المسرحية القاتلة التي تمارسها إسرائيل على مرأى من الجميع تخفي أهدافها الحقيقية

بواسطة | أبريل 1, 2024

بواسطة | أبريل 1, 2024

المسرحية القاتلة التي تمارسها إسرائيل على مرأى من الجميع تخفي أهدافها الحقيقية

لننس أهداف إسرائيل المعلنة بشأن تدمير حماس.. كان هدفها الحقيقي وغير المعلن دائمًا هو جعل غزة مكانًا غير صالح للسكن، وتدمير أكبر قدر ممكن من آثار الحياة الفلسطينية

كتب أحد الأصدقاء في غزة مؤخرًا: “الأهداف غير المعلنة للحرب هي قتل أكبر عدد ممكن من الناس، وتدمير أكبر عدد ممكن من المنازل والمباني، وتقليص مساحة القطاع وتقسيمه، والسيطرة على موارد الغاز، ومنع إنشاء دولة فلسطينية.. الدولة الفلسطينية وحماس والرهائن هي قضايا هامشية بالنسبة لإسرائيل”.

وتتجلى دقة هذه “الأهداف غير المعلنة” في كل دقيقة، مع استمرار مسرحية “الثرثرة الرسمية”، على الرغم من القرار الأخير للأمم المتحدة الذي يطالب بوقف إطلاق النار في غزة.

بعد تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن المثير للجدل عن قرب الوصول لاتفاق، وكلامه المتلعثم بشأن ضمان “وقف إطلاق النار” في غزة بحلول شهر رمضان، وأن “مستشار الأمن القومي يخبرني… إننا قريبون… وآمل أن نتمكن بحلول يوم الاثنين المقبل من تحقيق ذلك”، وأنه “سوف يكون هناك وقف لإطلاق النار”.. مر الاثنين الذي تلاه ومرت أيام أخرى كثيرة دون تحقيق أي تقدم، واستمرت الهمهمة والتصريحات المتلعثمة.

واستمرت العبارات المبتذلة أيضًا، فالمتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، صرح بصوت عالٍ قائلًا “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، واعتبر أن “الولايات المتحدة تبذل جهودًا أكبر من أي طرف آخر لجلب المساعدات الإنسانية”، وبطبيعة الحال بدأت المأساة، و”بدأ كل شيء يوم 7 أكتوبر 2023”.

وإذا كان هناك شخص يمكن أن يكون أكثر غطرسة ونفاقًا، فإن جهود المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، تبرز بشكل لافت، مع رئيس الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكين، الذي كان يحرك عينيه الدامعتين، ويبدو وكأنه يخرج عن دوره المرسوم له معبرًا عن “القلق الأخلاقي” في عرض علني.

وكأن كل هذا لم يكن كافياً لإثارة الاشمئزاز، فكافحت نائبة الرئيس كامالا هاريس سعيًا لتجميع بعض الجمل المتماسكة في الإشارة إلى الفضيلة، حيث أيقظتها ساعة المنبه في حملة 2024 على ما يبدو من سبات عميق.

رفعت هيئة الصحافة المطيعة صوتها بمقدار درجة أو اثنتين، لكن لم يطرح أحد أسئلة محددة، مثل “لماذا يمنع الإسرائيليون المساعدات ويطلقون النار على الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى كيس من الدقيق؟”، أو “لماذا لا تطلب الولايات المتحدة من حليفتها فتح المعابر البرية؟”.. لكنهم جميعًا يتراجعون في انقياد، حتى يتم استدعاؤهم مرة أخرى للمشاركة في التمرين التالي في التمثيلية.

– “تباين مذهل”

ومع استمرار هذا الوضع، يأتي الدور على آخرين للظهور على المسرح.. ففي الشهر الماضي، قام أحد جنود سلاح الجو الأمريكي، آرون بوشنيل، بإشعال النار في نفسه خارج السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وهو يصرخ “فلسطين حرة”، وتوفي في وقت لاحق في ذلك المساء. وقام آخرون من قدامى المحاربين بإحراق زيهم العسكري علنًا احتجاجًا على الدور الأمريكي في غزة؛ ويواصل المحتجون منع المتحدثين العامين والسياسيين.

