المُتنبّي وغزّة
بقلم: أيمن العتوم
| 23 سبتمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: أيمن العتوم
| 23 سبتمبر, 2024
المُتنبّي وغزّة
يبرز شِعر المتنبي في حرب غزّة على ثلاثة أصعدة، الأوّل: صعيد الشّعب، والثّاني: صعيدُ المقاومة. والثّالث صعيد الفيلسوف الّذي شَهِدَ هذه المشاهد فنَمْذَجَها. أمّا الشّعب الّذي يتعرّض لحربِ إبادةٍ جماعيّة، ولتطهيرٍ عرقيّ، ولتهجيرٍ مستمرّ، فهو يتمثّل بقوله، بعدَ أنْ مرّ ما يقربُ من عامٍ على هذه الحرب:
رماني الدّهرُ بِالأَرْزاءِ حَتَّى
فُؤادِي فِي غِشَاءٍ مِنْ نِبالِ
فَصِرْتُ إذَا أَصَابَتْني سِهَامٌ
تَكَسَّرَتِ النِّصَالُ عَلَى النِّصالِ
وهَانَ فَمَا أُبَالِي بِالرَّزَايا
لأنِّي مَا انْتَفَعْتُ بأنْ أُبالي
وهو يرى المصائب لا تُحيطُ به من كلّ جانبٍ فحسب، بل تحتضنُه، وتلتصقُ به، وتدخل في مَسَامات جسده، وقد فرّقت الحرب بينه وبين أهله وأحبابه وأصدقائه، فكأنّما يستظهر قوله:
فيا لَيْتَ ما بيني وبينَ أحبّتي
مِنَ البُعدِ ما بيني وبين المَصائِب
ولكنّه شعبٌ لا يرضى بالخُنُوع، ولا ينزلُ على الذّل، ولا يقبلُ بالظُّلم، فتراه يُردِّدُ وهو يمسحُ دمه الّذي لا يزال ينزف عن وجهه وصدره وذراعَيه:
إِنِّي أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي كَرَمٌ
وَلا أُصَاحِبُ حِلْمِي وَهْوَ بِي جُبُنُ
وَلا أُقِيمُ عَلَى مَالٍ أَذِلُّ بِهِ
وَلا أَلَذُّ بِمَا عِرْضِي بِهِ دَرِنُ
ويرى الرّجل أخاه أو أباه أو ابنته أو ابنته تسقطُ مضرّجةً أمامَه بدمائِها، ويحتضنُ المكلومُ مَنْ كان كلّ شيءٍ بالنّسبه له، وكأنّ صوتَ المتنبّي ينزفُ معه وهو يهتف:
وَإِنَّ رَحِيلاً واحِدًا حَالَ بَيْنَنَا
وَفِي المَوْتِ مِنْ بَعْدِ الرّحيلِ رَحِيْلُ
أمّا المُقاومة الّتي لا تعترف إلاّ بالسّيف وبالقُوّة، فهي تتمثّلُ قول المتنبّي:
سَيَصْحَبُ النَّصْلُ مِنِّي مِثْلَ مَضْرِبِهِ
وَيَنْجَلي خَبَرِي عَنْ صِمَّةِ الصِّمَمِ
لَقَدْ تَصَبَّرْتُ حَتَّى لاتَ مُصْطَبَرٍ
فَالآنَ أَقْحَمُ حَتَّى لاتَ مُقْتَحَمِ
لَأَتْرُكَنَّ وُجُوهَ الخَيْلِ سَاهِمَةً
وَالحَرْبُ أَقْوَمُ مِنْ سَاقٍ عَلَى قَدَمِ
وترفعُ راية القِتال حتّى يُسمَع صوتُ صواريِخها في كلّ مكانٍ، وتهتفُ من نفسٍ ضاجّةٍ بالأسى والحقدِ على العدوّ:
أَقَرَارًا أَلَذُّ فَوْقَ شَرَارٍ
وَمَرَامًا أَبْغِي وَظُلْمِي يُرَامُ
دُوْنَ أَنْ يَشْرَقُ الحِجَازُ وَنَجْدٌ
وَالعِرَاقَانِ بِالقَنَا وَالشَّآمُ
وترى المُقاوَمَةُ أنّ أقصرَ الطّرق وأصوبَها وأكثرها استقامة هي رفع البندقيّة في وجه العدوّ، وأنّ لا خَيار غير القتال، وأنّه لا فِرارَ من الحرب، فتهتفُ:
وإنْ عمرتُ جعلتُ الحرب والِدةً
والسّمهريّ أخًا، والمشرفيَّ أبا
ويُطالبُها بعضُ جيرانها بأنْ تتريّثَ قليلاً، وأنْ تدرس الأمر من أكثر من زاوية، وألاّ تُبادِئ بالحرب، وأنْ تحلُمَ حتّى لا تنتهي، فتهتف:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي موْضِع السّيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ، كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
وهي تدركُ أنّ الحِلم الّذي يريدُه منها جيرانُها هو الضّعْفُ بعينه، وهو الاستسلام، فتهتف:
كلّ حِلْمٍ أتى بغيرِ اقتِدارٍ
حُجّةٌ لاجِئٌ إليها اللِّئامُ
وأمّا على الصّعيد الثّالث، فالمتنبّي الفيلسوف الّذي يراقب ما يحدثُ في غزّة، فيصوغ الجريمة شِعرًا يصلحُ لزمانه وزماننا وكلّ زمان، فيهتف:
لا يَخْدَعَنَّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ
وَارْحَمْ شَبَابَكَ مِنْ عَدُوٍّ تَرْحَمُ
لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيْعُ مِنَ الأَذَى
حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ
ثُمّ يرى آلة البطش الّتي لا ترعوي ولا تتوقّف، والّتي تستقوي على الضّعفاء، فيعجب لحال هذا الإنسان المفطور على الظُّلم والبطش والجبروت كما يراه، فيهتف:
وقوله:
والظُّلْمُ من شِيَم النُّفوس فإنْ تَجِدْ
ذا عِفَّةٍ، فَلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ
ثُمّ يريدُ أنْ يُوصِلَ رسالةً إلى المُقاومة، لتُغيِّر وسائل هجومها، وأساليب حربِها مع عدوّها، فيهمسُ في أذنها:
مِنَ الجَهْلِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ الحِلْمَ دُوْنَهُ
إِذَا اتَّسَعَتْ فِي الحلم طُرْقُ المظالِمِ
ثُمّ هو يعتقدُ أنْ الضّربة الّتي تكون عن تخطيطٍ ودراسةٍ ووعي غير الّتي تكون عن غضبةٍ وفورةٍ وثَوَران، مع أنّ كليهما مطلوب، فتراه يهتف:
وَكُلُّ شَجَاعَةٍ فِي المَرْءِ تُغْنِي
وَلا مِثْلُ الشَّجَاعَةِ فِي الحَكِيمِ
بغداد
22-9-2024م
صدر لي خمسة دواوين وسبعَ عشرة رواية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق