كيف خذل اليسار الألماني الفلسطينيين

بواسطة | فبراير 22, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بواسطة | فبراير 22, 2024

كيف خذل اليسار الألماني الفلسطينيين

الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في ألمانيا تكشف تباين المواقف السياسية، حيث تظهر مواقف الأحزاب اليسارية تناقضًا بين التضامن مع فلسطين وتأييدها لإسرائيل، مما يعكس ضعف البيانات الصادرة والانقسامات الداخلية.

بين المظاهرات المناهضة للعنصرية والتضامن المشكوك فيه مع فلسطين

يبدو أن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للعنصرية كانت موجهة نحو استرضاء اللوبي الإسرائيلي، وأن السياسيين يخشون اتخاذ موقف.

في الأسابيع الأخيرة، خرج ملايين الأشخاص إلى الشوارع في مدن في جميع أنحاء ألمانيا للتظاهر ضد اليمين المتطرف، وعلى وجه التحديد ضد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، المؤيد لإسرائيل.

وجاءت الاحتجاجات في أعقاب ما كشفته إحدى وسائل الإعلام الاستقصائية، عن أن السياسيين اليمينيين المتطرفين عقدوا اجتماعًا سريًّا مع نازيين جدد معروفين في نوفمبر، حيث ناقشوا خطة للترحيل الجماعي للأجانب وللألمان الذين يُعتبرون “غير ألمانيين” بما يكفي.

وفي حين أن الاحتجاجات موضع ترحيب، فإن ما كان غائبًا بشكل صارخ عن العديد من المظاهرات هو تعبير واضح عن التضامن مع الأشخاص الملونين الذين يتضامنون مع الفلسطينيين، وهم الأكثر استهدافًا حاليًا بالعنصرية. وقد أدرجت إحدى وسائل الاحتجاج على وجه التحديد معاداة السامية كشكل من أشكال العنصرية، إلا أنها لم تذكر الإسلاموفوبيا، على الرغم من حقيقة أن المسلمين، إلى جانب المهاجرين السود والملونين، هم الأهداف الرئيسية لحزب البديل من أجل ألمانيا، الذي هو أيضًا مؤيد بشدة لإسرائيل.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، طالب الحزب بوقف المساعدات الإنسانية لفلسطين، وبعد تحركات مؤيدة لفلسطين، دعا إلى ترحيل النشطاء. وحقيقة أن المسؤولين الحكوميين شاركوا في المظاهرات المناهضة للعنصرية، بينما قاموا في الوقت نفسه بتفعيل السياسات التي دعا إليها حزب البديل من أجل ألمانيا، وإن كانت بمظاهر مخففة، تُظهر أن موقفهم المناهض للعنصرية هو مجرد كلام.

ويبدو أن الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للعنصرية كانت موجهة نحو استرضاء اللوبي الإسرائيلي، وتمييز نفسها عن الاحتجاجات الأخيرة المؤيدة لفلسطين؛ وهذا أدى إلى خلق حالة تم فيها استهداف بعض مؤيدي فلسطين غير البيض، حيث علق أحد الأشخاص المتضررين قائلًا: “بعد المظاهرات المناهضة للفاشية على مستوى البلاد، بينما كان البيض يهنئ بعضهم بعضًا، كان العرب يتفقد بعضهم بعضًا كما جرت العادة”.

وهذا يسلط الضوء على مشكلة أوسع بكثير في اليسار الألماني، فهو ليس لديه موقف واضح بشأن فلسطين؛ وقد يكون هذا راجعًا إلى الفكرة الخاطئة أن ذنب المحرقة من الممكن أن يُكفَّر عنه من خلال الدعم غير المشروط لإسرائيل، أو اعتبار أن التحدث علنًا باسم الفلسطينيين في المناخ الألماني الحالي يعني الإلغاء الفوري.

بيان ضعيف

في نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد أن أعلنت غريتا ثونبرج دعمها لفلسطين، نأى الفرع الألماني لحركتها “الجمعة من أجل المستقبل” بنفسه عن الناشطة المناخية؛ وفي مقابلة قالت كارولا راكيتي، المرشحة البارزة للانتخابات البرلمانية الأوروبية المقبلة عن الحزب اليساري الألماني دي لينكه، إنها يمكن أن تتفهم الانتقادات الموجهة إلى ثونبرج.. وهذا يتناسب مع الخط الحزبي لحزب “دي لينكه”، الذي التزم الصمت بشكل ملحوظ في ما يتعلق بغزة، باستثناء عدد قليل من الأصوات.

ووفقًا للسياسية في الحزب، كريستين بوخولز، فإن الوضع الحالي للحزب “غير مناسب على الإطلاق، حيث يحاول الحفاظ على التوازن بين انتقاد إسرائيل وانتقاد حماس”. وبعد البيان الأولي الضعيف الذي صدر في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، والذي ألقى باللوم على حماس وحدها في التصعيد في غزة، بدا أن قيادة حزب “دي لينكه” تأمل أن ينسى أعضاؤها (والناخبون المحتملون) هذا الموضوع.