الناس في جميع أنحاء العالم يدركون الواقع المروع في غزة، ويشعرون بالغضب، ويتحركون.. فنانة أيرلندية في دبلن ترسم لوحات جدارية عن غزة تجد نفسها على اتصال مع أم طفل قُتل على يد الإسرائيليين؛ والملايين يتظاهرون أسبوعيًا في اليمن.

قالت جوزفين غيلبو، وهي محاربة قديمة في الجيش الأمريكي متقاعدة حديثًا بعد خدمة 17 عاماً، وهي تحمل لافتة “أوقفوا إطلاق النار” في واشنطن العاصمة، متحدثة عن مقطع فيديو لطائرة مسيرة إسرائيلية: “لدينا تكنولوجيا يمكننا من خلالها رؤية من هم بالضبط في هذه المواقع… استهداف وقصف المنازل مع معرفة طبيعة الأشخاص وعدد الأطفال الموجودين فيها بالفعل، هذا ليس دفاعاً عن النفس. الخسائر في صفوف المدنيين كارثية، النخبة التي تجلس في الكابيتول هيل تكذب مرارًا وتكرارًا… إحدى أكبر الصحوات التي مررت بها، هي إدراك مدى فساد حكومتنا وأن أي شخص في الجيش هو مجرد فرد واحد، أو قطعة شطرنج يستخدمونها في أوقات فراغهم لتحقيق مكاسب داخلية خاصة بهم لحماية أصولهم الداخلية وأموالهم”.

ومع تصنيع الأدوات الخاصة بالأسلحة الأميركية في كل منطقة انتخابية تابعة للكونجرس في البلاد تقريباً، فإن الباب الدوار بين جماعات الضغط والمسؤولين الحكوميين يستمر في الدوران، وتستمر “ميزانية الدفاع” المتضخمة في النمو.

أما بالنسبة إلى سبب بدء هذه التمثيلية القاتلة، فيتعين علينا أن ننظر إلى الوراء، حتى إعلان بلفور عام 1917.. إن النص المؤلف من 67 كلمة هو مخطط لحالة الاستثناء السياسي والقانوني التي لا يزال الفلسطينيون يجدون أنفسهم فيها، والتي لا تزال القوى الإمبريالية والمؤتمرات الدولية والأنظمة العميلة العربية ومختلف اللاعبين الآخرين على المسرح يجدون أنفسهم يرقصون حولها أو يعزفون لحنها.

وكما كتب الاقتصادي اللبناني جورج قرم، فهو “نص يتميز بعنصريته الباطنية التي أدرجت فيها المأساة الفلسطينية بأكملها.. لا توجد كلمة واحدة عن الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني الذي يرفضون ذكر اسمه، تمامًا كما يتم القضاء على أي إمكانية لوجوده الجماعي من خلال حرمانه من جميع الحقوق السياسية”؛ مشيرًا بذلك إلى “التفاوت المذهل” فيه، ووصفه بأنه “نص مستقبلي، الإعلان محفور في الذاكرة العربية كنصب للانحراف”.

– خطوة ساخرة واستثنائية

لقد تم عرض جميع القضايا الرئيسية التي حشدها هذا النص “المستقبلي” بوضوح تام: عدم المساواة، والحقوق السياسية، والديموغرافيا، وأيضًا رأس الرمح الإمبريالي.

“معقل الحضارة ضد البربرية”، كما قال ديفيد بن غوريون، أو كما أعلن السيناتور بايدن آنذاك بقوة في عام 1986: “لقد حان الوقت لنتوقف عن الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل؛ إنه أفضل استثمار لـ 3 مليارات دولار نقوم به؛ ولو لم تكن هناك إسرائيل، لكان على الولايات المتحدة الأمريكية اختراع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة”.

