موقف واحد.. أساليب شتى!

بواسطة | أبريل 29, 2023

بواسطة | أبريل 29, 2023

موقف واحد.. أساليب شتى!

يروي “إيسوب” فيلسوف الإغريق في حكاياته الماتعة: إن خفاشا سقط على الأرض، فانقض عليه ابن عرس يريد افتراسه! وعندما علم الخفاش أن ابن عرس لا محالة قاتله، قال له متوسلا: أرجوكَ لا تقتلني.
قال له ابن عرس: معك حق، ربما ليس عليَّ أن أقتلك، ولكن بيني وبين الطيور عداوة غريزيّة. فقال له الخفاش: ولكني فأر ولست طائرا!
وبعد أيام وقع الخفاش في قبضة ابن عرس آخر، ورجاه أيضا أن لا يقتله. فقال له ابن عرس: معك حق، ربما ليس عليَّ أن أقتلك، ولكني أكره الفئران. فقال له الخفاش: ولكني طائر، ولست فأرا!
وهكذا نجا مرتين من موت محقق!
الأُسلوب الذي ينفع مع إنسان قد لا ينفع مع غيره، والحكيم هو الذي يعرِف مفاتيح الأشخاص الذين يتعامل معهم. أما افتراض أن الأُسلوب سيؤتي الثمار نفسها مع جميع الأشخاص، فهذه حماقة تشبه علاج جميع المرضى بالدواء نفسه، مع توقُّع أن يشفوا جميعا!

من الناس من إذا أخذ على خاطره من موقف بسيط، وجب عليك التعامل معه، وكأنك قتلت له قتيلا! ومن النَّاسِ من يعفو وفي الأمر دم!

من الناسِ من إذا طلبت منه درهما فكأنك تطلب روحه، ولكنك قد تجده خدوما في مجال آخر ليس فيه إنفاق!
ومن الناس من هو غضوب، فهذا لا يجب الضغط عليه في حالة هيجانه، ولكنه بالمقابل طيب القلب إذا هدأَ!
وفي البيتِ الواحد تجد من إذا مازحته تحسّس، بينما تجد الآخر يتقبل، ويجاريك حتى! هذا وهما يسقيان بماء واحد!
ومن الناس من إذا أخذ على خاطره من موقف بسيط، وجب عليك التعامل معه، وكأنك قتلت له قتيلا! ومن النَّاسِ من يعفو وفي الأمر دم!
الذي يعرف طباع الناس الذين يتعامل معهم، يهوِّن على نفسه وعلى الآخرين عناء فساد المودة؛ تماما كالطبيب الذي إذا شخَّص المرض، سهل عليه وصف العلاج!
حين بال الأعرابي في المسجد، ونهره الصحابة؛ أَمرهم النبي ﷺ أن يتركوه! ولكنه في المقابل حين رأى أحد أصحابه يلبس خاتما من ذهب، قام إليه ونزعه من يده، وألقاه على الأرض!
الأعرابي حديث عهد بإسلام، وهو آتٍ من بيئة تختلف ثقافتها عن ثقافة أهل المدينة؛ أما الصحابي فطاعن في الإيمان، تربى جيدا ليتقبل الأمر ولو فيه حدة، فيزجر هو ومن رأى المشهد؛ أما الأعرابي فلا يستقيم معه إلا اللين في هذا الموقف!
وعليه قس أمور الدنيا كلها..
اخترْ مفرداتكَ بحسب ثقافة المتلقي، وأمثالك معه بحسب حجم وعيه وإدراكه، فإنك لن تستطيع أن تلج إلى نفوس الآخرين إلا من أبوابهم المتاحة، ولو تكلفت بابا موصدا كان عاقبة أمرك خسرا!

أدهم شرقاوي

لا أضعُ حرف الدال قبل اسمي، أنا من الذين تكفيهم أسماؤهم!
جاهل وإن بدوتُ عكس ذلك،
عاصٍ وإن كان في كلامي رائحة التقوى،
وعلى ما فِيَّ من نقصٍ أُحاولُ أن أدُلَّ الناس على الله، أُحاولُ فقط!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

يوشك الأمم أن تداعى! (1)

يوشك الأمم أن تداعى! (1)

كيف تحدث هذه الفظائع كلها في غزة، دون أن يكون هناك أي تحرك من الأشقاء أهل السلطة في البلاد العربية أو المسلمة؟ أليس الدين واحدا؟ والدم واحدا؟! إلام يستمر هذا النزيف ليقتنع الإخوة الأشقاء أو الألداء، ويهبّوا من أجل هذا  الدم الذي يسيل بلا حساب؟! هذا السؤال...

قراءة المزيد
رمضان أبو جزر.. شاهد على العصر

رمضان أبو جزر.. شاهد على العصر

رمضان أبو جزر طفل فلسطيني، يحمل على كتفيه الصغيرين همَّ أمة بأكملها، يؤمن بأنَّ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، فصاحة لسانه وحسن منطوقه يجبرانك على الإنصات له، فحديثه يوازي عمر رجل أربعيني. له من الألقاب فوق ما أحصيه عدّاً؛ فهو الخوارزمي الصغير، وسفير أطفال...

قراءة المزيد
الهجرة النبوية والنزعة إلى الاستقلال

الهجرة النبوية والنزعة إلى الاستقلال

يحلُّ علينا الآن عام هجري جديد، ونحن نعلم يقيناً أن الهجرة النبوية ليست حدثاً عابراً مرت به الأمة وقائدها، إنما كان حدثاً يؤكد لنا ضرورة الاستقلالية قبل بداية أي مشروع فكري نهضوي حضاري، فقد كان لزاما على قائد المسيرة تغيير موطن بداية الانطلاقة لدولة الحضارة، حتى لا...

قراءة المزيد
Loading...