دعاية الحوثيين أصبحت عالمية بعد سطوعها في اليمن

بواسطة | يناير 27, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بواسطة | يناير 27, 2024

دعاية الحوثيين أصبحت عالمية بعد سطوعها في اليمن

الحرب في غزة منحت الحوثيين جمهورًا دوليًا، واغتنمت الجماعة الفرصة لنقل رسالتها إلى ما هو أبعد من حدود اليمن

بعد فترة وجيزة من اختطاف ميليشيا الحوثي اليمنية سفينة تجارية في البحر الأحمر، واحتجازها مع طاقمها المكون من 25 فرداً كرهائن، استخدمت الجماعة المسلحة السفينة وسجلت فوقها فيديو غنائيًا.

في هذا الإنتاج الاحترافي المسمى “محور الجهاد”، تحلق كاميرا طائرة درون فوق السفينة الضخمة، ثم يظهر شاعر حوثي مشهور على سطح السفينة – مصحوبًا بما يبدو أنه مجسم لقاسم سليماني، القائد الإيراني الذي اغتيل في عام 2020، ويبدأ المنشد عيسى الليث في الغناء، وينشد “الموت لأمريكا والصهاينة المعتدين” مدعومًا بإيقاع حماسي رهيب: “لن نهزم بإذن الله”.

لطالما كان الحوثيون –الميليشيا المدعومة من إيران، والتي تسيطر على شمال غرب اليمن – منتجين ماهرين للدعاية، وصياغة الشعر والبرامج التلفزيونية ومقاطع الفيديو الغنائية الجذابة لنشر رسائلهم؛ لكن لم يكن لديهم من قبل جمهور كبير كما هو الحال الآن، حيث دفعتهم الحرب في قطاع غزة إلى قلب معركة عالمية، جذبت معها معجبين جدد في جميع أنحاء العالم.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، برز الحوثيون في جميع أنحاء العالم من خلال إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، ومهاجمة السفن في البحر الأحمر، ما تسبب في أضرار محدودة؛ ولكن الهجمات عطلت تدفق التجارة العالمية، واستهدفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجماعة بضربات جوية متكررة هذا الشهر، ما زاد من ظهورها.. لكن الهجمات على سفن الشحن استمرت ولم تتوقف.

وأعلن الحوثيون أن المعركة المباشرة مع الولايات المتحدة هي هدفهم، وفي المظاهرات الأخيرة ردد أنصارهم بيتًا من قصيدة حوثية شهيرة: “لا نبالي، لا نهتم، فلتكن حربًا عالمية كبرى”. ويصور قادة الحوثيين حملتهم على أنها معركة عادلة لإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة، حيث قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 25 ألف فلسطيني منذ هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس، وفقًا للسلطات الصحية في غزة.

والآن، يتحدث الحوثيون، الذين يستغلون الغضب واسع النطاق بشأن ممارسات إسرائيل في الحرب، ليس فقط مع إخوانهم العرب، ولكن أيضًا مع مواطني جنوب آسيا والأوروبيين والأمريكيين، الذين لا يعرف أكثرهم سوى القليل عن مجموعة المتمردين السابقين وتاريخهم الدموي في اليمن.

وكتب محمد البخيتي، أحد كبار السياسيين الحوثيين، على حسابه بمنصة إكس يوم الثلاثاء، وهو يروج لمقطع فيديو على موقع يوتيوب لمقابلة أجراها مع كاتب أمريكي، “إن النصر في معركة الوعي أهم من النصر في المعركة العسكرية”. وفي الأيام الأخيرة، ينشر السيد البخيتي على موقع إكس بشكل شبه حصري باللغة الإنجليزية، ينتقد فيه الإمبريالية الغربية و”العصابة الصهيونية الحاكمة”، بينما يناشد أتباعه الأمريكيين قراءة أعمال المفكر اليساري نعوم تشومسكي. وكتب: “سأنشر رسالتي الآن إلى شعوب الدول الغربية، وآمل أن يعيد أحرار العالم نشرها على أوسع نطاق”.

