أخذت 580 إبرة هيبارين!

بقلم: أدهم شرقاوي

| 9 ديسمبر, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أدهم شرقاوي

| 9 ديسمبر, 2023

أخذت 580 إبرة هيبارين!

يكشف النص عن معاناة سكان غزة وصمودهم في وجه الأوضاع الصعبة. يبرز الكاتب إيمانهم وصمودهم، ويعرض مقاطع فيديو تكشف عن الجوانب الإنسانية لحياتهم. يتحدث عن العجز والضعف الذي يشعر به الناس، مع التأكيد على أن الشهداء هم أناس يعانون ويشعرون بالألم، ويستنكر الكاتب الهجمات التي تستهدف الأبرياء في المنطقة.

غزة: صمود في وجه المأساة والمعاناة الإنسانية

تقول نشرات الأخبار: سقط كذا وكذا شهيد..
والحقيقة أنهم ما سقطوا، لقد ارتقوا! نحن الذين نسقط كل يوم، نحن الذين خذلناهم إلا بمقدار ثقب إبرة تنفذ منه بعض المساعدات بمقدار ما يبقيهم أحياء بانتظار أن تحصدهم القذائف، فلا نُعيَّرُ بموتهم جوعى!
أتخيّلُ مرارتهم وقد كانوا يحسبون أن لهم ظهراً، وأنهم جزء من أمّة، فإذا بهم يكتشفون أنهم مقطوعون من شجرة! ولستُ أحبُّ جلد الذّات ولا جلد الآخرين، وأعرف جيّداً رأي الشعوب في هذا العدوان، وأنها تحترق غضباً ولكنها عاجزة ومكبلة، ولكن العجز ليس مبرراً بقدر ما هو خطيئة!


بعض المقاطع المُصوّرة القادمة من غزّة ترفع الرأس عالياً، تُخبركَ عن مدى إيمان الناس هناك، وعن جمال قلوبهم، وصلابة عقائدهم، وتكشف أن العقيدة ليست وليدة ظرف طارىء أو فقْدٍ، ولكنّها بناءٌ أُميطَ عنه اللثام، فرأينا عجائب صبر المؤمنين عندما يكونون مؤمنين حقاً!
وبعض المقاطع تُخبرنا أنهم ناسٌ مثلنا، ليسوا ملائكة كما نتصوّرهم، وليسوا جبالاً من صخر كما يوحي مشهد ثباتهم! لهم قلوب تنفطر، ودموع تسيل، وأحزان تزلزلهم، ولستُ أدري أنبكيهم أم نبكي على أنفسنا.. ثمّة ألم لا يُطاق، ووجع لا تحمله الجبال وهي حجارة، فكيف يحمله الناس وهم من لحمٍ ودم!
https://www.youtube.com/watch?v=v3UraysxLK4
منذ يومين وأنا عالق في فيديو المرأة الغزّاوية التي تحمل ابنها الشهيد بين ذراعيها، والأسى في ملامح وجهها لو وُزّع على البشرية لكان كافياً أن يُقيم كل واحد منا مأتماً!. كانت تقول بلهجتها الفلسطينية القريبة إلى القلب، الحبيبة إلى الروح: تعبت فيك يمّة، أخذت 580 إبرة هيبارين!


كل آلام الحمل، كل الإبر في جسدها، كل وجع الوضع، كان يُهوّنه عليها أنها ستعانق ابنها… ثم جاء أخيراً، حضنته خليّة خليّة، بثّتْ فيه من روحها وعزيمتها، ثم ها هو بين يديها جثة هامدة، في لحظة صارتْ سبقاً صحفياً، تناقلنا نحن وجعها، وحتماً سيشغلنا عنه وجع آخر، هذه المدينة مليئة بالأوجاع، ولكل جرح حكايته! أما هي فستبقى عالقة في جرحها إلى الأبد!
أنتَ حين تقتل أغلى ما عند الإنسان فقد قتلته هو فعلياً، حين تهدم حلمه فإنك تهدم روحه، لا يوجد شيء أكثر مرارة من أن تأخذ من إنسان ذاك الشيء الذي كان يعيش لأجله، ثم تطالبه أن يعيش بدونه!
واللهِ لو كان الشُّهداء هم المقاتلون لزففناهم وما ذرفنا عليهم دمعة، فما ربّيناهم إلا لهذه اللحظة، وما وضعنا في أيديهم البنادق إلا لأننا نُؤمن بصواب هذه الطريق وقدسيتها! ونحن في حضرتهم نتضاءل ونصغر، ونقول لهم قولة الراهب للغلام: أنتَ اليوم أهمّ مني! وكنّا نودُّ لو تبادلنا معهم الأدوار، لأن كل منصب غير الميدان تافه، وكل كلام غير الرصاص تنظير!
ولكنّ الشّهداء ناس، آباء وأمهات وأطفال وعجائز، وهذا هو الذي يكسر الظهر!
يُعاقبون النّاس كي يتخلوا عن المقاومة ويطعنوها في ظهرها، ويتعمدون قتل النّاس ليقولوا للمقاومة: لولاكم ما كان هذا!
يريدون منّا أن نعتذر لأننا كنّا أبطالاً، لا والله، ليس بيننا وبينهم إلا قذائف الياسين 105، ولو عاد الزّمان دورته لعدنا حتى يحكم الله بيننا وبين عدوّنا وهو خير الحاكمين، ومن مضى شهيداً منّا فهنيئاً له، ومن بقي فسيشهدنَّ خاتمة الأمر، وإنه لم يكن في يوم من الأيام أقرب منه اليوم!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...