وعلى جائزة نوبل “السلام”*

بواسطة | فبراير 14, 2024

بواسطة | فبراير 14, 2024

وعلى جائزة نوبل “السلام”*

جائزة نوبل “للسلام”، أيامها الزاهية قد ولى، فما كانت مرة رمزًا للتضامن والعطاء، أصبحت بالفعل محط جدل.
من الصراعات السياسية إلى الانتقادات الأخلاقية، استفحلت الانتقادات. نلقي نظرة في هذه المقالة على بعض الفائزين الشهيرين ومساراتهم المثيرة للجدل.

جائزة نوبل “للسلام” – بين التاريخ والجدل

لو سألت عشرة من جلسائك: من هم آخر سبعة أشخاص حازوا جائزة نوبل للسلام؟ لما أحاروا جوابا، ليس لعجز في مخزون المعرفة، بل لأن الجائزة صارت “أي كلام”، كما يقال عن الشيء الذي فقد قيمته.

وها هو النرويجي مايكل نوبل، حفيد ألفرد نوبل، الذي تحمل العديد من الجوائز، ومن بينها جائزة السلام التي تحمل اسمه، والذي كان رئيس اللجنة التي تمنح الجوائز طوال 15 سنة؛ يقول إن معهد نوبل للسلام، الذي يتألف من أعضاء في البرلمان النرويجي، صار في ما يخص منح جائزة السلام يسلك أساليب ملتوية، لأن اللجنة تعكس فقط توازن القوى في البرلمان النرويجي، ومن ثم صارت معاييرها لترسية الجائزة “شخصية وسياسية ووطنية خاضعة لاعتبارات تخص النرويج وحدها، وصارت من ثم معنية بحقوق الانسان والتغيُّر المناخي، وما إلى ذلك من أمور لا علاقة لها بالاشتراطات التي وضعها ألفرد نوبل للأهلية في عام 1900 لجائزة السلام”.

وإليك بعض “عينات” من الذين فازوا بجائزة نوبل للسلام:

ولد مناحيم بيغن الذي صار رئيسا لوزراء إسرائيل في بلاروسيا، وانضم منذ شبابه الباكر إلى منظمة معنية بهجرة اليهود إلى فلسطين، التي بمجرد أن حل بيغن بأرضها كوّن منظمة عسكرية صهيونية أطلق عليها اسم “أرغون”، عملت على تهجير الفلسطينيين قسرا من ديارهم؛ وظل بيغن يتباهى بارتكاب المنظمة لمذبحة دير ياسين في 17 سبتمبر 1948، التي راح ضحيتها أكثر من 360 فلسطينيا، كما ذكر ذلك بيغن نفسه في كتابه “التمرد.. قصة أرغون”. وفاز هذا الرجل الوالغ في الدماء بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري أنور السادات، في عام 1978، وكان ذلك في واقع الأمر تكريما غير مباشر للرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الذي رعى المفاوضات بين بيغن والسادات، والتي أفضت إلى اتفاق كامب ديفيد، الذي أخرج مصر من حلبة الصراع مع إسرائيل.

عندما كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية شن شيمون بيريز عملية عناقيد الغضب (1996)، مستهدفا مركز قوات فيجي الدولية في لبنان، فهلك أكثر من مائة شخص خلال دقائق واستمرت العملية 16 يوما، واضطر نصف مليون لبناني إلى النزوح عن قراهم، وقبلها – وتحديدا في أواخر أربعينيات القرن الماضي- كان بيريز قائد مليشيا الهاجاناه، التي ارتكبت أبشع ألوان التطهير العرقي لإرغام الفلسطينيين على النزوح والهرب إلى دول الجوار، وحصل بيريز على جائزة نوبل للسلام عام 1994 بالاشتراك مع كل من ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين (عضو عصابة الهاجاناه)، عقب اتفاقية أوسلو التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، والتي أدت إلى تدجين المنظمة الفلسطينية.

صارت أونغ سان سو تشي منذ عام 1988 زعيمة الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار، وهو منصب آل إليها بالوراثة من أبيها، وظلت تناهض الحكم العسكري في بلادها، وفازت بجائزة نوبل للسلام لعام 1991؛ ثم انتقلت من المعارضة إلى الحكم بتوليها رئاسة الحكومة في بلادها بالشراكة مع العسكر في عام 2016، وبمجرد أن بدأت عمليات إبادة وتشريد مسلمي الروهينغا، أُصيبت بطلة السلام هذه بالصمم والبكم، ثم نطقت، ولكن لتبرير تلك العمليات أو التقليل من شأنها وآثارها.