وكان العديد من الأشخاص، الذين لديهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، حريصين على مشاركة الرسائل المؤيدة للحوثيين باللغة الإنجليزية، مشيدين بالجماعة لتحديها إسرائيل وحليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة.

وقالت هانا بورتر، الباحثة اليمنية المستقلة التي درست الدعاية الحوثية: “هذا هو ما كانوا يعملون من أجله لسنوات، إنهم منفتحون للغاية بشأن حقيقة أن ما يسمى بالحرب الناعمة، أي الحرب النفسية، لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، إن لم تكن أكثر أهمية”. وقد بدأت الجماعة، التي تطلق على نفسها اسم “أنصار الله”، كحركة يقودها أعضاء من قبيلة الحوثي، وركزت على الإحياء الديني والثقافي للمذهب الشيعي الزيدي.

وقالت بورتر إن استراتيجيات الاتصال المبكرة كانت تعتمد بالتأكيد على تكنولوجيا أقل، بما في ذلك المنشورات الورقية والمخيمات الصيفية للأطفال؛ ولكن في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قاد الزعيم حسين الحوثي تحوُّل الجماعة إلى قوة متمردة تقاتل الحكومة اليمنية الاستبدادية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقالت بورتر إنه خلال سنوات الحرب ضد الحكومة تم بناء دعاية الحوثيين، ووصفوا أنفسهم بأنهم قوة مناهضة للإمبريالية، تحارب الفساد والنفوذ الأجنبي، واعتمدوا شعارًا رددوه في المسيرات يتضمن عبارة “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”. وفي عام 2012، قاموا بتوسيع نطاق روايتهم من خلال تأسيس قناة “المسيرة”، وهي قناة تلفزيونية باللغة العربية مقرها في بيروت.

في عام 2014، شكل الحوثيون تحالفًا مع الرئيس اليمني المخلوع مؤخراً – وهو التحالف نفسه الذي حاربوه لسنوات- واجتاحوا العاصمة صنعاء وأطاحوا بالحكومة. وقادت المملكة العربية السعودية، المنافس الإقليمي لإيران، تحالفًا عسكريًا عربيًا في حملة قصف دامت سنوات في اليمن في محاولة لهزيمة الحوثيين، ومات مئات الآلاف من اليمنيين بسبب القتال والجوع والمرض.

ومع ذلك، فإن حصاد الحوثيين من تلك الحرب التي شنها ضدهم السعوديون، الذين حصلوا على المساعدات العسكرية والأسلحة الأمريكية، لم يكن النجاة فحسب، بل ازدهروا أيضًا، وأقاموا شبه دولة فقيرة يحكمونها بقبضة حديدية. وهم يقدمون أنفسهم الآن على أنهم الحكومة الشرعية في اليمن، متجاهلين الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي تعمل إلى حد كبير في المنفى.

قال هشام العميسي، المحلل السياسي اليمني الذي سجنه الحوثيون في عام 2017: “لقد تمكنوا من التقاط تلك الصورة والقول: نحن فقط في اليمن، نحن نمثل اليمنيين”. وأضاف: “يرجع ذلك جزئيًا إلى أن الحوثيين ماهرون في الدعاية، ولأن الحكومة اليمنية أيضًا ضعيفة جدًا”. ويتذكر العميسي، الذي كان يعيش في صنعاء عندما سيطر الحوثيون، الناس الذين غادروا المدينة ثم عادوا بعد فترة وجيزة لأن الظروف الاقتصادية والأمنية كانت أسوأ في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

منذ أن بدأت الحرب في غزة، قدم قادة الحوثيين أنفسهم على أنهم مستضعفون شجعان، وأنهم الجماعة العربية الوحيدة الراغبة في مواجهة إسرائيل والقوة الإمبراطورية للولايات المتحدة؛ ومن خلال قيامهم بذلك، لعبوا على وتر الشعور بالعجز، الذي يصيب العديد من العرب الذين يسعون جاهدين إلى وقف المذبحة في غزة. وفي المقابل ركزت الدول العربية القوية مثل المملكة العربية السعودية على الدبلوماسية لمحاولة إنهاء الحرب، متجنبة التدابير الأكثر قوة التي استخدمتها ذات يوم للضغط على إسرائيل وحلفائها الغربيين، مثل حظر النفط عام 1973.