لا يبدو من التناقض على الإطلاق أن يكون بايدن هو الشخص الذي يشرف الآن على الإبادة الجماعية الحالية، وحتى كتجربة فكرية، فمن المفيد التفكير في كيفية رد فعل الطبقة الليبرالية على الوضع في غزة لو حدث ذلك في ظل رئاسة دونالد ترامب. ولا يمكن للمرء إلا أن يتخيل النقاد الإعلاميين، والساسة، وهوليود، والأوساط الأكاديمية، كلهم يتحدثون في انسجام تام عن الغضب الأبيض، وسيادة الفاشية، ونهاية الديمقراطية، إلى آخر كل ذلك.

أما بالنسبة للتناقض، فهو الهواء الذي نتنفسه، والوقود الذي ينشط آلة الدعاية التي تنتج قرع طبول التنافر المعرفي بلا هوادة.. الأجواء نفسها التي يتطلع إليها سكان غزة في حالة من الرعب، مع عدم وجود ما يحميهم من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار المستمرة في تحليقها، ومن القصف الجوي.. أصبحت الآن مصدرًا للوجبات غير الحلال منتهية الصلاحية، تنزلها الولايات المتحدة بالمظلات، وتقوم أيضًا بتوصيل الأسلحة.

وفي خطوة ساخرة إلى حد غير عادي، تضيف الولايات المتحدة ميناءً جديدًا إلى هذا المزيج، باستخدام أنقاض المنازل والمؤسسات الفلسطينية المدمرة؛ وربما تجد أجزاء من المستشفيات أو الجامعات نفسها مغمورة ببقايا الجثث المتحللة التي لم يتم انتشالها من تحت الأنقاض. ولا نعرف بعد ما إذا كانت هذه المنطقة ستصبح قاعدة عسكرية أو منفذ خروج للتهجير الجماعي، ولكن – كما يقول الأمريكيون- “لا يمكنك تخيل هذه الأشياء”.

– قانون الدمار الأكبر

وبينما يتردد صدى كل هذه الشظايا من الإبادة الجماعية والمهازل الجيوسياسية عبر ما تبقى من قدراتنا العقلانية – جنبًا إلى جنب مع القناصة الإسرائيليين والمدفعية التي تستهدف الفلسطينيين الذين يبحثون بشدة عن الطعام- فإن سكان العالم يتعرضون لأشياء لا تمت للتعقل بصلة.

يزعم المتحدثون باسم الولايات المتحدة أنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لحماس في العملية السياسية، في إشارة إلى الإعلانات التي تم تجاوزها منذ فترة طويلة، في حين تدوس الولايات المتحدة على المعاهدات التي لا تزال موقعة عليها.

طوال الوقت، تعمل إسرائيل بموجب قانون الدمار المتزايد كوسيلة لإخفاء الدمار السابق تحت السجادة، وخلق الوهم بأن هناك “جانبين” وليس قوة واحدة مهيمنة مغرمة بقمع جميع أشكال المقاومة، ومحو كافة فرص الحكم الذاتي والاستقلال.

ونحن نرى صور الأطفال الذين يموتون جوعًا، من يتذكر الأخبار الكاذبة عن صاروخ زائف منسوب للجهاد الإسلامي أدى إلى مقتل العشرات في المستشفى الأهلي العربي؟

وبينما يجري ما خططت له إسرائيل، فيُقتل بالمجاعة والمرض المنتشرين على نطاق واسع المزيد والمزيد من الناس، من يتذكر التدمير التام للجامعات والاغتيالات التي استهدفت الأكاديميين والصحفيين؟ إذا اضطر الفلسطينيون في غزة إلى عبور الحدود بشكل جماعي، فمن سيتذكر دير ياسين والنكبة؟

وعلى الرغم من قوتها الهائلة، فإن إسرائيل قد فشلت في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها المعلنة، ولم تقم بإعادة الرهائن إلى وطنهم، وما زالت قوات حماس تقاوم. ووسط فوضى الإنزال الجوي و”مجزرة الطحين”، كافحت شرطة غزة لاستعادة السيطرة، ووزعت منشورات تمنع الناس من دخول الدوارات القاتلة.

