اللعبة الحذرة: كيف أبقى حزب الله وإسرائيل الغطاء محكمًا على حرب أوسع نطاقًا؟

بواسطة | يونيو 10, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بواسطة | يونيو 10, 2024

اللعبة الحذرة: كيف أبقى حزب الله وإسرائيل الغطاء محكمًا على حرب أوسع نطاقًا؟

لكل من الجانبين أسبابه الخاصة لتوخي الحذر في هجماته لتجنب صراع إقليمي

أظهر مقطع فيديو حديث، تم إعداده مع موسيقا تصويرية إلكترونية مفعمة بالحيوية، ما قالت ميليشيا حزب الله إنها طائرة بدون طيار تطلق صواريخ، وهذا سلاح جديد في ترسانتها في الوقت الذي تكثف فيه ضرباتها على إسرائيل.

إن التباهي بالسلاح الجديد هو نوع من استعراض العضلات الذي يتباهى به حسن نصر الله، زعيم التنظيم المراوغ. وقد قال في خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام أمام مقاتليه: “ما يحميكم هو قوتكم، وشجاعتكم، وأسلحتكم، وصواريخكم، وتواجدكم في الميدان”.

إن هجمات حزب الله، التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تضامناً مع حماس في حرب غزة، تكثفت تدريجياً مع استخدام الجماعة لأسلحة أكبر حجماً وأكثر تطوراً لشن ضربات أكثر تكراراً، وعلى عمق أكبر خارج الحدود بين إسرائيل ولبنان.

وجاءت الطفرة الأخيرة لحزب الله، مع سلسلة من الغارات اليومية بطائرات بدون طيار، التي تشنها الميليشيا التي أصابت بعض الأهداف المدنية داخل إسرائيل؛ وقام كبار المسؤولين، بدءاً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإطلاق تهديداتهم الخطابية ضد حزب الله، ما يشير إلى أن يوم المحاسبة أصبح قريباً. ومع ذلك، كلما تصاعد القتال، يبدو أن حزب الله وإسرائيل يحسبان هجماتهما المتبادلة بدقة، بحيث لا تؤدي أي ضربة إلى اندلاع صراع أكبر.. ورغم استمرار المخاوف بشأن نشوب حرب أوسع نطاقًا، يبدو أن كلا الجانبين مكبلان بطرق مختلفة تجبرهما على ضبط النفس.

يوضح مقطع الفيديو – الذي نشره المكتب الإعلامي العسكري لحزب الله في شهر مايو– كيف أن الجماعة لم تكن أقوى في بعض النواحي. وقد زودتها إيران، راعيتها الرئيسية، بمجموعة متزايدة القوة من الصواريخ. بالإضافة إلى ذلك، اكتسب حزب الله خبرة كبيرة في ساحة المعركة، بعد سنوات من نشر ما لا يقل عن 2500 جندي من القوات الخاصة في سوريا للمساعدة في دعم حكم بشار الأسد.

لكن حزب الله ليس مجرد قوة مقاتلة؛ لقد تطور إلى حركة سياسية لبنانية أوسع يجب أن تفكر قبل جر البلاد بأكملها إلى حرب أخرى، بينما يستمر السكان المنهكون من الصراع في الترنح خلال أزمة اقتصادية ممتدة.

ويقول مسؤولون لبنانيون إن العنف على الحدود كلف بالفعل مليارات الدولارات من عائدات السياحة والزراعة. وخلفت الحرب الأخيرة، في عام 2006، دماراً في جميع أنحاء البلاد، وتشريد ما لا يقل عن مليون شخص. وساعدت الدول العربية وإيران في تمويل إعادة الإعمار، ومن غير الواضح ما إذا كانوا سيفعلون ذلك مرة أخرى، وقد وقع عدد لا يحصى من اللبنانيين منذ ذلك الحين في براثن الفقر مع انخفاض قيمة الليرة من 1500 ليرة أمام الدولار، إلى 89 ألف ليرة.

مئات الآلاف من النازحين

منذ أكتوبر/ تشرين الأول نزح حوالي 100 ألف مدني لبناني على طول الحدود الجنوبية، والعديد منهم مزارعون، ومع كساد وبوار المحاصيل  يُمنحون إعانة شهرية قدرها 200 دولار من حزب الله.

خضر سرحال (60 عاماً) مزارع من قرية كفركلا الحدودية، يبيع صابون زيت الزيتون في سوق الطيب، السوق الذي يتوافد عليه محبو موسيقا الجاز في بيروت كل يوم سبت لشراء المنتجات العضوية؛ وقد وصف كيف كان هو وزوجته يحصدان الزيتون في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عندما أجبرتهما انفجارات شديدة في مكان قريب على الفرار إلى بيروت، حيث بقيا. وقال متأسفاً: “إذا سألتني لماذا حدثت هذه الحرب، فليس لدي إجابة”.. ولم يكن متأكداً ما إذا كان منزله أو المقهى الذي طالما حلم به، والذي افتتحه في القرية قبل أسبوع من اندلاع القتال، لا يزال سليماً.

