خرافة اسمها الحب!

بقلم: كريم الشاذلي

| 8 نوفمبر, 2024

بقلم: كريم الشاذلي

| 8 نوفمبر, 2024

خرافة اسمها الحب!

من البديهيات أن المشاعر جزء أصيل لدى الإنسان.. البعض قسمها إلى مشاعر إيجابية: كالحب، والسعادة، والرضا؛ وأخرى سلبية: مثل الغضب، والاشمئزاز، والخوف.

غير أن علم النفس ذهب ليؤكد أن كل المشاعر لها جانبان، واحد سلبي وآخر إيجابي؛ فالغضب -مثلاً- يعد أحد أسوأ المشاعر الإنسانية على الإطلاق، غير أن القليل منه هام، فالغضب هو الذي يحفظ للمرء مكانته! وإلا فكيف يواجه المرء منا من يظلمه، أو يعتدي على عِرضه وحقوقه.. عليه ببساطة أن يغضب! والخوف كذلك، قد نراه سلبياً ومعرة وعيباً في رجولة المرء منا، غير أن الخوف هو عضلة الحذر، وبدونه سيموت الحرص في الناس، ويحكمهم التهور.

وكذلك كل شعور يوصف بأنه إيجابي وجميل، له وجه سلبي، فالإفراط في مشاعر الفرح والسعادة قد تذهب بالمرء إلى الشطط، والإفراط في مشاعر الطمأنينة قد تنسيه شروط الأمان، والإفراط في الحب قد يهين الكرامة، ويريق ماء الوجه.. ويصيبنا بالتعاسة!

ولو نظرنا بتأمل، سنجد أن البشرية قد تواطأت على المبالغة في مشاعر الحب، تلك المشاعر اللطيفة، المبهجة، المدغدغة، والتي ألصق بها البعض ما ليس فيها، وأخرجها من كونها شعوراً، إلى جعلها منطقاً! وصار للحب سلطان، وأمر، ونهي!

 علم النفس حينما أدخل الحب المختبر، وألصق بأدمغة العشاق الأسلاك، وراقب التحولات التي تحدث لهم، خرج علينا بمعلومة هامة جداً، وهي أن الحب شعور خطر على الإنسان، ويجب محاصرته دائماً، إذ المُحب حينما يقع في فخ الحب، تتعطل في المخ مراكز الحرص، والتفكير المنطقي، والتحليل، وتنشط مراكز السعادة، والرضا، والطمأنينة.. يتم إفراز الدوبامين (هرمون السعادة) ببذخ، فنشعر بشعور غير صحيح، ونقرر قرارات غير ناضجة، ونمضي في طرق لا تليق بنا!

وقبل كل هذا قالها وليم جيمس -أبو علم النفس الحديث-، حينما أكد على أننا نقرر بعواطفنا، ثم نذهب إلى منطقة هذا القرار بعقولنا، فيتوه العقل في القلب، وتعشعش التعاسة في قلوب الناس، باسم الحب!

غير أن الواقع يقتات على الحب، كما لا يفعل مع أي شعور آخر!. الفن، والأدب، والمناسبات، والجو العام، والخيال الشعبي والنخبوي.. الكل يؤمن أن شعوراً ما، مثل الحب، يمكن أن يكون تحكُّمُه في المرء شيئاً يستحق الإعجاب!

التحكم الذي أخبرنا العلم، وأكد المنطق، ودمغت عليه تجارب الرجال، وشيعته أنات النساء، أنه شعور خداع.. يخدع المرء، ويرديه المهالك، إذا ما قاد الواحد منا، وعطل التفكير.

والحب في الإسلام -إن شئت وعياً- هو نتاج وثمرة، تماماً كأي شعور.. لا يعترف الإسلام بسهام الحب، غير أنه لا ينكر الميل القلبي، ويشترط أن يمضي هذا الميل نحو غاية الإنسان الحقيقية، لا غايته المتوهمة، وغاية الإنسان العاقل الراحة، والهدوء والسكن.. لا الشوق، والوجد، واضطراب العاطفة، وتشتت التركيز، وفورة المشاعر، وهبَّة السلوك..

وعليه، وجّه الإسلام الإنسان إلى البحث عن السكن لا الشعور، ولطالما استطاع السكن الصحيح أن يوفر لأهله المودة، والرحمة، ويزوّدهم بما يحتاجونه في رحلة الحياة، مطمئنين أن السكن في آخر المشوار. بينما الشعور كثيراً ما ذهب بأصحابه إلى دنيا الخيال، وأسقطهم في محكمة الأسرة.. والمجالس العرفية.

الحب شعور جميل، والرضا شعور جميل، والفخر شعور جميل..

والكثير من أي جميل قد لا يكون جميلا، والمشاعر حينما تقود تخطئ المسير، فلماذا نعيب على من غلبه شعور الغضب فأخطأ ولا نعيب على من تاه في الحب وضل؟! لماذا نبالغ في الاحتفاء بتخبط العشاق، ونرفعهم إلى مراتب الشهداء، وننشد لهم الأغاني، ونجعل لهم عيدين، لماذا؟!

لقد ذكر القرآن الكريم الحب في مواضع عدة، غير أنه حينما تحدث عن حب الرجل للمرأة، ذكره في موضع واحد، وذماً لا مدحا!

ذكر قصة عشق زوجة عزيز مصر لنبي الله يوسف عليه السلام، ذكرها بوضوح، موضحاً قيمة الحب حينما يقود العقل، وحجم المأزق الذي قد تتسبب فيه المشاعر، مهما كان اسمها ..

باسم الحب، راودت امرأة العزيز يوسف عن نفسه.. وباسم الحب أدخلته السجن ظلماً.. باسم الحب أهانت مكانتها ولطخت سمعتها، ونامت ظالمة لا مظلومة.

بينما لو روى القصة ذاتها نزار قباني لأبكانا عليها، ولجعلنا خصوماً ليوسف، أبناء البداوة، والجمود، والعقل العربي المتحجر!!

الحب حقيقة يا أصدقائي، لكن المبالغة في الاحتفاء به خدعة!

الحب شعور، ثمرة، ناتج، وليس منطقاً تمضي على هواه الأمور..

ولو مال قلب المرء إلى إنسان، كان عليه أن يحترم هذا الشعور، ويوجهه بالعقل إلى ما يريح لا إلى ما يُرهق. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم “لم نرَ للمتحابين مثل النكاح”.. لقد احترم نبينا شعور الحب، لا شك في ذلك.. ولكن بشرط أن يحقق الغاية.. السكن.

أما حب الدراما، والأغاني، والشعر، وما صدعوا رؤوسنا به، فهذا في شرع العقل جنون ..وليت صاحبه مجنون سقط عنه الحساب، وأُعذر بعدما ابتلي، لكن الواقع بالعكس.. إنه مجنون مُكلَّف، عليه أن يدفع تكاليف جنونه في دنيا راحت نفسه فيها حسرات، وأن يجيب على سؤال الخالق عن قيمة العقل الذي وهب له.. وأين كان وحياته تضيع؟!

هذا هو الحب الذي حدثونا عنه.. وهذا هو الحب الذي أعرفه..

وقد علم كل أناس مشربهم..

2 التعليقات

  1. Wafaa mohammed Mahmoud

    الحب شعور جميل والكثير من اى جميل قد لا يكون جميلا ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    الرد
  2. Wafaa mohammed Mahmoud

    مقال أكثر من رائع كالعادة 👏👏👏👏👏

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...