الحُب يُروّضنا!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 5 أغسطس, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 5 أغسطس, 2023

الحُب يُروّضنا!

كان توفيق الحكيم رافضا فكرة الزواج رفضا قاطعا، إلى درجة أنه عندما تزوج تفاجأَ الجميع؛ كان الأمر ملفتا كانقلاب شاحنة وسط الطريق، وغريبا كمنظر فقمة في الصحراء، ومتناقضا كأن يقرر أكبر محاربي التدخين أن يشتري علبة سجائر ويدخن!.
الرجل الذي طالما ردد أنه ضد فكرة إنشاء الأُسرة قرر أن ينشىء أُسرة، والكاتب الذي كان يعتبر المرأة قيدا قرر أن يُقيّد نفسَه!. لا أحد استطاع أن يفهم ما حدث، وشخصيا أعتقد أن توفيق الحكيم نفسه لم يفهم بداية الأمر ما حدث! ربما كان في أعماقه يشعر بالأمر، ولكنه يستميتُ في تجاهله وإنكاره، يمشي خطوتين إلى الأمام ويرجع واحدة إلى الوراء؛ كان يُفزعه أن يسقط بالضربة القاضية، لهذا حاول  الهرب.
فُتِن توفيق الحكيم بجارته الحسناء، ورؤيتها كل يوم.. كانت تهدم أفكاره القديمة، فثمة أحاسيس لم يعرفها من قبل، ثمة حُبّ ضربه كالبرق وقد كان من قبل ينكر وجوده!.
هروبه كان في شروطه الصعبة التي وضعها على جارته عندما طلب يدها، أرادها أن ترفض ليُريح ويستريح. لقد اشترط عليها أن يبقى الزواج سِرّا فلا يعرف بأمره غير عائلته وعائلتها، وأن يسافر وحده كي لا ينتبه أحد إلى الأمر، وأن لا يستقبلا في بيتهما ضيوفا، وأن لا يصحبها إلى مكان عام، وأن لا يتدخل في تربية الأولاد ومشاكلهم لأنه يريد أن يكتب ويقرأ فقط، وأن ينام كل واحد منهما في غرفة! وكانت المفاجأة أن جارته الحسناء وافقت على كل الشروط، حتى أنها لم تكترث إلى أنه يكبرها بعشرين عاما!.
وتم الزواج، وشيئا فشيئا كانت بدهائها وأُنوثتها، وحبّها في قلبه، تسلبه تلك الشروط شرطا شرطا، حتى كتب نهاية المطاف في الجريدة مقالة أعلن فيها الخبر، وكان مما قاله: الحُبُّ، ليس غير الحُبّ يستطيع أن يجعل حياتك أفضل!.
وقع توفيق الحكيم أرضا بالضربة القاضية، لا أمام لكمة قوية، وإنما أمام نظرة رقيقة!.
هو الحُبّ.. ليس غيره مُليِّن الرجال القساة، وخالع أبواب القلوب المقفلة!. ويحسب المرء أنه مُحصَّن تماما ضد الحب، وأنه ليس له به شأن، وأن كل ما يُقال عنه إنما هو كلام روايات، وخيالات ناس؛ فإذا ما صار عاشقا تحوَّل شاعرا!.
غريب هو العشق، والله غريب، وإنك لترى الرجل الحازم الذي له عقل يزن بلدا، فتقول ما للعشق على هذا من سبيل، ثم تطرحه عين كحيلة بالضربة القاضية، فتسلبه نومه ورقاده. وإنك لترى الرجل المزدحمة أيامه فلا وقت لديه ليحكّ رأسه، فتقول هذا آلة عمل، وما من شيء قادر على أن يُغيّره؛ ثم يفتك به رمش، فيقلب حياته رأسا على عقب. وإنك لترى الرجل له ثغر يحرسه، وطريق يمشيه، ومجد يصنعه، وخطورة يُشيّدها، فتقول ما للحُب على هذا حكم ولا قضاء؛ فإذا ما عشق وجدْتَه شغوفا حتى لتتفاجأ نفسه من نفسه، وكأنها قاعدة أن الرجال كلما ازدادوا خطورة ازدادوا شغفا!.
وما على المحبين من سبيل ولا جريرة، وسبحان من يحول بين المرء وقلبه، وإنما الجريرة على الفعل لا على المشاعر، فادخلوا البيوت من أبوابها أو تعففوا؛ فإن العفة جهاد.. والله جهاد!.

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...