وفي هذا السياق، قال العميسي إن الحوثيين “قدموا أنفسهم على أنهم الأبطال الحقيقيون ذوو الأخلاق العالية والمصداقية – إذا صح التعبير- ليس فقط للعرب، بل للإنسانية بشكل عام”.

وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يتعمق الحزن على الفلسطينيين والغضب تجاه إسرائيل، ارتفعت شعبية الحوثيين بشكل كبير. وقال بهاء الدين الجملي، وهو تونسي يبلغ من العمر 35 عاماً، “على الأقل يبذلون جهدًا، في وقت لم تفعل فيه دول أخرى مثل مصر والإمارات شيئًا من أجل فلسطين”. وفي البحرين، وهي مملكة خليجية ساعدت التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في ضرب الحوثيين، اجتذبت الجماعة اليمنية إعجاب العديد من المواطنين الذين يشعرون بالإحباط من موقف حكومتهم.

وقال أحمد المرشدي، وهو مهندس برمجيات في مصر يبلغ من العمر 30 عاماً، إنه على الرغم من أنه لا يدعم أيديولوجية الحوثيين و”يشك بشدة في دوافعهم”، فإنه يجد صعوبة في إدانة هجمات الميليشيا في البحر الأحمر. وأضاف: “يبدو أنها محاولة يائسة لممارسة الضغط على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، للحث على التدخل لوقف الإبادة الجماعية المستمرة في غزة”.

ولم يرد متحدث باسم الحوثيين على طلب للتعليق؛ لكن في الشهر الماضي، نفى محمد علي الحوثي، وهو عضو بارز في الجماعة، فكرة أنها تسعى للحصول على الشعبية؛ وكتب في تغريدة على موقع إكس: “نحن لسنا في انتخابات، موقفنا هو الموقف الواجب”. وقالت ندوى الدوسري، وهي باحثة يمنية غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن روايات الحوثيين غالبًا ما تكون موجهة نحو المتعاطفين المحتملين من اليسار الغربي، مستغلة الغضب بشأن غزة و”الخوف من تورط أمريكا في حرب أخرى”.

وفي الداخل، لا يسمح الحوثيون إلا بقليل من المعارضة، ويعتمدون على بعض الأساليب الاستبدادية نفسها، التي يستخدمها الحكام العرب المتحالفون مع الولايات المتحدة، والذين يحتقرونهم؛ وقد أغلقوا محطات إذاعية واعتقلوا صحفيين وناشطين وأفراد من الأقليات الدينية، وفي إحدى القضايا حكموا على أربعة صحفيين بالإعدام قبل إطلاق سراحهم في تبادل للأسرى. وحتى في الوقت الذي ينتقدون فيه إسرائيل لمنعها تدفق الغذاء والمياء إلى أكثر من مليونين من شعب غزة، فقد منع الحوثيون المياه من الوصول إلى المدنيين في تعز، إحدى أكبر المدن اليمنية، حسبما أشارت هيومن رايتس ووتش مؤخرًا في تقرير لها.

وقال العميسي إن نجاح سردية الميليشيا كان سرياليًا بالنسبة لليمنيين الذين عانوا تحت حكم الحوثيين؛ فإنه في عام 2017، بعد أن انتقد الحوثيين علنًا، اعتقلوه واحتجزوه لعدة أشهر واتهموه بأنه جاسوس. وهو يتذكر زنزانة سجن صغيرة مظلمة جعلته يشعر وكأنه “دُفن حياً”، وأضاف: “أنا في الواقع واحد من المحظوظين.. كثير من الناس لم يخرجوا من هناك”.

يعيش العميسي الآن في الولايات المتحدة، ويصاب بالذهول عندما يهاجمه غرباء مصريون أو فلسطينيون أو أمريكيون عبر الإنترنت لانتقاده الحوثيين. يقول: “أقول لهم بالله عليكم، هل تفهمون حتى من هم الحوثيون؟”.

المصدر: نيويورك تايمز | فيفيان نيريم
تاريخ النشر: 24/01/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...