وهناك الزعيم الروحي للبوذيين الدالاي لاما، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام، واتضح أنه يتقاضى راتبا شهريا ضخما من المخابرات المركزية الأمريكية، ولعل ذلك ما منع بطل السلام من إدانة الحروب التي أشعلتها واشنطن في أفغانستان والعراق، بل كانت حبال الود التي تربطه بغلاة اليمين في بريطانيا والولايات المتحدة وسفاح تشيلي الراحل أوغستو بينوشيه معلومة ومكشوفة، (وللتغطية على هذا يزعم أنه ماركسي الهوى).

ومن شن الحرب على التغراي هو “بطل السلام العالمي آبي أحمد، رئيس الحكومة الإثيوبية، وفاز بتلك البطولة في أواخر عام 2019 لأنه مد يده إلى معارضي الحكومة وأفرغ السجون من المعتقلين السياسيين، ثم اتضح أن آبي أحمد هذا من الصنف الذي يتَمسْكن حتى يتمكّن، فبعد أن أحس بأنه وطد دعامات حكمه ركبه الغرور وطفق يبطش بالخصوم، واستهدف على نحو خاص جبهة تحرير تغراي (تي بّي إل إف)، وكانت جريرة الأخيرة أنها رفضت الذوبان في حزب “الازدهار الجديد” الذي أراد به أحمد تكوين كتلة جماهيرية صلبة تؤيد حكمه، وحاق غضبه بجبهة التغراي التي هيمنت على المشهد الإثيوبي طوال 27 سنة، عندما أفتت بأنه فقد الشرعية لأنه قام بتأجيل الانتخابات العامة مرتين، وفي نوفمبر من عام 2020 اجتاحت القوات الإثيوبية إقليم التغراي وارتكبت مجازر بشعة بحق سكانه، وقد وثقت شبكات تلفزة عالمية مرموقة عمليات السحل والقتل بالجملة التي شهدها الإقليم، وكيف أن حكومة آبي أحمد كانت تقتل أسراها من التغراي وترمي بهم في نهر تكازي- سيتيت.

– مبدأ أن خدمة السلام العالمي “بالنيات“، تجلى في منح جائزة السلام للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان ذلك بعد أشهر قليلة من توليه مهام منصبه، ولم يكن العالم يعرف عنه وقتها سوى أنه خطيب مفوه، وحدث استنكار واسع لمنح الجائزة لشخص لم ينجز شيئا على أي من الصعيدين، لا المحلي ولا الدولي، “بل ربما فقط لأنه ليس جورج دبليو بوش الذي أشعل النيران في العراق وأفغانستان”، وتعللت لجنة نوبل بأن الجائزة ستحفز أوباما على عدم خوض الحروب.

ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنغر صار أيضا بطلا للسلام بمعايير “نوبل”، بينما يداه ملطختان بدماء تسعة ملايين من سكان فيتنام وكمبوديا ولاوس، فهو الذي نقل الحرب من جنوب فيتنام إلى شمالها، وهو من أوصى بقصف هانوي عاصمة فيتنام الشمالية، وهو مهندس الانقلاب الدموي على الحكومة المنتخبة في تشيلي عام 1973.

ثم في عام 2012 فاز الاتحاد الأوربي “مجتمعا” بجائزة نوبل للسلام، رغم أنه “مجتمعا” أكبر من يغذي حروب العالم بالسلاح.

ونالت ملالا يوسفزاي جائزة نوبل للسلام دون أن تنجز أي شيء يخدم قضية السلام في أي مكان في العالم، وكل ما هناك هو أنها أصيبت بطلق ناري وهي بعد صبية، أطلقته عليها حركة طالبان باكستان التي تعارض تعليم البنات، وبعد الإصابة تم نقل ملالا إلى بريطانيا، وجعل منها الإعلام أيقونة للصمود و”العزيمة”، ولا شك في أن ملالا صبية تعرف قيمة وأهمية التعليم، ولكن لا علاقة لحرصها على التعلُّم وحديثها عن حق البنات في التعلُّم بـ”السلام العالمي”، وليس مفهوما كيف خدم من تقاسم معها الجائزة (الهندي كايلاش ساتيارتي) قضية السلام، رغم أنه تفرغ لنحو عشرين عاما لعمل نبيل، يتمثل في حماية الطفولة من الاستغلال، ومحاربة التطرف الديني، وتوفير التعليم لأطفال الشوارع.

__________________________________

*عندما يقول عربي “على الأمر كذا السلام” فإنه يعني أن الأمر غير مَقْضِيّ، أو ميئوس منه.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...