ومضات من الحياة (المهنية) لعبدالزراق السنهوري
بقلم: عبد الرحمن هاشم السيد
| 9 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: عبد الرحمن هاشم السيد
| 9 يوليو, 2023
ومضات من الحياة (المهنية) لعبدالزراق السنهوري
لا يكاد يخلو كتاب قانوني من أن يذكر في هامشه “انظر: عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني”، كما لا تكاد تجد مكتب محام فذ بارع إلا وقد تزينت الخزانة التي خلف ظهره بموسوعة ضخمة جلدية، كتب عليها بخط مذهب “الوسيط في شرح القانون المدني – تأليف عبد الرزاق السنهوري”. بل انظر إلى حكم محاكم النقض المصرية أو التمييز القطرية، فستجد بين سطورها: يقول الفقه السنهوري(…)
كثير منا لا يعلم كيف نشأت القوانين في منطقتنا العربية، إلا أن الفضل، من بعد الله، رائده أبو القوانين العربية “السنهوري”، فمن هو عبد الرزاق السنهوري؟
نجد من خلال قراءة السيرة الذاتية لعبد الرزاق السنهوري أنه تميز بعدة خصال جعلت اسمه يجوب العالم، فقد عمل الشاب الطموح في مستهل حياته في النيابة العامة بالمنصورة، وذلك في عام 1917، وقد دون مواقفه كنائب وسردها في مذكراته الشخصية
لامس الضوء أعين عبدالرزاق السنهوري في 11 أغسطس عام 1895 في الإسكندرية بمصر، فولد في محيط يعكس ما وصل إليه في أواخر عمره، وفي هذا المقال سنبين ومضات في حياة السنهوري أدت إلى نجاحه، وذيوع سيطه، وتفوق موسوعته ومؤلفاته، فالفترة التي كان يمارس فيها السنهوري عمله القانوني تميزت بوجود عدة أعمدة راسخة يقوم عليها سلك القضاء، وأعلام ترفرف في أروقة الجامعات، ونجوم ثاقبة في سماء عالم القانون؛ فمن هذه الأعمدة عبدالسلام ذهني بك، ومن هذه الأعلام مراد سيد باشا، محمد كامل مرسي بك، محمود سعيد بك، كامل صدقي بك، الدكتور عبد المعطى خيال، والدكتور سليمان مرقس، وغيرهم؛ لكن القدر كان ألا يكتب النجاح والشهرة إلا باسم السنهوري، ولا نحيل نجاحه إلى القدر فقط، بل كان السنهوري رجلا عصاميا بامتياز؛ وسنذكر بعض الصفات التي نرى من خلالها نجاح شخصيته.
نجد من خلال قراءة السيرة الذاتية لعبد الرزاق السنهوري أنه تميز بعدة خصال جعلت اسمه يجوب العالم، فقد عمل الشاب الطموح في مستهل حياته في النيابة العامة بالمنصورة، وذلك في عام 1917، وقد دون مواقفه كنائب وسردها في مذكراته الشخصية، وفيها يقول: أول مهمة لي كانت مرافعة أمام محكمة الجنح، والمطلوب مني فقط طلب التأييد أو التشديد أو الإلغاء! إلا أني كنت في ريعان شبابي حيث كنت أبلغ من العمر اثنين وعشرين سنة، ولم أقتنع بهذا التكليف الأقل من العادي، وكانت القضية تسمح بالبحث الفقهي وذكر الآراء المختلفة حول القضية، فكان فيها مذهبين.. جاء دوري، قمت بسرد آراء أنصار المذهب الفرنسي وآراء المذهب المخالف وهو البلجيكي، وأنا في توتر وربكة، فنظر إلي رئيس المحكمة بتعجب – وهو مشهور بالمرح والمداعبة – ولم تكثر عليه هذه الأنواع من المرافعات الفقهية؛ فنظر إلى المتهم وخيره بين النظرية الفرنسية أو البلجيكية، فساد الضحك في قاعة المحكمة.
تم نقل السنهوري إلى نيابة أسيوط، جزاء مشاركته في ثورة 1919. وانتقل باختياره بعد ذلك إلى العمل النظري والآراء الفقهية، تاركا خلفه العمل الإجرائي والترافع، فدرس في مدرسة القضاء الشرعي، ويعود سبب انتقاله إلى شدة حبه بالفقه القانوني. فأخذ منه وغرف من علمه الفقيه المعروف الشيخ محمد أبو زهرة.
قرر السنهوري السفر إلى فرنسا لاستكمال رحلته العلمية، ليحصل على الدبلوم والدكتوراه التي أخذت قرابة خمس سنوات من حياته، من 1921 حتى 1926، وسجل فيها العديد من المذكرات. وعندما نذكر أن السنهوري رجل عصامي، فلأنه كذلك فعلا، فقد ناقش رسالتي دكتوراه أثناء هذه الرحلة العلمية؛ الأولى بعنوان: “القيود التعاقدية على الحرية الفردية للعمل في القضاء الإنجليزي”، والثانية بعنوان: “الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية”.