في 17 مارس/ آذار 2024، وفي مواجهة الحشود المبتهجة، وصلت أكثر من اثنتي عشرة شاحنة مساعدات – وهي أول قوافل غذائية تصل إلى شمال غزة دون وقوع حوادث منذ أربعة أشهر- إلى طوابير منظمة من الناس المتجمعين في مستودع الأونروا في جباليا.

لكن الهجوم الأخير على مستشفى الشفاء، والاغتيال الذي استهدف في اليوم نفسه فائق المبحوح، مدير العمليات في شرطة غزة، يخبرك بكل ما تحتاج إلى معرفته عن أهداف إسرائيل، كما ورد في مقالة أساسية في موند وايس.. اغتيل ضباط شرطة آخرون مع عائلاتهم، إلى جانب العشرات من عمال الإغاثة.. أي نظام لا تمليه أو تفرضه إسرائيل يجب في عُرفها طمسه!

– قسوة غير مسبوقة

الاستنتاج الواضح هو أن أهداف إسرائيل المعلنة ليست أهدافها الحقيقية، كما كتب صديقي في غزة.. الأهداف الحقيقية التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها هي ما يجري الآن: جعل غزة غير صالحة للسكن، وتدمير أكبر قدر ممكن من آثار الحياة الفلسطينية، سواء الحاضرة أو الماضية.

ولكن من أجل تحقيق ذلك، يتعين على آلة الاحتلال أن تقدم أشكالاً جديدة من التعاون، وهو الأمر الذي وضعت حماس حداً له – وبقوة في كثير من الأحيان- في غزة؛ وهذا هو السبب الجذري لسياسة القسوة غير المسبوقة التي تنتهجها إسرائيل بينما تواصل هجومها.

وتقوم إسرائيل بذلك بشكل أكثر فاعلية من خلال ترديد أكبر كذباتها، من خلال تفعيل التناقض في كل هجوم، سواء كان حملة قصف، أو هدم منزل، أو الاستيلاء على أراضٍ، أو مداهمة جماعية، ما يجعل كل عمل من أعمال المقاومة جريمة محتملة يعاقب عليها بالإعدام.

قوة نووية لم توقّع مطلقًا على معاهدة حظر الانتشار النووي ولم تسمح بتفتيش منشآتها في ديمونة، ومع كون الأسلحة والتكنولوجيا المتاحة والأكثر تطورًا في العالم تحت تصرفها، مع قوة جوية وبحرية، وما مجموعه حوالي 635 ألف جندي، تواصل الترويج للتمثيلية القائلة إن تحالفًا مكونًا من 30 ألف مقاتل من دون دبابات، وبلا مدفعية مضادة للطائرات، وبلا قوة جوية أو بحرية، على وشك تدمير “الدولة اليهودية”.

يجري كل ذلك بينما يتم في الوقت نفسه تجريم ومحو أي شكل من أشكال المقاومة المدنية لحالة الحصار التي استمرت لعقود من الزمن.. هذا لا ينطلي على أي ساذج بالعالم.

المصدر: ميدل إيست آي | Ammiel Alcalay
تاريخ النشر: 26/03/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

بعد أن طُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في المحراب في صلاة الفجر، يومَ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، احتمله الناس إلى بيته وجراحُه تتدفق دما. همّ الخليفة أن يعرف قاتله كان من أوائل ما طلبه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعرف...

قراءة المزيد
حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع "دودي الفايد" مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات "ديانا"!. للتذكرة.. "دودي" (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن. نحن –...

قراءة المزيد
الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

ظل مالك بن نبي مصراً على أن ملحمة الاستقلال العربي الإسلامي، الممتد إنسانياً بين أفريقيا وآسيا، تنطلق من معركة التحرير الفكري بشقّيها؛ كفاح الكولونيالية الفرنسية عبر روح القرآن ودلالته الإيمانية، ونهضة الفكر الذاتي الخلّاق من أمراض المسلمين، والرابط الروحي والأخلاقي...

قراءة المزيد
Loading...