وقال أحد أصحاب الأعمال الصغيرة الذين أجبروا على التخلي عن حوالي 100 جرة من زيت الزيتون من بين سلع أخرى، إن مسؤولي حزب الله الذين استجوبهم لا يستطيعون تفسير سبب مشاركة لبنان. وأضاف: “إنهم إما يردون بالكلام والخطب أو بالتنبؤات”، رافضاً ذكر اسمه خوفاً من الانتقام، وأضاف: “هم أنفسهم ليس لديهم إجابة”.

ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول، قُتل أكثر من 300 من مقاتلي حزب الله، ونحو 80 مدنياً لبنانياً، في حين قُتل ما لا يقل عن 19 جندياً إسرائيلياً وثمانية مدنيين.

وقالت سلوى (49 عاما) إنها تركت منزلها وانتقلت إلى غرفة صغيرة في إحدى المدارس، حيث تتقاسم 25 عائلة ثلاثة حمامات. وكثيراً ما يقوم السكان بزيارات خاطفة جنوباً لتفقد الدمار، بدءاً من المنازل المسطحة إلى الأثاث الذي قضمت الفئران أشلاءه؛ وقدر أحد رؤساء البلديات المحلية أن 6000 وحدة سكنية في جميع أنحاء الجنوب قد دمرت كليًا أو جزئيًا.

وفي رحلتها الأخيرة إلى المنزل، اكتشفت سلوى، التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل خوفًا من الانتقام، قطة واحدة فقط لا تزال على قيد الحياة من بين قططها العشرة و15 كلبًا. وقالت: “سألت نفسي لماذا نحن في هذه الحرب؟ يقولون إن ذلك بسبب فلسطين، لكن فلسطين ستستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم تحريرها.. كان الله في عون الفلسطينيين”.

لدى إسرائيل أيضًا عدد من العوامل التي تعيقها؛ فجيشها يكافح بالفعل لتحقيق هدفه المعلن، المتمثل في القضاء على حماس في غزة، في حين حذرت واشنطن إسرائيل من إشعال المنطقة على نطاق أوسع. وقد هدد نتنياهو بأن إسرائيل سوف تكرر تدمير غزة في لبنان في حرب واسعة النطاق.. رداً على ذلك، أطلق حزب الله تدريجياً العنان لأسلحة أكثر تطوراً، مثل تلك التي تظهر في الفيديو.

وقالت منى يعقوبيان، التي ترأس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن: “لقد أوضح الإسرائيليون أنهم سيدخلون دون أي قيود، وستكون هذه عملية واسعة النطاق”؛ وتابعت: “هذا صراع يمكن أن يحيط بجزء كبير من إسرائيل، أعتقد أن هذا هو في الواقع ما جعل الجانبين يتوقفان.. سيكون هذا صراعًا لا يشبه أي صراع سبقه”.

وعلى الرغم من إحباطهم إزاء إجلائهم المطول، فإن السكان على الحدود اللبنانية غالباً ما يتجنبون انتقاد حزب الله خوفاً من أجهزته الأمنية، وما زالوا ممتنين لأن حرب العصابات التي خاضها ساعدت في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي من عام 1982 إلى عام 2000.

يعكس الخليط الطائفي المذهل للسياسة اللبنانية التناقض على الأرض؛ وقد أدى القتال إلى كسب بعض الحلفاء الجدد لحزب الله، بينما أدى إلى إبعاد آخرين. على سبيل المثال، أيد بعض المسلمين السنة، الذين دعموا تقليديا القضية الفلسطينية، هذه الهجمات.

الولاء لإيران

لكن حزب الله اجتذب منذ فترة طويلة غضب الفصائل الأخرى، بسبب احتفاظه بجيشه الخاص وولائه لإيران. وقال سامي الجميل، عضو البرلمان ورئيس حزب سياسي يميني غالبيته مسيحية، إن “المشكلة اليوم هي أن دولة لبنان لا تسيطر على أراضيها، ولا تسيطر على قرار الحرب والسلام”.

لقد قامت إيران ببناء حزب الله جزئياً على الأقل كرادع لإسرائيل عن مهاجمة الجمهورية الإسلامية. وقال الجميل، الذي شغل والده أمين الجميل منصب رئيس لبنان، إن إيران لا تريد التضحية بحزب الله في مقابل إنقاذ حماس، لكنها يمكن أن تكون متعجرفة أيضًا بشأن الدمار في لبنان. وأضاف: “منطق الميليشيات هو أنهم إذا بقوا على قيد الحياة بعد الحرب، فإنهم منتصرون – مهما كانت الخسائر”.

