباعا إلى أحرام عدد من الجامعات العريقة كجامعة هارفاد، جامعة جورج واشنطن، جامعة ييل، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نورث كارولينا.. وغيرها من جامعات في باريس وأستراليا وكندا، ووصل عددها إلى أكثر من 23 جامعة ومؤسسة تعليمية حسب موقع إكسيوس الأمريكي، الذي كشف حتى ليلة أمس عن اعتقال أكثر من 600 شخص في 15 صرحا جامعيا أمريكيا، ويستمر لهاث إدارات هذه الجامعات لاحتواء أي تصعيد بتعليق الدراسة حضوريا، وإلغاء وإغلاق الأحرام الجامعية بعد تدخل رجال الشرطة في جامعة كولومبيا لفض الاعتصامات.

هنا يأتي السؤال: لماذا لم يتردّد صدى هذا الحراك الطلابي لطلبة جامعة كولومبيا لدى أبنائنا وبناتنا الطلبة في الجامعات العربية؟! أين هي الشريحة الذهبية في بلداننا العربية؟ وهم الذين يتصدرون القائلين “لا”، والمجد لمن قال “لا”!، والذين أجمع علماء الاجتماع والسياسة على دورهم في إحداث التغيير، لموقعهم في المجتمعات، على اعتبار أن الحياة الجامعية هي التي تصوغ الفكر وتبني جسور المعرفة، وتشحذ الهمم المطالِبة بالتغيير لتسود العدالة دوماً.. إنَّ هذا الغياب المخجل – والذي لا أرى له مبررا- قد ساعدت عليه عدة عوامل، منها المناهج التي أُفرغت من قيمتها لاسيما لدى الدول المطبعة مع إسرائيل، كما أنَّ الأُسر لم تعد تنشئ أبناءها على معنى الحرية وسيادة العدالة، وهي تُرهبهم من عواقب قول “لا”، على نقيض ما رأيناه من دعم الأسر لأبنائها وبناتها المحاصرين وسط أطواق أمنية من الحواجز الحديدية، التي أقامتها الشرطة في جامعة جورج واشنطن على وجه التحديد.

خلال كتابة هذه الأسطر أعلنت جامعات عربية عدة الانضمام إلى الحراك الطلابي الأمريكي، وعلى رأسها جامعات دولة الكويت، كما دعا الاتحاد العام لطلبة تونس إلى تنظيم تظاهرات داعمة للحركة الطلابية في الجامعات الأمريكية والأوروبية، على أن يكون يوم الاثنين موعدا لهذه التظاهرات، كما وانضم طلبة الجامعات الإيرانية إلى الحراك العالمي الداعم لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

ختاما..

على طلبة الجامعات في الدول العربية أن ينفضوا غبار الغفلة، وأن ينتصروا دوما للحق مهما كلفهم الأمر، فهم الأَوْلى بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، وهم الأولى بالدفاع عن قضيتهم المركزية، المتمثلة بإعادة الحق الفلسطيني لأصحابه، وعليهم ألا ينسوا بأنهم كانوا شرارة الثورات العربية.

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    لا فض فوك أستاذه هديل

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...