هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 30 يونيو, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 30 يونيو, 2024

هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

أحياناَ، قد تصادم بعض الآثار الملموسة حكايا استقرت في نفوسنا.. فبعد أن بُنيت في عقولنا قصص ومرويات من الماضي، كثيرًا ما نجد أن بعض الباحثين في مجال الآثار الملموسة والنقوش وغيرها قد اكتشفوا أدلة تناقض المرويات الشفهية أو المسندة! فهل الآثار وسيلة مشكوك بها في قراءة التاريخ؟ .

فالتاريخ – كما تعلمون- هو علم يتناول النشاط الإنساني في كافة الأزمنة المختلفة، وبه نطلع على الماضي، ونفهم الحاضر، ونستشرف المستقبل.  وتستند دراسة التاريخ إلى مصادر أولية ومصادر ثانوية؛ فالمصادر الأولية هي كل ما كُتب ونُقش، وينتمي إلى زمن وقوع الحدث، ويشمل ذلك الآثار والنقوش والبرديات، والنقود والمسكوكات، وكتابات المؤرخين القدماء، والبقايا العضوية؛ أما المصادر الثانوية فتشمل كتابات الباحثين والمتخصصين، المعتمِدة على المصادر الأصلية.

هنا تَبرز أهمية الاكتشافات الأثرية كمصدر أولي لدراسة التاريخ، وهي تتيح لنا النظر إلى الماضي بمنظور جديد، وتصحح لنا المعلومات الخاطئة، وتثير عادة أسئلة جديدة تحتاج إلى إجابات؛ لذلك فهي تدفعنا مرة أخرى نحو البحث والتنقيب والتحقيق لوضع إجابات لتلك التساؤلات، ما يؤدي في النهاية إلى فهم أفضل للتاريخ. ومن المفارقات أن هذه الاكتشافات الأثرية قد تُعطينا معلومات عن فترات زمنية لم تكن مُوثقة بشكل جيد في المصادر المكتوبة.

ومن الشواهد التي توضح أهمية الاكتشافات الأثرية، ودورها في دراسة التاريخ، أنه في عام 1922 تم اكتشاف مقبرة «توت عنخ آمون» الشهيرة في مصر، وقد ضمت هذه المقبرة كنوزًا من الذهب والمجوهرات والأثاث الفاخر، وأدوات شخصية للملك، ما يدل على ثراء الحضارة المصرية القديمة رغم وجود المرويات التي تذكر مرورها بأزمات اقتصادية حادة، ومدى تقدمها في الفنون والعمارة والحرف اليدوية؛ كما ضمت المقبرة أيضًا قطعًا أثرية تم استيرادها من الخارج، ما يدل على متانة العلاقات المصرية القديمة مع البلاد الأخرى.

وفي عام 1947 اكتُشفت «مخطوطات البحر الميت»، التي يعود زمن تدوينها إلى ما بين عام 2000 ق.م. وعام 70م، ويصل عددها إلى ثمانمائة مخطوطة تقارب أربعين ألف صحيفة، وهي مكتوبة باللغات العبرانية والآرامية والسريانية واليونانية، وتضم معظم أسفار العهد القديم المعتمدة من اليهود والنصارى. وتحوي هذه المخطوطات معلومات في غاية الأهمية عن حقيقة السيد المسيح، وحقيقة الديانة اليهودية، وهو ما يتعارض تمامًا مع الديانتين الحاليتين، اليهودية والمسيحية؛ حتى قال أحد علماء اليهود إن القبول بما جاء في هذه المخطوطات يعني بطلان اليهودية الحالية!.

وفي عام 1974 تم اكتشاف ضريح الإمبراطور الأول كين، أو ما يعرف في الصين باسم «جيش الطين»؛ وهو عبارة عن الأسلحة المصنوعة من الطين. وقد تم بناء هذا الجيش على يد الإمبراطور «تشين شي هوانغ»، الذي وحّد الصين لأول مرة منذ أكثر من ألفي عام قبل الميلاد؛ وكان الهدف من بناء هذا الجيش الضخم حماية الإمبراطور في الحياة الآخرة. وقد ساعد هذا الاكتشاف الكبير على فهم التنظيم العسكري الصيني في ذلك الوقت، وأنواع الأسلحة التي كانت تُستخدم، وأساليب القتال؛ وساعد أيضًا في فهم معتقدات الصينيين القدماء حول الحياة والموت وما بعد الموت، وكشف روائع الفن الصيني القديم.

ويومًا بعد يوم تتوالى الاكتشافات الأثرية، والتي تكشف مخزونًا من الحقائق، وتُميط اللثام عن جوانب كانت إلى عهد قريب خافية يكتنفها الغموض. وستبقى الكتابات الأثرية على الدوام وثائق مادية لها دور لا يُنكر في إثبات مصداقيتها.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...