وأدت النزاعات الحدودية الأخرى بين لبنان وإسرائيل بشأن الأراضي واحتياطيات الغاز المحتملة في البحر الأبيض المتوسط إلى تفاقم العلاقات. وكانت واشنطن، التي تتفاوض بشكل غير مباشر مع حزب الله، توسطت في اتفاق بشأن الحدود البحرية، وكانت تعمل على القضايا البرية، لكن الجماعة علقت مشاركتها مع استمرار حرب غزة.

وقال السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، مراراً وتكراراً منذ تشرين الأول/ أكتوبر إن “جبهة المقاومة في لبنان” تحقق هدفها المتمثل في إضعاف إسرائيل؛ وقال في خطاب ألقاه مؤخراً: “إن حرب الاستنزاف تنجح على المستويات الإنسانية والأمنية والاقتصادية والروحية والأخلاقية والنفسية”.

وأبعدت إسرائيل نحو 60 ألف ساكن من الشمال، وتعهد مسؤولون كبار مرارا وتكرارا بتوفير الأمن اللازم لعودتهم، دون تحديد كيفية العودة. وفي إسرائيل، كان القلق بشأن “النسخة الشمالية” من الهجوم الدموي المفاجئ، الذي نفذته حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، سبباً في حشد بعض التأييد لشن حرب استباقية.

وقالت سيما شاين، المسؤولة الكبيرة السابقة في الموساد، إن الأجهزة الأمنية تناقش مزايا التصعيد؛ وأضافت: “الناس لا يشعرون بالأمان بسبب ما رأوه في الجنوب، وحزب الله أفضل بكثير من حماس”.

وتكثفت المناقشات في إسرائيل حول احتمال نشوب حرب واسعة النطاق مع الغارات اليومية الأخيرة بطائرات بدون طيار؛ وبينما ركزت مثل هذه الهجمات في السابق إلى حد كبير على أهداف عسكرية، ضرب حزب الله هذه المرة مدنًا لم يتم إخلاؤها – مثل نهاريا على الساحل وكتسرين في مرتفعات الجولان- كما أُشعلت حرائق الغابات في الشمال. وقال الجيش الإسرائيلي إنه رد بقصف مواقع حزب الله بالمدفعية والطائرات المقاتلة.

في نهاية المطاف، كانت الحروب الحدودية مشحونة دائمًا بالسؤال الأكبر حول من سيشكل السرد المستقبلي للشرق الأوسط.. وتتضمن إحدى الرؤى، التي افتتحتها مصر والأردن منذ عقود من الزمن، قبول إسرائيل كجارة، مع النظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها الجائزة النهائية. وقد أدى الهجوم الدموي الذي شنته حركة حماس، إلى إخراج ذلك القطار الذي كان متسارعاً ذات يوم عن مساره.

والبديل هو ما يسمى بمحور المقاومة في إيران، وهو التحالف الذي يتألف في معظمه من المسلمين الشيعة، من القوى الوكيلة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، والتي تتبنى الصراع المسلح مع إسرائيل. وحزب الله هو أقوى قوة بنتها إيران لتحقيق هذه الغاية.

قالت راندا سليم، الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “إنهم جميعًا يتنافسون على قيادة المنطقة”.

المصدر: نيويورك تايمز
تاريخ النشر: 07/06/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

أحياناَ، قد تصادم بعض الآثار الملموسة حكايا استقرت في نفوسنا.. فبعد أن بُنيت في عقولنا قصص ومرويات من الماضي، كثيرًا ما نجد أن بعض الباحثين في مجال الآثار الملموسة والنقوش وغيرها قد اكتشفوا أدلة تناقض المرويات الشفهية أو المسندة! فهل الآثار وسيلة مشكوك بها في قراءة...

قراءة المزيد
نتنياهو فاشل ويعرّض أمن إسرائيل للخطر

نتنياهو فاشل ويعرّض أمن إسرائيل للخطر

أي خطأ في الحسابات قد يدفع إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين. وفي حين تعهدت الولايات المتحدة بأنها تحمي ظهر إسرائيل، فإنها تصر على أنها لا تستطيع ضمان نتيجة مثالية للحرب كما تراها تل أبيب منذ يومين قدم الجنرال تشارلز براون،...

قراءة المزيد
اغتيال عمر.. دلالات الأحداث المتسارعة قبل التنفيذ في المحراب النبوي

اغتيال عمر.. دلالات الأحداث المتسارعة قبل التنفيذ في المحراب النبوي

بعد وصول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى المدينة تسارعت الأحداث، وتقاصرت الساعات التي ستشهد فيها الأمة الإسلامية وتاريخها آخر صفحات الخليفة الراشدي الثاني. محاولة افتعال إشكال شخصي جاء أبو لؤلؤة الفارسي إلى أمير المؤمنين عمر يشكو سيده المغيرة بن شعبة، لأنه يأخذ منه...

قراءة المزيد
Loading...