عندما وصفت النائبة السابقة عن حزب “دي لينكه”، بويندينيس ساهرا فاغنكنشت، غزة بأنها “سجن مفتوح” في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، نأى زعيم المجموعة البرلمانية للحزب بنفسه عنها بشدة. وقد رُفضت الضغوط التي مارستها التيارات التقدمية في الحزب لتبني لغة أقوى تدعو إلى وقف إطلاق النار في مؤتمر الحزب، كما فشل برنامجهم الأساسي الجديد في ذكر إسرائيل وغزة.

ولم يكن هناك أي رد عندما أعلنت ألمانيا أنها ستتدخل نيابة عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية. ورغم أن حزب “دي لينكه” قرر رسميًا دعم حركة السلام الإسرائيلية والبرلماني الإسرائيلي عوفر كاسيف، الذي يواجه الطرد من الكنيست لدعمه قضية محكمة العدل الدولية في جنوب أفريقيا، فإنه لا يمكن العثور على مثل هذه البيانات التضامنية مع الفلسطينيين.

الانتقاد نفسه ينطبق على قيادة مؤسسة روزا لوكسمبورغ، التابعة لحزب لينكه. وفي رسالة مسربة من تشرين الثاني/ نوفمبر، انتقد الموظفون في مكتبهم في فلسطين والأردن موقف المؤسسة الضعيف تجاه غزة، منتقدين “القمع المنهجي للأصوات الفلسطينية وإدامة رواية الظالم”.

القيم الجوهرية

ومن الأفضل أن يعود الحزب إلى قيمه الأساسية بعد نتائج الانتخابات المخيبة في السنوات القليلة الماضية، والانقسام الداخلي في العام الماضي.

فقد ترك عشرة من نوابه البالغ عددهم 38، بقيادة فاغنكنيخت، الحزب، وبالتالي فقد مكانته كفصيل في البرلمان الألماني؛ وبعد ذلك أسست فاغنكنيخت حزبها الخاص، باسم (BSW)، والذي يمكن أن يعرّض وجود حزب “دي لينكه” للخطر. ورغم أن سياسات الحزب الجديد ليست تقدمية على الإطلاق، ورغم أن موقفه بشأن الهجرة يمكن وصفه بأنه موقف يميني، فإنه يقدم نفسه على أنه الحزب الوحيد الذي يقف بحق لصالح السلام.

واتهمت فاغنكنخت إسرائيل بشن “حرب وحشية”، في حين قال زوجها وزميلها في الحزب أوسكار لافونتين إن إسرائيل ترتكب “جرائم حرب”؛ لكنه أكد مع ذلك قوله إن من واجب ألمانيا الدفاع عن اليهود ودولة إسرائيل. ويبقى أن نرى كيف سيترجم هذا الموقف في الممارسة العملية.

وبعد انقسام الحزب وعد الحزب بتجديد نفسه؛ لكن أداءه الضعيف بحسب استطلاعات الرأي يُظهر أن الناس على الطيف اليساري أصبحوا محبطين، إذ أظهر الاستطلاع الأخير أن نسبة المؤيدين له بلغت 3.5 في المائة على المستوى الوطني، مقارنة بـ 7.5 في المائة لحزب BSW المنافس. ويشعر كثيرون منهم، وخاصة الشباب الملونين، أو أولئك الذين هم من أصول مهاجرة، أن الموقف القوي بشأن فلسطين هو بمثابة نجاح أو فشل لأي حزب يريد أصواته.

ذات يوم كتبت الناشطة روزا لوكسمبورج: “الشيء الأكثر ثورية الذي يمكن للمرء أن يفعله هو أن يعلن دائمًا بصوت عال ما يحدث”. وبعد الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، لم تعد هناك أعذار؛ فأي لاعب سياسي لا يتخذ موقفًا واضحًا ضد تصرفات إسرائيل يوافق بصمته على الإبادة الجماعية المستمرة.

وإذا كانت لدى اليسار الألماني رغبة حقيقية في تجديد نفسه، فيتعين عليه أن يستجيب لنداء لوكسمبورج، ويتخلص من خوفه ونفاقه، ويتخذ موقفًا قويًا من أجل حرية الشعب الفلسطيني.

المصدر: ميدل إيست آي | Josephine Valeske
تاريخ النشر: 15/02/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

بعد أن طُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في المحراب في صلاة الفجر، يومَ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، احتمله الناس إلى بيته وجراحُه تتدفق دما. همّ الخليفة أن يعرف قاتله كان من أوائل ما طلبه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعرف...

قراءة المزيد
حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع "دودي الفايد" مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات "ديانا"!. للتذكرة.. "دودي" (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن. نحن –...

قراءة المزيد
الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

ظل مالك بن نبي مصراً على أن ملحمة الاستقلال العربي الإسلامي، الممتد إنسانياً بين أفريقيا وآسيا، تنطلق من معركة التحرير الفكري بشقّيها؛ كفاح الكولونيالية الفرنسية عبر روح القرآن ودلالته الإيمانية، ونهضة الفكر الذاتي الخلّاق من أمراض المسلمين، والرابط الروحي والأخلاقي...

قراءة المزيد
Loading...