بعد انتهاء السنهوري من رحلته العلمية المليئة بالإنجازات، عاد إلى وطنه في منتصف عام 1926، ومن عجائب القصص التي تجعلنا نتفكر في كيفية قيام الأقدار بعملها، مهما سعى الإنسان وعمل، أنه عند عودة السنهوري إلى كلية الحقوق كان من المقرر أن يدرس مادة القانون الدولي العام، إلا أنه لم يقم بتدريسها؛ لأن الدكتور محمود سامي جنينة هو من كان يدرس مادة القانون الدولي العام، ومن المعلوم الآن أن السنهوري هو الأب الروحي للقانون المدني، الذي لم يكن من المقرر أن يقوم بتدريسه حينما عاد من مصر! وهو أيضا لم يكن متخصصا في الفرع المدني، فأغلب كتابته في القانون الإداري والدستوري حينذاك. والقانون المدني هو الشريعة العامة التي تعود إليها جميع القوانين، فكان السنهوري هو واضع الشريعة العامة في بلادنا العربية، أضف إلى ذلك بأنه لم يكتف بوضع القوانين المدنية العربية بل إنه في أواخر عمره قام بشرحها وخرج بالمؤلف الجبار “الوسيط في شرح القانون المدني”. فمن العجب أن الدكتور عبد الرزاق السنهوري كان من المقرر أن يقوم بتدريس مادة القانون الدولي إلا أن القدر غير مساره إلى القانون المدني.
أصبح السنهوري وزيرا للمعارف أربع مرات 1945-1949! فكان يعزل ويعين في كل مره يتغير فيها التشكيل، ويعود هذا التقلب في المناصب إلى أسباب سياسية..
فصل عبد الرزاق السنهوري من الجامعة في عام 1934؛ وذلك بسبب مواقف سياسية نحيل إليها في كتاب “السنهوري خلال أوراقه الشخصية، ص 248″، لكننا يجب أن نبين موقف زميله الأديب الكبير توفيق الحكيم، حيث كان يقسم ويحلف أن السنهوري مظلوم من جراء موقف فصله من الجامعة. وما مرت سنة على هذا الموقف إلا وقد زال الكرب، فجاءت الحكومة حينذاك وأعادته إلى الجامعة.
انتدب السنهوري إلى بغداد في عام 1935- 1936، وهذه رحلته الأولى إلى بغداد، وهي متعلقة بأمور علمية جامعية، فقام بتأسيس كلية الحقوق ومعهد العلوم الإدارية والمالية الذي يقوم بتخريج موظفين أكفاء إداريا. أضف إلى أنه قام بتأسيس مجلة القضاء؛ ثم عاد بعد عام إلى مصر بسبب مرض والدته. والجدير بالذكر أن السنهوري انتدب مرة أخرى إلى العراق، لكن كانت مهمته متعلقة بأمور تشريعية نحيل إليها في مقال أخر.
عاد السنهوري إلى مصر في عام 1937، وصار عميدا لكلية الحقوق، إلا أننا دائما نجد، من خلال قراءة سيرته الذاتية، أن المواقف السياسية تعصف به بعيدا، فقد عزل من منصبه، وعين قاضيا بالمحاكم المختلطة بالمنصورة في عام 1939، وفي ذات السنة انتقل إلى وزارة المعارف، ولكنه مرة أخرى أبعد عنها في عام 1942، فعمل السنهوري في المحاماة.
أصبح السنهوري وزيرا للمعارف أربع مرات 1945-1949! فكان يعزل ويعين في كل مره يتغير فيها التشكيل، ويعود هذا التقلب في المناصب إلى أسباب سياسية.. ترك السنهوري الوزارة باختياره حتى يصبح رئيسا لمجلس الدولة وذلك في عام 1949.
أخيرا، لا عجب في أن يرتكز اسم عبد الرزاق السنهوري أعلى هرم الفقه والقانون، وذلك يعود لتقلده جميع وظائف السلك القانوني. فقد بدأ وكيلا في النيابة، ثم صار أستاذا منظرا للآراء الفقهية حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون، وتعمد رئاسة كلية الحقوق في القاهرة، وصولا إلى مطرقة القضاء، فصار قاضيا في المحاكم المختلطة، وبعد ذلك محاميا يترافع ويمارس مهنة المحاماة، وأصبح وزيرا للمعارف ورئيس مجلس الدولة، فسلك جميع طرق التي يسلكها حديث التخرج من كلية القانون راغبا أو مرغما. فالطبيعي أن تكون ثمرة إنتاجه وشهرته كما نراها الآن؛ لأنه كان شخصا موسوعيا عرف جميع المجالات وخاض فيها.. رحم الله فقيه الأدباء وأديب الفقهاء العلامة عبد الرزاق السنهوري.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق